الأفغاني والباكستاني والإيراني في النجف

قد يكون المنقذ كعادته مقتدى الصدر، لا سيما في مسألة تسويف التظاهرات الشعبية فقد نجح في إبعاد الأضواء عن النجف ومظاهراتها التي باحت بالمحظور، فكلما ضاقت الأمور على الائتلاف الحاكم ومن منحه الشرعية والدعم في النجف خرج مقتدى من بين الأدغال، وركب التظاهرات وحوّل وجهتها إلى بر أمان الجهات الطائفية الحاكمة، فحشد بعض أتباعه وأخرجهم في كربلاء وبغداد لتغيير وجهة الاحتجاجات، وهذه المرة تحولت التظاهرات إلى المطالبة بإقالة الوزير الفاشل الذي هو جزء من فشل أكبر.

عربي بوست
تم النشر: 2017/07/17 الساعة 02:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/07/17 الساعة 02:21 بتوقيت غرينتش

من حق كل سكان العالم العيش في المكان الذي يحبّذون، وأرض الله ليست حكراً على أحد من خلقه، والوطن هو المكان الذي يأمن فيه الإنسان على نفسه وأهله من الشرّ المُحدق به "من وجهة نظري على الأقل".

كل هذه العوامل تشجع أي إنسان على التنقل والسكن حيثما يشتهي ويشاء طالما أراد ذلك، وفي ظل التوتر الحاصل في المنطقة جراء الحروب والصراعات اضطر ملايين الناسِ للهجرة والبحثِ عن مكانٍ آمن، ومقارنة مع باقي الأراضي العراقية باستثناء كردستان، فيعدّ جنوب العراق منطقة آمنة؛ إذ تخلو من المعارك والقصف، ومستقرة إلى حدّ ما.

ومحافظة النجف التي يعدّها أتباع المذهب الجعفري "الشيعة" عاصمتهم الدينية؛ لكون الإمام علي -رضي الله عنه- مدفوناً هناك، وتقع النجف جنوب العراق، أي أنها من ضمن المنطقة الآمنة.

لكنّ الأمان وحده لا يكفي، فالشعب يريد الخدمات، وفي مقدمتها الماء والكهرباء، لا سيما بعد ارتفاع درجة الحرارة إلى ما فوق الخمسين درجة مئوية، الأمر الذي دفع سكان النجف إلى التظاهر للمطالبة بحقهم الطبيعي، وهنا يجب التوقف، فما تحدّث به المحتجون ليس بالأمر العاديّ؛ حيث طالبوا بتأمين الكهرباء أسوة بالأفغان والباكستان والإيرانيين الموجودين برعاية الحوزة في النجف، والحوزة: هي المرجعية العلمية والفقهية لشيعة العالم، وفيها يتخرج علماؤهم.

وبعد أن أثير موضوع وجود كمّ كبيرٍ من الأفغانيين والباكستانيين والإيرانيين في النجف، لزم علينا الاستقصاء عن الأمر ومعرفة من هؤلاء ولماذا جاءوا إلى بلد يعيش حروباً وأزمات ومجهول المستقبل؟!

هؤلاء هم طلبة الحوزة من الأجانب والمكان الذي يسكنونه هو مجمّع سكنيّ كبير بُني بأموال الوقف الشيعي العراقي، وأمّا سبب امتعاض الشارع النجفي من هؤلاء، فقد أكد لي سكان نجفيون أنّ الأرض التي بُني عليها المجمع كانت للجيش السابق، وهي أرض حكومية لا تتبع للأوقاف وتم الاستحواذ عليها بعد طرد سكان العشوائية من فقراء المحافظة الذين بنَوا منازل بسيطة في هذا المكان للعيش فيها؛ حيث اتهمتهم الحكومة في النجف بالاتجار بالخمور، وارتكاب الجرائم رغم تأكيد السكان أن لا وجود لمثل هذه الأمور في المنطقة، والوقف الشيعي بالتعاون مع الحوزة بنوا مجمعاً سكنياً بطراز معماري حديث وخدمات كاملة وممتازة، وقيل إنّ هذا المشروع خُصص لطلبة الحوزة العراقيين الذين وبحسب السكان يعيشون في أوضاع سيئة ومنازل لا تصلح للسكن، لكن وبعد إكمال المجمع بقي الطلبة العراقيون في أماكنهم، ووزع المجمع على الطلبة الأجانب من الأفغانيين والباكستانيين والإيرانيين، وبإشراف مباشر من نجل علي السيستاني "محمد الرضا"، وهذا ما أغضب سكان النجف الذين يفتقدون للخدمات والسكن وفرص العمل.

ربما غضب الشارع النجفي يظهر للمرة الأولى بهذا الشكل، لكن لمجرد أن تتحدث مع أبناء النجف في هذا الموضوع يبوحون لك بأمور عديدة، لا تبدو وليدة اللحظة؛ حيث تكلموا على إدخال الآلاف من هؤلاء الأجانب دون تأشيرة دخول أو أي استفادة مادية للمحافظة وحتى للبلد، وأكدوا أن كثيراً منهم استولوا على الفنادق السياحية والمراكز التجارية بتسهيلات حكومية، وأنهم يتلقون معاملة خاصة صار يحلم بها أبناء البلد، وأوضح عدد ممن تحاورت معهم من سكان النجف أنه قد يكون علي السيستاني لا يعلم بما يجري مع السكان وطلاب الحوزة العراقيين، لكن ابنه محمد الرضا يتحمل المسؤولية المباشرة عن سخط الشارع النجفي على الحوزة، الذي توسع حتى صار تظاهرات شعبية قتل وجرح فيها عدد من المتظاهرين.

قد يكون المنقذ كعادته مقتدى الصدر، لا سيما في مسألة تسويف التظاهرات الشعبية فقد نجح في إبعاد الأضواء عن النجف ومظاهراتها التي باحت بالمحظور، فكلما ضاقت الأمور على الائتلاف الحاكم ومن منحه الشرعية والدعم في النجف خرج مقتدى من بين الأدغال، وركب التظاهرات وحوّل وجهتها إلى بر أمان الجهات الطائفية الحاكمة، فحشد بعض أتباعه وأخرجهم في كربلاء وبغداد لتغيير وجهة الاحتجاجات، وهذه المرة تحولت التظاهرات إلى المطالبة بإقالة الوزير الفاشل الذي هو جزء من فشل أكبر.

لا يملك أهالي النجف عصيان المرجعية الدينية؛ لأن المساس بها يعني المساس بالمنظومة السياسية والجيوش الرديفة، ومن الصعب عليهم تحمل الانتقائية التي يُعاملون بها وحتى إن كانت الأرض أرضهم، فالمتحكم يهتم بأبناء جلدته دونهم وعليهم تحمّل رؤية إخوتهم يعيشون في العشوائيات، بينما تُعمر السقوف والجدار بطرازاتها الحديثة لمن لا يملكون حتى إذن دخول لديارهم، فيما يبدو أن عليهم التكيف مع كل الفصول دون أي هواء مصطنع من مكيف أو براد، فهذا وبحسب المراجع العظام صبر وابتلاء وتضحية، وإن كانت بدرجة غليان، فذلك هو الإيثار، ومن يتظاهر في النار.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد