بالرغم من التأخير المسجّل في عملية انطلاقه على أرض الواقع، استبشرت ساكنة جهة العيون خيراً بالإعلان عن المصادقة الفعلية على مشروع تشييد محطتين للطاقة الشمسية بجهة العيون – الساقية الحمراء، والمتمثلتين في محطتي الطاقة الكهروضوئية "نور العيون" التي يتم إنشاؤها بجماعة الدشيرة – شرق مدينة العيون، و"نور بوجدور" المنجزة بإقليم بوجدور، خاصة بعد الزخم الإعلامي والسياسي الرسمي الذي واكب الإعلان عنه.
حيث وصف بـ"المشروع الأكبر إفريقياً في مجال الطاقة الشمسية"، بالإضافة إلى الميزانية الضخمة المرصودة له، والتي بلغت زهاء المليارين (2 مليار درهم)، والأهم الرهان المعقود عليه بتحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة الكهربائية بنسبة تقارب الـ50% في غضون سنوات قليلة، بحسب ما أعلن عنه من طرف ممثلي شركة "أكوا باور" السعودية، في المؤتمر الصحفي الذي عُقد قبل سنة من الآن تحديداً بأحد الفنادق بمدينة العيون، والذي جرت أشغاله على وقع احتجاجات المعطلين وهتافاتهم، رغم تعهد ممثلي الشركة الفائزة بصفقة تشييد المشروع خلال نفس الندوة، بأنه سيتم تخصيص نصيب مهم من مناصب الشغل بالمشروع المذكور لأبناء المنطقة.
ما يهم الساكنة بالأساس ليس المردودية الاقتصادية أو الطاقية الهامة على الاقتصاد الوطني التي يروج لها، ولا تلك الأرقام والنسب الفنية المتعلقة بالمشروع غير المفهومة بالنسبة للسواد الأعظم من الناس، من قبيل حجم الإنتاج الطاقي الذي سيبلغ المائة ميغاوات، وتوزيع نسب الإنتاج بين المحطتين ما بين 80 ميغاوات بجماعة الدشيرة الترابية العيون على مساحة 200 هكتار، عدا عن 20 ميغاوات المزمع إنتاجها ببوجدور، بحسب ما تم الإعلان عنه.
ما يهم الساكنة بالأساس هو انعكاس تلك الميزانية الهائلة المرصودة وذلك الإنتاج الطاقي الكبير على الواقع الاقتصادي والاجتماعي في مدن وقرى الجهة، خاصة فيما يتعلق أساساً بخلق مناصب الشغل القارة والمؤقتة، وكذلك حجم الصفقات التي ستستفيد منها الشركات المحلية ونوعيتها، بالإضافة إلى أغلفتها المالية، وهو ما لم يتم التطرق إلى تفاصيله بالشكل المطلوب، في ظل الحديث عن احتكار محسوبين على حزب سياسي معين يحتكر المشهد السياسي في الجهة وفي جماعة الدشيرة على معظم الصفقات المخصصة لشركات الجهة.
لكن ورغم غياب المعلومة الرسمية تروج بعض الأرقام المسربة من داخل الهيئات والشركات المعنية كوكالة إنعاش الشغل، وبعض الشركات المستفيدة من صفقات تقديم بعض الخدمات اللوجيستيكية؛ حيث يروج إنه إلى الآن تم استدعاء حوالي 700 عامل من أبناء الجهة من غير حاملي الدبلومات المهنية، معظمهم سيتم التعاقد معهم على أنهم مستخدمون غير متخصصين ومتعددو المهام، وبأجر يقارب الحد الأدنى للأجور SMIG، وما يؤكد ذلك هو المعلومات المتداولة بأن شركة "أكوا باور" السعودية المكلفة بإنشاء المشروع تعاقدت مع شركات أجنبية للإشراف على بعض الجوانب التقنية كما استقدمت العديد من التقنيين والمهندسين الأجانب من جنسيات مختلفة، خاصة الهند، ألمانيا، بلغاريا…
في حين تم تكليف شركات من الدار البيضاء بمهام الإشراف الإداري واللوجيستيكي التقني؛ ليترك فتات الصفقات للشركات المحلية من قبيل تكليفها بحراسة محيط الشركة الخارجي وتأجير بعض المعدات والمركبات، بالإضافة إلى توفير "العمالة الرخيصة"، ففي محاولة للتملص من التزاماتها إزاء العمال المحليين ومن حقوقهم، يتم اللجوء إلى شركات محلية لاكتتابهم بموجب عقود تفتقد لأدنى الشروط التي ينص عليها قانون الشغل؛ حيث تعمد الشركات إلى إجبارهم على التصديق على عقود لا تحتوي على مدد، تواريخ أو آجال التشغيل، كما لا تحتوي على الراتب المتفاهم عليه معهم، حتى يسهل التلاعب بتلك التواريخ والأرقام في حال رغبت الشركة في التخلص من عمالها، وفي أحسن الأحوال يتم اكتتاب العمال بموجب عقود لا تتجاوز مددها أشهراً معدودة يتم تجديدها بحسب الحاجة.
فكما هي عادة الشركات العاملة في المنطقة يتم تكريس منطق الريع والربح السهل على حساب حقوق العمالة المحلية التي يتم التعامل معها على أنها مجرد مجموعة من الأمّيين القاصرين الذين لا يجيدون العمل سوى في المواقع التي تتطلب الجهد البدني، في حين يتم استجلاب الموظفين الذين يحتلون المواقع التي تتطلب حملة الدبلومات المهنية والدبلومات العليا من خارج الإقليم، فالمنصب الإداري الوحيد الذي تم تكليف أحد أبناء المنطقة به هو منصب المستشار الاجتماعي، حتى يكون بمثابة واجهة بإخضاع العمالة المحلية.
ظروف مأساوية وشروط مجحفة للتشغيل يعمل بموجبها أبناء المنطقة في مشروع يفترض أن يكون قاطرة لتنمية المنطقة وسبباً في تحقيق رفاهيتهم وسعادتهم؛ حيث يشتغلون في بيئة تفتقر إلى أدنى شروط السلامة والأمان المهنيين، وفي غياب وضعف كبير في الخدمات الرئيسية التي ينبغي توفرها في مثل هذه المشاريع، حيث تشهد المرافق الخدمية اكتظاظاً كبيراً بسبب عدم مواءمتها لحجم العمالة المستقدمة، وما يعمق معاناتهم هو إرغام الشركات المحلية المكلفة بجلب العمال المحليين لمستخدميها على العمل لساعات إضافية بسبب ضغط الشركة المكلفة بإنجاز المشروع على تلك الشركات الناجم عن التأخر المسجل في الإنجاز.
ظروف تفرض تدخل الجهات المعنية بحماية العمالة المحلية وعلى رأسها مفتّشية الشغل والنقابات والجمعيات الحقوقية كما يستدعي تسليط الضوء عليها من طرف الإعلام المحلي وجمعيات حقوق الإنسان، خاصة في ظل التأكيد المستمر من طرف مختلف المتدخلين على ضرورة استفادة ساكنة المنطقة من خيراتها وثرواتها.
تجربة تعيد إلى الأذهان الأخطاء القاتلة التي عرفها تدبير الشأن الاجتماعي المحلي، والتي ما زالت المنطقة تدفع ثمن تبعاتها، والمتمثلة في الحيف الذي طال أبناء المنطقة في العديد من المشاريع والأوراش التنموية المحلية، والتي على رأسها منجم فوسبوكراع والمناصب التي كانت توفرها الوظيفة العمومية، والتي لو تم تدبيرها بشكل جيد لما بقيت الجبهة الاجتماعية المحلية مستعرة طوال سنين عديدة، فإصرار القائمين على شأن تنمية الإقليم على ارتكاب نفس الأخطاء في حق الساكنة، والإقصاء المتعمد لها يدق ناقوس الخطر ويهدد السلم الاجتماعي الهش أصلاً في ظل وضعية سياسية خاصة تفرض أن يتم حل كل المشاكل الاجتماعية بدل إهمالها وتراكمها.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.