"1"
قبل سنوات قلائل، وعلى أثر مباراة كرة قدم، تسببت ثلةٌ من الإعلاميين، و"إعلاميون" هنا على سبيل المجاز لا الحقيقة في اندلاع فتنة هائلة بين الشعبين المصري والجزائري لم يلبث أن تورط في إذكاء نارها كثيرون لا تزال ذاكرة "اليوتيوب" تحتفظ بنصوص عباراتهم، والزبد الذي تطاير من أشداقهم يحرض المتحمسين على الفتك بأي جزائري يرونه أمامهم.
ومن بعد ذلك كادت إعلامية أخرى توقد نفس النار بين المصريين والمغاربة، ثم واحدة أخرى أغلقت الهاتف في وجه سفير دولة بيننا وبينها من التوتر ما يكفي، في سابقة لم تشهد لها شاشات التلفاز مثيلاً.. وهكذا لو ذهبت تحصي فى خمس سنين فقط ما جره الصغار على علاقات الدول وترابط الشعوب من ويلات فلربما أعياك البحث.
بعض هؤلاء ممن يقض مضجعه أن يرى تحالفاً حقيقياً يقوم على الشراكة الاستراتيجية بين القاهرة والرياض، انتهز فرصة الخلاف الحقيقي حول إنهاء الأزمة السورية؛ ليملأ الدنيا بما يجيده من الشتم و"الردح" و"المعايرة" وكأن العنان قد أُفلت له فجأة ودون سابق إنذار.
"2"
العلاقات الاستراتيجية بين الدول تعني أن ما بين تلك الدول من الثوابت المشتركة أو المصالح الواحدة أو المنظور الأمني أكبر بصورة واضحة مما عداه من نقاط الاختلاف.. العلاقات الاستراتيجية بين الدول تأخذ طابعها من اسمها، بمعنى أنها علاقات طويلة الأمد، يُنظر فيها دائماً إلى المستقبل البعيد ولا تؤثر فيها تفصيلة صغيرة هنا أو هناك.. إنما تتأثر فقط إذا ما تراكمت التفاصيل الصغيرة لتأخذ شكل "التوجه الثابت".. عندئذ يبدأ أطراف العلاقة الاستراتيجية في مراجعة حساباتهم وتحليل مواقف بعضهم البعض؛ ليقرروا بعدها جماعة أو منفردين، إمّا اعتبار تلك التفاصيل مؤشراً على تحول استراتيجي في العلاقة، سواء بالتطور أو الضمور، وإما اعتبارها كأن لم تكن، مفضلين استمرار علاقتهم استناداً إلى حسابات المصالح.
"3"
قبل عامين، وتحديداً في شهر سبتمبر/أيلول من العام 2014، كتبت في جريدة "الشروق" تحت عنوان "أولويات الحلف المشرقي (القاهرة – الرياض – أبوظبي)":
".. التحالف الاستراتيجي الذي تبلورت ملامحه بشكل كبير خلال العام الماضي بين مصر من جانب وكل من السعودية والإمارات والبحرين من جانب آخر يستعد لاجتياز تحديات عدة في المستقبل القريب، تتراوح ما بين اختبارات جدوى نشأة التحالف ثم تماسكه واستمراريته، ثم من بعد ذلك نموه الطبيعي ليشمل دولاً أخرى".
واستطردت منبهاً إلى ضرورة الاتفاق على الأولويات تجنباً لمحطات اختلاف متوقعة:
"ورغم صلابة العوامل المشتركة التي أثمرت التحالف، لكن يبقى أن (تحديد أولويات) الأهداف الاستراتيجية لهذه الشراكة بالإضافة إلى (توحيد الرؤى) حيال التحديات التي تواجه المنطقة ضمانة أساسية للتماسك وتوسيع العضوية.
ومن هذا المنظور يمكن القول بأن التطابق الحالي في وجهات نظر الدول الثلاث حيال معالجة أزمة غزة ليس مثلاً على نفس الدرجة من الانسجام فيما يبدو حيال العراق ولبنان وسوريا وإن كان ثمة ثوابت مشتركة دائماً".
وحتى يومنا هذا لا يبدو واضحا للمراقبين ما إذا كانت هذه الأولويات قد تحددت أم لا.. وما إذا كان الحلف المشرقي يتقاسم نفس المنظور فى تناوله للتحديات أم لا أيضاً.
"4"
بلغة خالية من العواطف والانفعالات، ليس من مصلحة رُكني المنطقة العربية الركينين مصر والسعودية أن تترك الساحة لسفاهات الصغار وأحقاد الموتورين، فيما الكبار يكتفون بالمشاهدة.. ليس من مصلحة الرياض ولا القاهرة أن نعود إلى حقبة مقيتة لا نجتر منها إلا الشعارات الفارغة والنعرات العصبية وفوق ذلك مرارة الهزائم والنكسات.
فليرأب الكبار الصدع قبل أن يزيده السفهاء عُمقاً.. ولينظر القادة إلى الأمام عشرات السنين قبل أي خطوة يخطونها اليوم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.