مساء الخميس الماضي، 16 فبراير/شباط، قدَّم تومي جونز، رجلٌ معسول الكلام ذو شعرٍ أبيض يرتدي سترةً رمادية داكنة اللون، عرضاً لنسخةٍ من كتاب "The Terrorist Next Door" للمؤلِّف المحافظ إريك ستاكلبيك داخل حجرة طعام خاصة في مطعمٍ للمأكولات البحرية ببلدة كيرنرسفايل في ولاية نورث كارولينا الأميركية.
مثَّل العرض حدثاً غير معتاد بالنسبة لجونز، الذي كان قد أعلن عن الفعالية قبل ذلك بشهر خلال مأدبة غداء دورية أسبوعية في مدينة وينستون سالم القريبة، تحضرها مجموعة مختلفة من المُتحدِّثين المحافظين والمسؤولين الجمهوريين المُنتخبين. وحضر بندوة عرض الكتاب نحو 20 شخصاً، يُمثِلون ناشطين محافظين مهنيين، ومتطوِّعين من الحزب الجمهوري، وأعضاء ميليشيات، بحسب تقرير لصحيفة "الغارديان" البريطانية الخميس 23 فبراير/ شباط 2017.
وقرأ جونز، نقلاً عن الكتاب، على مسامع نحو 20 من أصدقائه الناشطين اليمينيين المتطرِّفين قائلاً: "المنظمات المرتبطة بالإخوان المسلمين تُنشِئ شبكاتٍ داخل الحزام الإنجيلي، (وهو مصطلح غير رسمي يُطلق على منطقة تمتد من جنوب شرقي الولايات المتحدة إلى جنوب وسطها، ويُشكِّل المذهب البروتستانتي الإيفانجيلي المحافظ اجتماعياً جزءاً رئيسياً من الثقافة فيها، وتقع ضمنها ولاية نورث كارولينا)". وتوقَّف، في أثناء تحويله رأسه من جهة اليمين إلى اليسار؛ من أجل إحداث تأثيرٍ درامي، وقال: "أعتقد أن هذا هو المكان الذي نعيش فيه".
الإخوان المسلمون، وهي جماعةٌ مُحافِظة اجتماعياً تأسَّست عام 1928، وتولَّت الحكم في مصر فترةٍ قصيرة بعد الربيع العربي، هي محور مخاوف التيار اليميني المُصاب بالذُعر من وجود مؤامرة إسلامية مزعومة للتسلل داخل المؤسسات الأميركية وتخريبها وفرض حكم الشريعة الإسلامية.
"ألا يمكننا قتلهم جميعاً؟"
وقال جونز، مواصلاً القراءة من كتاب ستاكلبيك: "أحد الأساليب التي اتَّبعها الإخوان المسلمون على مدار السنوات هو تأسيس المراكز أو المساجد الإسلامية، التي تُمثِّل بالنسبة لهم مركزاً للتجنيد من أجل الجهاد، وبناء أساسٍ دائم أينما سُمِح لهم بالوجود".
قُوطِع عرض جونز مراراً وتكراراً بتعليقاتٍ حول قتل المسلمين من جانب شخصٍ يُدعَى فرانك ديل فال، وهو مهاجرٌ كوبي معادٍ بقوة للشيوعية، في ظل عدم وجود أي اعتراضات تقريباً من جانب الآخرين داخل الغرفة.
وسأل ديل فال بعد 15 دقيقةٍ من بدء العرض خلال أحد النقاشات حول الاختلافات بين المذهبين السُنّي والشيعي في الإسلام، قائلاً: "ألا يمكننا قتلهم جميعاً؟".
ويُعَدُ ديل فال، بوصفه أحد سكان مدينة وينستون سالم، جزءاً من البيئة الثقافية التقدُّمية في منطقة محور بيدمونت -وهي منطقة حضرية تضم بلدة كيرنرسفايل- أكثر من نظرائه من ساكني الضواحي والمناطق الريفية. وبصفته عازفاً للإيقاع، فقد ساعد في تأسيس فرقة محلية لاتينية لموسيقى الجاز في أواخر التسعينات، وكوَّن صداقاتٍ مع موسيقيين، وفنَّانين، وأصحاب مطاعم، وغيرها من الفئات الإبداعية. ومع ذلك، لم تكن طبيعته المُحافِظة سريعة الغضب خافية، وفي أواخر يناير/كانون الثاني حُظِر من صفحة أحد الصحفيين المحليين على موقع فيسبوك؛ لكتابته تعليقاً لأحد متابعي الصفحة الآخرين يقول فيه: "لم أقم بإهانتك أو أُطلِق عليك أية ألقاب، ولذا ساعدني، إذا ما واصلت حماقتك وإهاناتك فسأبحث عنك وأُبرِحك ضرباً".
وانتشرت الأخبار حول ندوة عرض الكتاب، والحديث العنيف الذي دار فيها، بين الجالية المسلمة في ولاية نورث كارولينا حينما أُذيع الخبر في 18 فبراير.
وقال عبد الله عنتبلي، رجل الدين المسلم بجامعة ديوك: "الجالية مصدومةٌ تماماً. حينما يسمعون شخصاً يتحدَّث حول قتل المسلمين، يعرفون أنَّ ذلك قد يحدث لأيٍ من أحبَّائهم. وحينما يسمعون بشأن ذلك الاجتماع، فإنَّ ذلك يُثير أقصى مستويات الخوف لديهم".
وقال عنتبلي إنَّ المسلمين في نورث كارولينا يتحدَّثون حول البحث عن وظائف في ولاياتٍ أخرى كي يغادروا إلى مناطق تُعَد أكثر تقبُّلاً لهم، مثل منطقة شمال شرقي الولايات المتحدة.
وبالنسبة للكثير من النشطاء اليمينيين المتطرِّفين في بلدة كيرنرسفايل، والمشغولين بالتفكير في مشروع الحكومة الأميركية الذي سيستبدل مشروع "أوباما كير" للرعاية الصحية، والانهيار المالي الوشيك، واحتمال استفادة المهاجرين غير الشرعيين من الروابط التي تكوَّنت بينهم وبين المجتمع خلال اللقاءات التي نظمتها مدرسةٌ محلية مؤخراً، كانت رؤية جونز المُظلِمة تجاه الإسلام بالكاد امتداداً لأفكارهم تلك.
وخلال الندوة، شبَّه بيفرلي لانغ، وهو مناصرٌ نشط للحزب الجمهوري، وساعد حملة ترامب كمُسجِّل للمُصوِّتين، الاستيلاء الإسلامي المزعوم على الولايات المتحدة بنشاط المنظمة المُدافعة عن اللاتينيين "مجلس لا رازا الوطني".
وقال لانغ: "ما تقوله لنا بالتحديد، هو أنَّ الأمر يشبه نشاط لا زارا. ستسيطر على الحي تلو الحي، والجالية تلو الجالية. وستضع قومك في المناصب الانتخابية، وستسيطر على البلدة تلو البلدة تلو البلدة. وستستعيد ما يُفتَرَض أنَّه قد سُلِب منك، كما في الولايات الجنوبية الغربية. لكنَّهم يسيطرون على بلدنا بالكامل".
واعترف جونز، الذي كان قد قال إنَّه يخشى الحديث علناً حول وجهات نظره حينما كان باراك أوباما لا يزال في الحكم، بأنَّ الحاضرين ربما يكونون مُتقدِّمين عليه بخطوةٍ أو اثنتين.
وقال: "بالمناسبة، هنالك عددٌ كافٍ في هذه الغرفة يعرف ما يكفي حول ما أتحدَّث عنه، فإذا ما كنتُ أقول شيئاً تخالفونني فيه، أو تعتقدون أنّني مُخطئٌ به، فأوقفوني وصحِّحوا لي أخطائي".
"نظريات المؤامرة"
وضع أولئك الحاضرون سيناريو يستند إلى صورٍ خاطئة عن الإسلام ونظريات المؤامرة المتشابكة، التي تصوِّر الاتجاه العام من المسلمين على أنَّه يُخطِّط المؤامرات سراً لقتل الكافرين.
وقال جونز للحاضرين إنَّ جماعة الإخوان المسلمين تطالب كل مسلم بالمشاركة في الجهاد، وإنَّ "أي مسلم، وأعني بهذا المسلمين الموجودين بهذه المنطقة، وفي كل أنحاء البلاد، يعارض تلك الأهداف أو تلك الوسائل يُسمَّى كافراً ومرتداً. وهذا إثمٌ يُعاقَب عليه بالإعدام".
وأضاف روبرت غودويل، الذي عرَّف نفسه بأنَّه عضوٌ في منظمة "Act For America"، التي وصفها "مركز قانون الفقر الجنوبي" بأنَّها "كبرى المنظمات الشعبية المناهضة للمسلمين في أميركا"، قائلاً: "بالمناسبة، كلكم كافرون".
وقرب نهاية العرض، وجَّه ديل فال سؤالاً لجونز قائلاً: "هل لديك أية مقترحات بخصوص الكيفية التي يمكننا من خلالها إيقاف هذا الأمر؟ لأنَّ اقتراحي الوحيد هو البدء في قتلهم".
حاول غودويل توجيه النقاش بعيداً عن العنف، ولفت إلى أنَّ انتخاب دونالد ترامب كان تطوُّراً إيجابياً من أجل قضيتهم.
وقال غودويل: "هناك تغيُّرٌ كبيرٌ مُقبل. فسياسات التصحيح السياسي يتم التخلي عنها الآن. والكثير من الناس يجتمعون كما نجتمع. إنَّنا نحرز تقدُّماً في الاتجاه الصحيح".
وردَّ ديل فال: "لقد تجاوزتُ هذه المرحلة. أنا مستعدٌ للبدء في قتلهم".
وردَّ غودويل بدوره: "بإمكاني تفهُّم ذلك. لم نبلغ تلك المرحلة بعد".
وخلال العرض، تناقش الضيوف بحماسة حول مسجدين بالمنطقة، وكذلك حول الرئيس المحلي للحزب الديمقراطي، والذي هو شقيق عضو الكونغرس كيث إليسون، أول عضو مسلم في الكونغرس، والمُرشَّح البارز لرئاسة اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي.
"أمر مخيف للغاية"
وقال عنتبلي إنَّ الأنباء حول شخصٍ يناقش بصورةٍ عَرَضية القتل العشوائي للمسلمين خلال اجتماعٍ مفتوح كانت أمراً مخيفاً للغاية بالنظر إلى أنَّ مسجدين في أنحاء الولاية قد أحيا الذكرى الثانية لمقتل ثلاثة من الطلاب الجامعيين المسلمين في مدينة شابل هيل؛ إذ قُتِل ضياء شادي بركات، ويسر محمد أبو صالحة، ورزان محمد أبو صالحة بمنزلهم في العاشر من فبراير 2015 بواسطة جارٍ لهم كان يعيش في المجمع السكني الخاص بهم. ويُنظَر إلى حادثة القتل بين المسلمين في نورث كارولينا باعتبارها مدفوعةً بالكراهية الدينية، لكنَّ زوجة المتهم قالت إنَّ الحادثة نتجت عن خلافٍ بشأن موقف السيارات. ولم تبدأ المحاكمة في القضية حتى الآن.
وخطَّط عنتبلي للقاءٍ مع أعضاء الجالية المسلمة في المثلث، وهي المنطقة الحضرية التي تشمل مدن رالي، ودورهام، وشابل هيل، مساء الأحد 26 فبراير.
وقال: "لا أدري بما سأخبرهم. ولستُ أدري ما رسالة الطمأنة التي قد أقولها لهم. لا بد من أخذ هذا بجديةٍ تامة. لقد كان رد الفعل من قوات إنفاذ القانون مُخيِّباً للغاية على أقل تقدير".
ورداً على الحديث العنيف، طالب مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (كير)، وهو منظمة أميركية بارزة للدفاع عن الحقوق المدنية والحريات، بتحقيق فيدرالي وعلى مستوى الولاية أيضاً.
وقال إبراهيم هوبر، المتحدث باسم المجلس، إنَّ "الدعوات للعنف ضد أعضاء أية أقلية يستدعي فتح تحقيقٍ جنائي من جانب سلطات إنفاذ القانون في الولاية ومكتب التحقيقات الفيدرالي. ندعو الرئيس ترامب لنبذ التعصُّب المتنامي في بلادنا الذي يستهدف المسلمين، واللاتينيين، واللاجئين، والأقليات الأخرى".
ورد مكتب التحقيقات الفيدرالي: "نعمل مع شركائنا في سلطات إنفاذ القانون المحلية لتحديد ما إذا كان قد حدث انتهاكٌ فيدرالي ينطوي على تهديداتٍ بالعنف خارج إطار حرية التعبير المحمية بموجب التعديل الأول (في الدستور الفيدرالي). إنَّ الأمن والأمان يمثِّلان أولويةً لمكتب التحقيقات الفيدرالي، ونحن على تواصل مع قادة الجالية المسلمة المحلية لتأكيد أنَّنا نأخذ التهديدات المحتملة بجديةٍ شديدة".
وقال عنتبلي إنَّ فكرة أنَّ المتطرفين يلهون بفكرة العنف في ظل عدم قيام المسلمين بأي استفزاز مفزعةٌ لهم.
وقال: "هناك خوفٌ وقلقٌ حقيقيان، وهو مستوى مختلف من اليأس وفقدان الأمل، من ازدياد سوء الأمور. يتمثَّل الخوف الحقيقي الذي يؤرِّق الناس ليلاً في أنَّ هذا يحدث في ظل عدم وقوع أي هجومٍ إرهابي كبير بواسطة شخصٍ مسلم. الحمد لله منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول تراجع أعداد الهجمات في الولايات المتحدة. ولا سمح الله إذا وقع شيءٌ من هذا القبيل، فإنَّه سيشعل شرارةً. ماذا سيفعلون آنذاك؟".
أفزعت تصريحات ديل فال الكثير من سكان محور بيدمونت؛ إذ تُعَد منطقة المحور، بصفتها ثالث كبرى المناطق الحضرية في ولاية نورث كارولينا، صورةً مُصغَّرة للحياة السياسية المُنقسِمة في الولاية، وذلك بالنظر إلى تفاخر قادة المجتمع في المدن بدورهم في إعادة توطين اللاجئين، بينما تتأجَّجت الضواحي بالمشاعر المعادية للمهاجرين.
ونشرت عمدة مدينة غرينزبورو، نانسي فوغان، التي تنحدر من أصولٍ سورية، على صفحتها بفيسبوك ردَّاً على اجتماع بلدة كيرنرسفايل قائلةً: "الكلمات مهمة. أخضِعوهم للمساءلة. اكشفوا الكراهية أينما وجدتموها".
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا