لماذا لا يثور الغلابة؟

الغلابة هدفهم الشخصي يتلخص في رغيف الخبز الذي يمكن أن يتناوله من عربات القوات المسلحة التي توزع عليهم فتات الأكل والمعلبات في القرى الفقيرة، ليعودوا إلى منازلهم صاغرين منصاعين مرددين "تسلم الأيادي"، منتظرين خواء أمعائهم من جديد؛ ليعودوا جائعين مطالبين بالفتات الذي يرضيهم.

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/24 الساعة 02:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/24 الساعة 02:00 بتوقيت غرينتش

انطلقت دعوة مجهولة المصدر دعت إلى التظاهر في الحادي عشر من نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، في مصر، خاصة بعد هوجة غلاء الأسعار ومستويات التضخم غير المسبوقة، وعدم قدرة غالبية الشعب على مجاراة تصاعد الأسعار واختفاء الكثير من السلع من الأسواق، وسيطرة السوق السوداء بشكل كامل على العملات الأجنبية، ونزع سيطرة الدولة من على عملتها.

من المؤسف أن تكون هذه هي الشرارة التي استغلتها دعوة التظاهر لتحريض الناس على النزول إلى الشوارع، فكان من الأولى الحديث عن الانتهاكات المنظّمة من السلطة ضد الشعب، وممارسات الداخلية القهرية، وكذلك القبضة الأمنية على كل المجالات، وسيطرة القوات المسلحة على أغلب الصناعات بلا عائد فعلي على الشعب المسكين، كان من الأولى أن تكون دعوة التظاهر بسبب الشباب الذين سجنوا ظلماً وعدواناً، أو أولئك الذين اختفوا قسرياً، أو تلك الدماء التي سالت على الأسفلت في وضح النهار وما زالت تسيل.

انطلقت دعوة التظاهر التي تحمل عنوان "ثورة الجياع" حيناً، أو "ثورة الغلابة" في حين آخر، نجد أن لفظة "الجياع" تشير بشكل لا واعٍ إلى غالبية الشعب المصري الذين يعانون من سوء الحالة الاقتصادية، وسوء التغذية، أو يعيشون تحت خط الفقر العالمي، أولئك الذين لا يطلبون أكثر من قوت يومهم، الحق في الطعام هو أقصى طموحهم، لن أقول لك الطعام الصحي، فكل ما يريدونه هو ملء أمعائهم بأيٍّ ما يؤكل، فليس لديهم رفاهية الحق في الصحة، وبالرجوع إلى القاموس نجد أن كلمة الغلابة المشتقة من غِلاب، تعني الهزيمة والقهر، فمحرك الثورة هنا هم الغلابة المقهورون المغلوبون على أمرهم، المهزومون ليس في معركة حربية، وإنما في معركتهم مع السلطة الحاكمة التي تمتص دماءهم.

لم يفاجأ أكثرية المواطنين، وأنا منهم، بعدم نجاح دعوة التظاهر، فنحن نعلم جيداً أن الغلابة لا يثورون، ولكن لماذا؟ كل إنسان يتظاهر لأجل هدف شخصي، وكما قال نيتشه يجب أن تنبع المصلحة العامة من دافع شخصي وليس كخدمة عامة للآخرين في المطلق دون مقابل، فهذا هراء، كذلك كل شخص قرر أن يثور فله هدف شخصي يخدم المصلحة العامة.

فالغلابة هدفهم الشخصي يتلخص في رغيف الخبز الذي يمكن أن يتناوله من عربات القوات المسلحة التي توزع عليهم فتات الأكل والمعلبات في القرى الفقيرة، ليعودوا إلى منازلهم صاغرين منصاعين مرددين "تسلم الأيادي"، منتظرين خواء أمعائهم من جديد؛ ليعودوا جائعين مطالبين بالفتات الذي يرضيهم.

وفي هذه الحالة لا نملك سوى الشفقة على هؤلاء البشر الذين ارتضوا القليل، وهبطوا بسقف طموحهم إلى رغيف الخبز، لا نملك سوى الشفقة والتعاطف والثورة ضد جلاديهم إذاً ومَن جوعهم وجوعنّا، إذا استطعنا سبيلاً، ولكن في الوقت ذاته نتذكر رأي نيتشه بألا تجوز الشفقة أو العطف على الضعفاء الخائرين أو محاولة الأخذ بأيديهم، فلنتركهم في المطحنة ليواجهوا ما اقترفت أيديهم، وما اقترفت ضمائرهم من صمت ولوذ بالفرار المؤقت من قبضة العدوان، هل من الأفضل تركهم في وسط الطريق للهلاك؟ كما يقول نيتشه، أم نمد لهم يد العون ونساعدهم على الفهم والنهوض؟

بينما تتمحور الأهداف الشخصية للغلابة في "لقمة العيش" يمكن أن تجد أن الهدف الشخصي لفئة أخرى من الشعب يتمحور حول الحريات الشخصية والكرامة الإنسانية والمساواة والمطالبة بالرقابة على كافة مؤسسات الدولة بما فيها مؤسسة الرئاسة والقوات المسلحة، الأمر الذي قد يجده الغلابة ضرباً من الخبل والجنون، وأحياناً السفالة والفسوق والخروج عن طوع الآلهة أو العمالة لجهات أجنبية من أجل الإيقاع بالقوات المسلحة درع الوطن الحامية.

من المؤكد أن لكل فئة أهدافها الشخصية التي قد تثور من أجلها، بعض هذه الأهداف يمكن تطويعه، وبعضها الآخر يمكن تقييده وحبسه، أو ترهيبه، ومقايضته على الأمن والأمان، ومن المؤكد أن كل هذه الفئات لن تجتمع معاً إلا عندما يوجد هدف شخصي موحد للجميع، قد يكون هذا الهدف في لحظة ما هو فعلاً "لقمة العيش" بعد أن يصبح الجميع غلابة!

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد