الحكومة العربية في عالم متغير.. بين حتمية الابتكار أو خطر الاندثار (1)

لعله كثيراً ما تحدثنا في حياتنا المعاصرة عن تسلط الدولة والسياسات الممنهجة التي يمكن أن تتخذها في سبيل فرض سياسة أو نظام إجباري على المواطنين، وكثيراً ما تداولنا جميعاً -كباحثين في الإدارة والاقتصاد والقانون والسياسات- عن الأدوات التي يمكن من خلالها أن تقوم الدولة بفرض هاته السياسة بقوة السلطة وقوة القانون.

عربي بوست
تم النشر: 2017/02/24 الساعة 01:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/02/24 الساعة 01:31 بتوقيت غرينتش

لعله كثيراً ما تحدثنا في حياتنا المعاصرة عن تسلط الدولة والسياسات الممنهجة التي يمكن أن تتخذها في سبيل فرض سياسة أو نظام إجباري على المواطنين، وكثيراً ما تداولنا جميعاً -كباحثين في الإدارة والاقتصاد والقانون والسياسات- عن الأدوات التي يمكن من خلالها أن تقوم الدولة بفرض هاته السياسة بقوة السلطة وقوة القانون.

وقد زاد الاهتمام بهذا الموضوع بعد سلسلة الثورات العربية المتتالية في الفترة الأخيرة والتي زادت بشكل أو بآخر من الأبحاث التي تضع الدولة في المسرح المركزي للأحداث ودراستها من العديد من المداخل والنظريات التي تؤكد أو تفند تسببها في مشكلة ما من عدمها. ولكن قليلة جداً تلك الأبحاث التي تضع الدولة كمتغير تابع في إطار علاقتها بالفواعل الداخلية لها والتي تؤثر أشد تأثير على مخرجات سياساتها الاقتصادية والاجتماعية.

فالحكومات اليوم -وأعني بالذكر الحكومات العربية- تمارَس عليها ضغوطات يومية بالنحو الذي لا يجعلها ملزمة بتقديم الخدمات فقط؛ بل تجعلها ملزمة بتوقع ردود الفعل والخوف على استقرارها وثباتها أيضاً، إذ إن هذه الضغوطات تبرز في عدة عناصر مؤثرة تبين مدى التحول والنقلة النوعية التي انتقل بها عالمنا منذ الانخراط فيما يسمى العولمة التي جعلت العالم يدخل في نسق جنوني من التغير والتطور، الذي حسب تقديري لم تواكبه أغلب حكوماتنا العربية التي هي اليوم في وضع لا يحسد عليه وتقبع تحت ضغوط عدة؛ لعل أبرزها التالي:

المعرفة صارت للجميع
فقد كانت المعلومات سابقاً مصدرها الصحف والتليفزيون، وأحياناً يكون مصدرها الوحيد المصدر الحكومي، ولكن صارت المعلومات اليوم مفتوحة وموجودة بسهولة على الإعلام التشاركي لجميع المواطنين.

المقارنات مستمرة
قبل 20 أو 25 سنة، لم نكن نسمع عن تنافسية الدولة أو أن هناك دولة أحسن من أخرى في مجال معين أو في كل المجالات. لكن بعد ذلك، لاحظنا إلى اليوم كمية التقارير التي تصدر وتقارن كل الدول في كل نواحي العمل الحكومي، سواء في التعليم، أو الصحة أو في الشفافية إلخ… ومن ثم، لم يعد الاعتماد كثيراً على تقارير الدولة عن ذاتها؛ بل صار الاعتماد أكثر على تقارير المنظمات التي تشكل بدورها عنصر ضغط مهماً على الحكومة.

التوقعات مطردة ومتحولة
ونتحدث هنا عن توقعات المواطنين والمتعاملين، الذين في احتكاكهم بخدمات القطاع الخاص صارت توقعاتهم بالنسبة للقطاع العام الحصول على الخدمة بصورة لحظية بمثل خدمة القطاع الخاص.

ازدياد أعداد السكان
إن الازدياد المتواصل في عدد السكان يمثل عائقاً كبيراً للحكومات في تغطية كل المجتمع من ناحية خدمية، ومن ثم فإن الحكومات لم تعد قادرة وحدها على توفير المدارس والطرقات والمواصلات.

وجود مشاكل معقدة
مثل البطالة التي لا يمكن حلها بجهة حكومية واحدة، مثل وزارة العمل أو وزارة الاقتصاد. ولعلي أستحضر في هذا الخصوص وزيراً سابقاً للشغل في الجمهورية التونسية ما بعد الثورة حين صرح في إحدى الإذاعات بأن مهمة وزارة التشغيل ليس التشغيل، ما أطلق العنان لموجة سخرية عارمة في الشارع التونسي آنذاك.

ولكن، يبدو أن هذا التصريح كان محقاً فيه إلى أبعد الحدود؛ لأن التشغيل وحل مشكلة البطالة يجب أن يكونا من خلال عمل مشترك لست أو سبع جهات حكومية تتابع وتنفذ الخطة الاستراتيجية لحل هاته المشكلة وليست مهمة جهة حكومية متعهدة بملف التشغيل.

الشباب العربي
يمثل الشباب العربي اليوم أكبر مؤثر على الحكومات في منطقتنا؛ لأنه جيل مختلف تماماً عن الأجيال السابقة، فهو لا يقبل المعلومات الحكومية كما هي ولا يقبل التعلم بطرق تقليدية في ظل وجود الإنترنت وجيل يهتم كثيراً بالتغيير وتطوير المجتمع وليس له الحوافز المادية التي كانت موجودة بالسابق، وهو ما يكون هاجساً مرعباً لحكومات دولنا العربية للتطوير المستمر.

ومن ثم، فإن هاته التحديات تمثل حقاً ضغوطات صرنا نستحسنها كمجتمع عربي حتى تسعى حكوماتنا إلى التغيير حتى وإن كانت رغبتها السياسية متعنتة أيما تعنت في صد هذا التيار الجديد من المزيج المقلق والمتكون من الحرية والعولمة. ولا شك في أن الدولة العصرية اليوم لا يمكن أن تواجه مشاكل اليوم بتقنيات الماضي، ومن ثم عليها دائماً التجديد والابتكار وإلا فسوف تقع حتماً في خطر الاندثار أمام عالم متقلب.

ولعلي فيما يلي أستحضر قصة معبرة نعيشها اليوم وتجعلنا نفهم، بطريقة أو بأخرى، هذا الطرح. لو سألت نفسي وسألتكم أيضاً: من يكون هذان الرجلان؟ ترى ماذا ستكون الإجابة؟

الإجابة ستكون حتماً كالتالي:
– الرجل الذي في الصورة على اليمين هو مارك Zekenburg مخترع الفيسبوك.
– الرجل الثاني هو……؟ لا نعرفه… ترى من يكون؟

الرجل الذي في الصورة على اليسار هو "تيم بيرنرز لي" مخترع الإنترنت والشبكة العنكبوتية التي يشتغل عليها فيسبوك الآن وتويتر وتبادل الإيميلات وغيرها.

إن معرفة مخترع الفيسبوك وعدم معرفة مخترع الإنترنت تدلنا على استخلاص درس مهم يحيلنا إلى الفرق بين أن تخترع شيئاً وأن تقدم إبداعاً أو شيئاً جديداً.

إن مارك Zekenburg استغل الشبكة العنكبوتية وبنى عليها وقدم خدمة جديدة، وهي خدمة التعارف والتواصل وأنتج فكرة الإعلام التشاركي. أما تيم بيرنرز لي، فأوجد شيئاً غير موجود (الإنترنت) رغم أن الخدمة البشرية كانت أعلى، لكن لا أحد يعرفها.

فالأول مخترع وبقي على اختراعه دون تطوير، والثاني مبتكر ومبدع بنى على شيء موجود وأوصله للناس رغم أنه لم يخترع الإنترنت، وذلك -حسب تقديري- ما جعل الأول مشهوراً والثاني محجوباً، رغم الخدمة العظيمة التي قدمها هذا الأخير للبشرية جمعاء. أهي سخرية قدرٍ أم ظلم أم خطأ مخترع الإنترنت؟!

الدرس من هذا، أن علينا دائماً التجديد ومواكبة العصر وعدم التخلف عن ركب التقدم الفكري والعلمي والاقتصادي لباقي الدول. التحدي اليوم أمام دولنا هو، باختصار، اختيار شيء من اثنين: الابتكار أو الاندثار.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد