أنا والسيد وشكواي

إنهم هؤلاء الذين يحكموننا يا سيدي، الذين يديرون شؤون بلدنا، إنهم يا سيدي مشغولون عنا، إنهم مشغولون عنا دوماً، إنهم لا يفهموننا، وأصبحوا على غير صلة بنا، إنهم يفقدون إيمانهم شيئاً فشيئاً، سيصيرون إلى الإلحاد وعدم الاكتراث بالدين، ذلك يا سيدي لأن من ليس له شعب ليس له إله.

عربي بوست
تم النشر: 2016/09/14 الساعة 02:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/09/14 الساعة 02:54 بتوقيت غرينتش

والآن سأتخيل شخصاً ذا مكانة ورأي سديد ووجاهة وثراء وأتحدث إليه عن حالنا من باب الشكوى فقط والفضفضة:

إنهم هؤلاء الذين يحكموننا يا سيدي، الذين يديرون شؤون بلدنا، إنهم يا سيدي مشغولون عنا، إنهم مشغولون عنا دوماً، إنهم لا يفهموننا، وأصبحوا على غير صلة بنا، إنهم يفقدون إيمانهم شيئاً فشيئاً، سيصيرون إلى الإلحاد وعدم الاكتراث بالدين، ذلك يا سيدي لأن من ليس له شعب ليس له إله.

سيعبدون نزواتهم ورغباتهم ومتاعهم، وفي سبيل ذلك سيدوسوننا بكعابهم ثم يسحقوننا كأعقاب السجائر، إن عبادتهم يا سيدي أصبحت واضحة الوِجهة، إنها ليس يمكن أن تكون لإله عادل يحب المقسطين، أرجو يا سيدي أن تحتمل مني شكواي، لا أطلب منك إلا دقائق معدودة لأتحدث إليك، يمكنك إن كنت منزعجاً أن تقفل أذنيك، فأنا أريد التحدث أمامك عن أحزان الناس فقط.

أريد أن أشعر بأنني أكلم شخصاً مهيوباً ذا جناب مصون، ويمكنك عند انتهائي من الكلام أن توجّه لي سؤالاً بكبر وغطرسة: "هل أفرغت ما في جوفك من كلام؟"، سأرد بنعم يا سيدي نعم يا مولاي وإني شاكر لجنابكم أن سمحتم لي بالتكلم، ثم بعدها قل لي يا سيدي: "حسناً انصرف من هنا ولا تعد أبداً، فالكلام يُسمع لمرة واحدة، وطالما أردتَ الكلام فقط فها قد قلت ما أراحك، وحلُّك ليس عندي".

نعم يا سيدي قل لي ذلك بعد أن أنتهي من الكلام، وسأرحل عنك ولن أعود، وأبقى طول عمري أحدث الناس أنني يوماً ما قد قلت كلاماً مهماً لشخص مهم ولم يتغير أي شيء..

إنني يا سيدي ممتن لك على إفساح المجال لي أن أكون في بساطكم وبين أيديكم وأتناول معاناة الناس وأوصلها لحضرتكم، مع علمي ويقيني بأنكم لن تحركوا ساكناً ولن تغيروا من الوضع شيئاً، إنني بهذا الفعل أزيل الغطاء عن كل الوجوه، وأرفع القبعة وأضرب السلام لكل من يسمع ويرى حالنا، إنني بموقفي هذا لأُعرب عن كامل وضاعة شعبي وذلته ومهانته وضعفه، وأبيِّن لجنابكم مدى تهافتهم على حكامهم وجلَّاديهم ومن يسومونهم سوء العذاب.

أرجو يا سيدي ألا أكون قد أخذت وقتك بترهَّاتي واهتماماتي، فإنني لا أعلم أحياناً لم كان علي أن أجيء إليك وأبوج لك بخبايا وآلام الناس، في حين أن كثيراً منهم لم يفطن لما أقول ولم يفكر في يوم من الأيام بفداحة القهر الذي أحدثك به الآن، وهذا يا سيدي شيء غريب كل الغرابة، إنه شيء فظيع كل الفظاعة، إنني يا سيدي لأستهجن منهم مسلكهم وبلادتهم وذلتهم، لماذا يحدث كل ذلك يا مولاي؟ إنني منهم وأعيش معهم لكنني لا أفهم تفسيراتهم للأمور، ولا أعي دوافعهم، ولا أعلم ما يسعدهم وماذا يتمنون.

إنني ببساطة يا سيدي قد أكون أبلهاً أن جئت إليك لأكلمك عن أمور لا دخل لك بها، وكذلك لا يعلم الناس الذين أتيت لأحدثك عنهم لا يعلمون لم جئت إليك وكيف جئت، بل يا سيدي الأمر أغرب من ذلك، إنني بعد أن أخرج من هنا سألوم نفسي على مجيئي وهذا شيء مؤكد وأقوله الآن قبل خروجي، إنني لا أعلم شيئاً ولا أرغب في فعل شيء.

إنك يا سيدي مستغرب أشد الغرابة مما أقول ولكن عليك أن تعلم أن غالبية الناس مثلي أنا، لا يعرفون ولا يعون ولا يريدون، ولكنهم يعيشون ويأكلون ويتهيؤون ويفترضون أموراً كثيرة تبرر أحوالهم ومستويات حياتهم.

لذلك يا سيدي لا تقلق بشأن أحد، وإن جاءك أبله مثلي ليشكوا إليك شيئاً لا تأخذ بكلامه، فنحن جميعاً لا يعنينا أمرنا البتة، وإننا بذلك لسعداء فرحون.
سلام يا سيدي ويا مولاي، طابت عيشتك وأيامك.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد