سلطت صحيفة لوموند الفرنسية الإثنين 8 يناير/كانون الثاني 2018، الضوء على الأزمة الأخيرة بين تونس والإمارات، معتبرة أن الانفراجة التي حدثت مؤخراً لا تعني إنهاء المشكلة من جذورها نظراً، لوجود إسلاميين في حكومة السبسي وهو ما تعتبره الإمارات أمراً غير مقبول.
وبحسب تقرير الصحيفة الفرنسية فإن العلاقات المتوتر الآن بين الإمارات وقطر، ألقت بظلالها على الأزمة بين تونس وأبوظبي على اعتبار أن الدوحة ترحب بوجود حركة النهضة التونسية في حكومة تونس بل وتدعمها في الوقت الذي لا تريد ذلك حكومة الإمارات.
وتساءلت لوموند هل انتهت الأزمة بين تونس والإمارات فعلاً؟ رسمياً، فعلياً أغلق ملف منع المواطنات التونسيات من السفر إلى الإمارات. لكن وحسب عدد من المراقبين، من المتوقع أن تستمر حالة التوتر بين تونس وأبو ظبي، لفترة طويلة أشبه بالحرب الباردة.
والخميس 4 من يناير/كانون الثاني، أعلن وزير النقل التونسي استئناف الرحلات الجوية للشركة طيران الإمارات باتجاه تونس، بعد أن قامت تونس بحظرها في 27 من ديسمبر/كانون الأول سنة 2017. وقد جاء الرد التونسي أشبه بإجراءات انتقامية على خلفية حظر أبو ظبي سفر التونسيات إلى الإمارات في 22 من ديسمبر/كانون الأول بتعلة "أسباب أمنية"، الأمر الذي اعتبرته تونس إهانة في حقها.
من جهتها، لم تقدم السلطات الإماراتية أي توضيح عن طبيعة هذه "التهديدات الأمنية". وقد كشفت المتحدثة الرسمية باسم رئاسة الجمهورية التونسية، سعيدة غراش، أن الإمارات قد تلقت معلومات تفيد بأن جهاديين عائدين من العراق وسوريا يعملون على استغلال تونسيات، أو نساء يمتلكن جوازات سفر تونسية، للقيام بعمليات إرهابية على الأراضي الإماراتية، بحسب الصحيفة الفرنسية.
وبحسب دبلوماسي تونسي خبير في العلاقات التونسية الإماراتية، فقد قدمت تونس "حزمة من الضمانات الأمنية الجديدة لأبو ظبي" لتخفيف حدة التصعيد بين البلدين. في المقابل، لا يمكن الجزم بأن استئناف الرحلات الجوية قد وضع حداً لحالة الاحتقان بين البلدين، التي تعد سياسية في المقام الأول. ومن هذا المنطلق.
وأشار الدبلوماسي التونسي، إلى أن "الأزمة لم تنته بعد، في حين أن العلاقات الإماراتية التونسية لم تستقر أيضا. فبالنسبة لأبو ظبي، ستبقى حالة الاضطراب طاغية طالما أن الإسلاميين التونسيين لا يزالون في صلب الحكومة"، بحسب الصحيفة الفرنسية.
"شعر الإماراتيون بالتعرض للخيانة"
وتضيف لوموند بعيداً عن تداعي التعاون الأمني بين الجانبين، تعد مشاركة حزب حركة النهضة في الحكومة السبب الرئيسي للأزمة. وفي هذا الصدد، يشارك حزب إسلامي (حزب حركة النهضة)، ضمن حكومة الائتلاف الوطني، التي يقودها حزب نداء تونس "الحداثي" الذي أسسه الرئيس الحالي الباجي قائد السبسي. من جهتها، يشكل عداء الإخوان المسلمين جزءا من دبلوماسية الإمارات الإقليمية. وبالتالي، ترفض أبو ظبي بشكل قطعي تركيبة الحكومة التوافقية التي تدير تونس. والجدير بالذكر أنه قد تم التوصل إلى هذا التوافق بعد إجراء عمليتين انتخابيتين، تشريعية ورئاسية، سنة 2014.
في هذا السياق، أفاد المستشار الجيوسياسي، مهدي تاج، أن "الإماراتيين شعروا بأنهم قد تعرضوا للخيانة". وقد دعمت الإمارات بسخاء حملة الباجي قائد السبسي الانتخابية، كما أهدت له سيارتين مصفحتين، وذلك على أمل مجاراة الدوحة دبلوماسياً، التي استفادت من مرحلة ما بعد الثورة. وفي هذا الإطار، نجحت قطر في تركيز علاقات متميزة مع حكومة "الترويكا" السابقة، والتي كان يديرها حزب حركة النهضة. وأدارت الترويكا تونس أواخر سنة 2011 إلى حدود مطلع سنة 2014، حيث نجحت في استقطاب قروض مالية لتونس تصل إلى حدود 1.5 مليار دولار، أي ما يعادل 1.2 مليار يورو.
خلال تلك الفترة، سعت الإمارات إلى الدخول في قطيعة سياسية ودبلوماسية مع تونس إلى غاية تحقيق معارضي الإسلاميين، المنتمين لحزب نداء تونس، انتصاراً انتخابياً. لكن طموح الإماراتيين قد تبدد مع تشكيل حكومة ائتلافية مطلع سنة 2015 بمشاركة حزب حركة النهضة الذي احتل المركز الثاني. وللتوضيح أكثر، أكد المحلل المختص في علاقة تونس بدول الخليج العربي، يوسف شريف، أن "الإماراتيين اعتقدوا بأنه مجرد تحالف وقتي، قبل أن يكتشفوا بأن هذا التحالف سيمتد ويتطور على حساب حزب نداء تونس.. بعبارة أخرى، كان السيناريو مخالفاً لتوقعاتهم"، بحسب الصحيفة الفرنسية.
حصار إقليمي
وبحسب الصحيفة الفرنسية انتاب الإماراتيين الإحباط أيضاً، على خلفية سياسة تونس تجاه ليبيا. وفي هذا الشأن، أفاد مهدي تاج، قائلاً: "كان الإماراتيون يتمنون أن يميل التونسيون لصالح خليفة حفتر". في الحقيقة، يحظى حفتر، الذي يسيطر على إقليم "برقة" في شرق ليبيا، بدعم من قبل كل من الإماراتيين والمصريين، كما أنه يعد بمثابة "البطل" في معركة الحرب على الإرهاب ومكافحة الإسلام السياسي في ليبيا. وتختلف رؤية تونس مقارنة بالإمارات تجاه الأزمة الليبية. ففي الواقع، تملك تونس أسباب جيوسياسية خاصة بها، تتمثل أساساً في الحفاظ على استقرار حدودها مع ليبيا، الأمر الذي فرض عليها التعامل مع القوات المسيطرة على طرابلس، التي ينتمي بعضها إلى الإسلاميين.
منذ ذلك الحين، لم تتوقف أبو ظبي عن تسليط المزيد من الضغوط على تونس. وفي سنة 2015، تم رفض الآلاف من تأشيرات الدخول الخاصة بالتونسيين، كما تم إلغاء العديد من برامج التعاون المشترك. ولعل من أبرزها مشروع تأمين حدود تونس مع ليبيا، حيث كان من المقرر أن تمول الإمارات اقتناء تونس لأجهزة مراقبة إلكترونية من فرنسا، بحسب لوموند.
متجاهلة الإمارات، لم يبق لتونس سوى الحفاظ على علاقاتها الجيدة بقطر، حيث تعمل الدوحة بدورها على التخفيف من وطأة الحصار البري والبحري والجوي الذي فرضه عليها جيرانها. وفي هذا الصدد، قال يوسف شريف إن "قطر قدمت عدة تسهيلات للمصدرين والمستثمرين التونسيين". وفي سياق جيوسياسي من هذا القبيل، يبدو أن نهاية أزمة الخطوط الجوية بين تونس والإمارات لا تعد سوى منفرج صغير لحالة من التوتر المتواصل.