فقه البدايات

الانطلاقُ مجدداً أو التعلم مما مضى، والترميمُ في سبيل الصحوةٍ والبحث، ضرورة ملازمة لوجودِ الإنسان وكينونته، ككائن حباه الله الحب والمعرفة، ككائنٍ بنّاءٍ مُستخلف على وجه هذه البسيطة، لكن من المغالطةِ هنا الربطُ بينَ بداياتٍ مكررةِ الحدوثِ وبينَ فقهِ هذا المعنى

عربي بوست
تم النشر: 2017/02/04 الساعة 01:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/02/04 الساعة 01:42 بتوقيت غرينتش

يأتينا الجديدُ من العامِ والسنين المتلاحقةِ؛ ليلازمَ سكونَ شخصيتنا ما نسميه "التجديد" أو البدءَ والابتداء تغييراً وبناءً في عمق ذواتنا؛ لننكرَ عن أنفسنا أفعالاً تمرسنا عليها ولاصقتنا، ونبرّئ جوارحنا من قبحِ نتاجها، ومرارةِ خياراتها الدونية من الفعل.

هي هكذا نفوسنا، تتأرجح بينَ التمني والتألّي، وبينَ خيطٍ رفيعٍ من الجديد؛ لتحوله إلى باقةٍ مزهرةٍ من التجديد، كما في ظنها.

الانطلاقُ مجدداً أو التعلم مما مضى، والترميمُ في سبيل الصحوةٍ والبحث، ضرورة ملازمة لوجودِ الإنسان وكينونته، ككائن حباه الله الحب والمعرفة، ككائنٍ بنّاءٍ مُستخلف على وجه هذه البسيطة، لكن من المغالطةِ هنا الربطُ بينَ بداياتٍ مكررةِ الحدوثِ وبينَ فقهِ هذا المعنى، من المغالطةِ الربطُ بينَ زائلٍ بالتكرار والفعل وبينَ معنى عميقٍ ومفهومٍ ملاصقٍ للصفات الإنسانية السامية، الصفات المرتبطة بالوجود وغاياته وآلياته، فالبدايةُ الحقة فينا وبنا، لا ترتبطُ بزمانٍ ولا مكان، هي واجبةٌ موجودةُ عند عزمِ النيةِ، وعند ضرورة التحقق.

إذاً بعمقٍ فلسفي آخر:

من الجوهر يبتدئ النص إلى الخارج القريب فالخارجِ البعيد.. الرونق الحق هو حي في دواخلنا، نحفه من سلام الخارج المزيف، ومن زيف المضي نحو الكمال الهش والمُعدم، نكوره بأيدينا البيضاء، التي لم يلطخها غبار الخارج القبيح، نرنو إليه بقبلةٍ على أهدابه؛ لنسعد بحفاظنا على رونق الملائكة داخلنا.

وهذا بالصورةِ الأولى لوجودنا وخلقنا وفطرتنا، فتتبدل الأماكن ويهرمُ البياض على أناملنا وأيدينا، وتتعبُ دواخلنا ورونقها، إذاً لنسألَ: كيفَ نحافظ على أنفسنا وجوهرها من براثن الحياة؟ كيف نطعن كل يدٍ تقترب بالسوء إلى قلوبنا وعمقنا؟ هل خطؤنا خسارة لنا؟ أو تفكيرنا بخطأ الآخرين باتجاهنا ذنب لن يغفر؟ وهل يلزمنا بداية جديدة في كل مرة؟

تركيبة الأجوبة لن تتحدد ببدايات معينة، ولن تُخلق بموقف أو فعل بعينه، وإن تمت في بعض الظروف بهذه الصورة، فهذا استثناء، وأنا أتكلم عن عمق القاعدة وشموليتها.

وأستطيع تنسيق بعض الملاحظات لهذه الأجوبة، فالإجابة عليها تحتاج جهداً وتفاعلاً أكبر من قارئيها:

من الجميل المضي بشعلة تملأ قلوبنا، شعلة علينا رعايتها حتى تتقد بالحب كلما مضينا؛ لتضيء وتعطي بلا أي مقابل إلا الحبَّ وحسب.

العطاءُ لغةٌ الخيّرين، وكينونةُ المقابل ليست أجراً؛ بل ليكونَ الأجر درساً بأن يكون الجميع معطاءً، وأحياناً تخبو همة المضي أو العطاء أو تغفو اتقادةُ الشعلة، الطريق، الأشخاص، السكون، كل شيء قد يتواطأ نحو هذا.

لكن هنا فقط علينا أن ننفجر نحو التمرد كيفما جاء دون تخطيط أو وجهة سوى أن نحافظ علينا في اتقادِ شعلةٍ ونبضِ قلب، هذا هو التغيير الحق الحي اللازم في كل خطانا، عند خطئنا وصوابنا، وعندَ علمنا وجهلنا، غيرَ مكترثينَ بالبداياتِ أو النهايات، نحن هكذا متجددونَ معطاءونَ مخطئون تائبونَ؛ لأننا بإنسانيتنا هكذا، لا نحتاج إلى نقاط للاستراحةِ ورمي أحمال سابقة؛ بل نحن بحاجة إلى أن نتقدَّ وحسب، أن نتقدَّ بالحب للوصول إلى ملك الحب.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد