من الأمور المهمة والجوهرية، التي يتحدث عنها الجميع دائماً، هي التغيير، أو الإصلاح، أو التأثير على المحيط.
فلا يكاد يخلو مجلس من مجالسنا من الحديث عن أمور نراها خاطئة أو سلبية، ابتداءً بالسياسة والاقتصاد وحال الأمة، وانتهاءً بلبس أم حسين في السهرة الماضية، أو بحلاقة شعر ابن أبو محمد.
فالطبيعة الإنسانية ترفض الخطأ دائماً، وتسعى دائماً لتغييره وإصلاحه، أو على الأقل عدم الرضا عنه.
الجميع يعرف الحديث النبوي الشريف: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطِع فبلسانه، فإن لم يستطِع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان".
ويرى الكثيرون في نقاشاتهم هذه وفي انتقاداتهم أنهم يغيرون بلسانهم؛ لأنهم لا يستطيعون التغيير بيدهم.
والسؤال الأساسي هو: هل هناك تغيير حصل بحديثنا عن الخطأ في مجالسنا؟
أعني، حين يحدّث شخص ما صديقه عما حصل في فلسطين الأسبوع الماضي، أو حين يعيد نشر مقطع فيديو على الفيسبوك، أو حين ينتقد فعل المسؤول الفلاني أو الشخص الفلاني، فهل غيّر حقاً أو ترك أثراً ما؟
غالباً ما ينتهي النقاش بالسب، أو التحسر، أو الشعور بالتعاطف، ولكنه ينتهي في الحقيقة بلا أي نتيجة، سوى الذنوب التي اكتسبها من الغيبة والنميمة والسخرية.
فكيف يغير الشخص منا؟ وكيف يمكن أن يترك أثراً؟
لو أعدنا قراءة الحديث بتمعن، فالحديث يدور حول التغيير، سواء كان هذا التغيير باليد أو باللسان أو بالقلب، ولكنه تغيير يحصل، بالتالي يجب أن يكون لفعلنا هذا أثر ونتيجة، وهي إزالة هذا المنكر، أو محاولة إزالته على الأقل.
فالتغيير باليد هو إيقاف شخص عن ارتكاب خطأ ما، والتغيير باللسان هو نصيحته وتنبيهه وتذكيره، والتغيير بالقلب هو الإنكار الداخلي حين يتعذر عليك القيام بأي شيء.
وهنا نجد أن الانتقاد لا يمكن إدراجه ضمن أي من أنواع التغيير، فهو ليس تغييراً، بل هو مجرد شكوى أو إفراغ لما في داخلنا، أو تعبير عن سخطنا، وكذلك عن عدم رغبتنا أو قدرتنا على التغيير.
والفرق الأكبر بين الانتقاد والتغيير، هو أن الانتقاد يكون مع طرف ثالث لا علاقة له بالمشكلة، أما التغيير فيكون لصاحب الشأن ومن يستطيع التغيير والإصلاح حقاً.
فحين أريد أن أشتكي موظفاً معيناً، فهل أذهب لأشتكي لأحد أصدقائي؟ وهل سأنتظر منه أن يعيد لي حقي؟ أم أذهب مباشرة لمدير الموظف وأشتكي له كي يصلح ما أفسد؟
أذكر في يوم من الأيام، حين كنت أفكر بهذا الأمر بكثرة، مررت بسيارتي أمام شخص قد رمى قمامة من سيارته في الشارع، فأردت أن أقول لمن كان معي: "انظر إلى هذا الوقح، كيف يوسخ الشارع؟"، ثم تراجعت، فأمامي خياران لا ثالث لهما، إما أن أذهب إليه وأطلب منه إزالة ما رماه، أو أن أذهب وأزيله بنفسي، وإلا فالصمت.
وهذا الأمر ينطبق أيضاً على منشورات الفيسبوك، التي أصبحنا نرضي ضميرنا بضغطة زر "مشاركة" على فيديو يطلب التبرع لطفل يتيم بدلاً من أن نذهب ونتبرع لليتيم، وكأننا بهذه المشاركة قد قمنا بما يجب علينا فعله، ولكننا لم نغير شيئاً.
قبل أيام، حضرت محاضرة للمهندس هاني خوجة، وهو يتحدث عن آية "إني جاعل في الأرض خليفة"، فذكر أن البشر يقسمون إلى أربعة أقسام:
أولاً المعترضون: الذين يعترضون على كل شيء، وينتقدون ويتكلمون، ولكن دون أي نية في حل المشكلة أو البحث عن علاج.
ثانياً المنظّرون، فهؤلاء بعد اعتراضهم، يأتون بحلول نظرية كثيرة، ولكن لا أثر لهم في الواقع، ولم يحاولوا يوماً أن يكونوا جزءاً من الحل.
الصنف الثالث: الذين ينوون التغيير ولكن تبقى النية لديهم دون تطبيق.
الصنف الرابع :الخلفاء في الأرض، الذين يتحركون ليغيروا ما يرونه محتاجاً للتغيير، دون التوقف عند الانتقاد أو الاعتراض، بل يتحركون لتغيير ما يرونه خاطئاً.
وهكذا يجب أن يكون كل فرد خليفة في أرض الله، يغير ما يستطيع تغييره، يؤثر فيمن يستطيع التأثير عليهم، يكون له كل يوم أثر جديد على هذه الأرض؛ ليجعلها مكاناً أفضل للحياة، لا يكتفي بالشكوى والاعتراض وهو يحسب أنه يغير.
فإن لم نبدأ نحن بالتغيير، ولم يغير كل منا محيطه، فمن ننتظر ليبدأ بالتغيير؟ هل ستنزل علينا ملائكة من السماء لتنصرنا وتغير ما عجزنا عن تغييره؟ أم ستنزل علينا معجزة أم يخرج صلاح الدين من قبره؟
ولا ننسَ أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- جعل إماطة الأذى عن الطريق، وهي من أبسط أنواع التغيير، أدنى مرتبة من مراتب الإيمان، فما بالنا بتغيير ما هو أكبر وأكثر أثراً من أذى في الطريق؟
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.