إما أن "لا يطلق أحدٌ النار" أو "يطلق الجميعُ النار".. هذان هما الاحتمالان اللذان يرى الصحفي الألماني مارتين غيلن أن مصير اتفاق التهدئة في سوريا سيؤول إلى أحدهما.
وفي مقاله بصحيفة تسايت الألمانية 3 يناير/كانون الثاني 2017، يعلق غيلن، المحرر بقسم السياسة والاقتصاد بالصحيفة الترجيحَ بين الاحتمالين على تطور الخلافات بين موسكو وطهران، حول أهداف كل منهما في سوريا، رغم كونهما الداعمين الرئيسيين لنظام بشار الأسد.
وفيما يلي نص المقال:
يمكن أن يؤدي اختلاف المصالح بين روسيا وإيران إلى خرق الهدنة في سوريا، وبالتالي إلى نسف اتفاق السلام بين الطرفين.
وفي الواقع، فإن الهدنة في سوريا رهينة احتمالين: إما أن "لا يطلق أحد النار" أو "الكل يطلق النار". وبالرغم من أن وقف إطلاق النار في مختلف المناطق في سوريا يعتبر فرصة لإحلال السلام، إلا أن العديد من المختصين في الشؤون الدبلوماسية قد أشاروا إلى إمكانية خرق الهدنة في أي وقت مثل ما حدث في المرات السابقة.
والجدير بالذكر أن كلاً من روسيا وتركيا قد أبرموا هذا الاتفاق بموافقة إيرانية. ومن المتوقع أن تتواصل المفاوضات بهدف التوصل إلى سلام دائم بين قوات النظام وقوات المعارضة السورية في كانون الثاني/يناير 2017، بمدينة أستانا بكازاخستان.
وفي الوقت نفسه تهدد قوات المعارضة بشكل واضح بتجميد هذه الهدنة، حيث إن العديد من فصائل المعارضة وافقت على الهدنة بشيء من الريبة بخصوص نوايا قوات النظام وحلفائه، خاصة أن الاتفاق يهدف إلى تقسيم سوريا من جديد بما يتماشى مع مصالح الدول المهيمنة (روسيا وإيران وتركيا).
وبالتالي، فإن الاتفاق يهدف بالأساس إلى تسوية دبلوماسية، وبعبارة أخرى تسعى مختلف الأطراف إلى تقسيم ما تبقى من سوريا.
وفي الوقت الراهن، تواصل القوات النظامية هجماتها خاصة بالقرب من دمشق، الأمر الذي يهدد الاتفاق في أقرب وقت. ومن جانب آخر وافق مجلس الأمن الدولي على المبادرة الروسية التركية رغم تباين المصالح بين الطرفين.
ومن جهته، أظهر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، دعمه لنفوذ حليفه بشار الأسد رئيس النظام السوري، لكنه لم يبدِ رغبته في مواصلة الحرب.
ومن المرجح أن بوتين يدرك تماماً أنه قد نجح في تدمير المقاومة بمساعدة الأسد، حيث إن قوات المعارضة أصبحت ضعيفة جداً ويستحيل تفوقها أمام التحالف الروسي مع النظام على إثر سقوط حلب. ونتيجة لذلك، تولدت حالة من الاحتقان في صفوف الشعب السوري.
طهران: مصير الأسد خارج التفاوض
يسعى الكرملين إلى تعزيز نفوذ الأسد وحلفائه على المدى الطويل. في المقابل عدلت تركيا من أولويات سياستها الخارجية بعد الانقلاب الفاشل الذي شهدته في تموز/يوليو 2016. وحالياً، ينصب تركيز تركيا حول التصدي للخطر القادم من أكراد سوريا، الذي يمكن أن يشكل نواة لدولة كردية.
ومن ناحية أخرى، زار وزير الخارجية السورية، وليد المعلم، طهران رفقة رئيس مكتب الأمن الوطني في إطار المبادرة الروسية التركية، للتباحث حول الوضع في سوريا، في الوقت الذي ترفض فيه إيران أي تسوية حول مصير الأسد. وتجدر الإشارة إلى أن إيران ترغب في تحقيق انتصار عسكري في الأراضي السورية، الأمر الذي يضعها في مواجهة مع دول الخليج المسيطرة على المنطقة.
وفي هذا السياق، سيوفر التعنت الإيراني فرصة لنقض الاتفاق بين الطرفين من الجانب السوري، وبالتالي استئناف إطلاق النار ضد قوات المعارضة.
الأكراد خارج الاتفاق وأميركا بلا تأثير
لم يشارك مقاتلو تنظيم الدولة "داعش" وجبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقاً) في اتفاق التهدئة، حيث يرغب كلاهما في مواصلة الحرب حتى بناء دولة الخلافة.
كما تم استبعاد الأكراد من هذا الاتفاق بضغط تركي. وخلافاً لذلك، حققت القوات الشعبية الكردية المتجسدة من خلال وحدات حماية الشعب، انتصارات ضد تنظيم الدولة.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الوحدات مدعومة من الولايات المتحدة الأميركية، علاوة على أنها مقربة من حزب الاتحاد الديمقراطي السوري، الذي يتبنى أفكار حزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا.
وبعد فشل كل المحاولات الرامية لإحلال السلام وإنقاذ ما تبقى في حلب وسوريا عموماً، عاد الوضع إلى التأزم والتوتر كما كان سابقاً. في المقابل، حالة الهدنة المؤقتة لا يمكن أن تغير من مستقبل البلاد في حال تم خرقها ونسفها. بالإضافة إلى ذلك تقف الولايات المتحدة الأميركية عاجزة، حيث لم ترمِ بثقلها اللازم بشكل واضح.
هذا الموضوع مترجم عن صحيفة zeit الألمانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.