ما هي معادلة السعادة؟

لا تختصر السعادة فقط في الدعاء، بل يجب أن يرافقها كثير من اليقين وقليل من الواقعية

عربي بوست
تم النشر: 2016/09/25 الساعة 02:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/09/25 الساعة 02:42 بتوقيت غرينتش

كثير منا يشتكي من التعاسة والضجر (الضوجة) متهماً بذلك الظروف والروتين في حياته ناسياً أن السعادة في يده وأقرب إليه من حبل الوريد في الآية (16) من سورة (ق) يقول تعالى: (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)، نعم قد يستغرب البعض، لكن هذا هو الواقع فالسعادة بين أيدينا وأقرب إلينا أكثر مما نتصور، قد يسأل السائل: كيف؟ الجواب: تأمل قوله تعالى: (مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ القُرْآنَ لِتَشْقَى)، واستَمِدَّ منه سعادتَك، آي القرآن هي سر سعادتنا، ولو تركنا القرآن فإن لنا معيشة ضنكاً، (مَن وجد الله فماذا فقد؟ ومَن فقد الله فماذا وجد؟) سنلخص معادلة السعادة في ثلاث نقاط، قبل طرح النقاط يجب التركيز جيداً أن السعادة نجدها في قربنا لله.

إذن لو افترضنا أن السعادة في ثلاث نقاط فما هي؟

أولاً: اليقين بالله عز وجل

اليقين بالله والتوكل عليه من أبرز أسباب السعادة؛ حيث اليقين صفة كمالية يصل بها الإنسان إلى كماله الروحي المطلق، وهو الأنس والاكتفاء والاعتماد على الله عز وجل فقط، ولهذه الصفة ثمرات عظيمة جداً في الحياة الدنيا، قال البيهقي: اليقين هو سكون القلب عند العمل بما صدق به القلب، فالقلب مطمئن ليس فيه تخويف من الشيطان، ولا يؤثر فيه تخوف، فالقلب ساكن آمن، ليس يخاف من الدنيا قليلاً ولا كثيراً.

قال ابن القيم -رحمه الله- في "زاد المعاد": لا يتم صلاح العبد في الدارين إلا باليقين والعافية، فاليقين يدفع عنه عقوبات الآخرة، والعافية تدفع عنه أمراض الدنيا من قلبه وبدنه.

وقال صاحب الظلال: والذي يجد راحة اليقين في قلبه يجد في الآيات مصداق يقينه، ويجد فيها طمأنينة ضميره، فالآيات لا تنشئ اليقين، إنما اليقين هو الذي يدرك دلالتها ويطمئن إلى حقيقتها، ويهيئ القلوب للتلقي الواصل الصحيح قصة، فرضية من واقعنا المعاصر (لو فرضنا أن عليك قرضاً وجاء وقت تسديده وأنت لا تملك قيمة القرض بعد ماذا سـتفعل؟ ستنزعج وترتبك وتعمل جاهداً لجمع مبلغ لتسديد القرض، لكن لو اتصل بك صاحب القرض، وقال لك: سامحتك على ما عليك، سترتاح كثيراً؛ لأنك متيقن لن يسألك على القرض مرة ثانية، هذه الراحة مع البشر، فكيف مع مَن يقول (فإن مع العسر يسراً إن مع العسر يسراً).

ولليقين مراتب منها: العلم، وحسن التوكل، والرضا والتسليم، وعدم تعلق القلب بغير الله، وأن يكون أوثق بما في يد الله تعالى عما هو في يده، كان أبو مسلم الخولاني -رحمه الله- يحب التصدق والإيثار على نفسه، وكان يتصدق بقوته ويبيت طاوياً، فأصبح يوماً وليس في بيته غير درهم واحد، فقالت له زوجته: خذ هذا الدرهم واشترِ به دقيقاً نعجن بعضه ونطبخ بعضه للأولاد، فإنهم لا يصبرون على ألم الجوع، فأخذ الدرهم والمزود وخرج إلى السوق، وكان الجو شديد البرودة، فصادفه سائل فتحول عنه، فلحقه وألحَّ عليه وأقسم عليه، فدفع له الدرهم وبقي في هَم وكرب، وفكر كيف يعود إلى الأولاد والزوجة بغير شيء، فمر بسوق البلاط، وهم ينشرونها، ففتح المزود وملأه من النشارة وربطه، وأتى به إلى البيت فوضعه فيه على غفلة من زوجته، ثم خرج إلى المسجد، فعمدت زوجته إلى المزود ففتحته، فإذا فيه دقيق أبيض، فعجنت منه وطبخت للأولاد، فأكلوا وشبعوا ولعبوا، فلما ارتفع النهار جاء أبو مسلم وهو على خوف من امرأته، فلما جلس أتته بالمائدة والطعام فأكل، فلما فرغ قال: مَن أين لكم هذا؟ قالت: من المزود الذي جئت به أمس، فتعجب من ذلك، وشكر الله على لطفه وكرمه.

ثانياً: الدعاء والرجاء

يقول تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) من صفات المؤمن الرجاء والخضوع لـرب العالمين والطلب منه، يقول تعالى: (ادعوني أستجب لكم)، فمناجاة الخالق أعظم وأجل من مناجاة المخلوق؛ حيث مناجاة الخالق تحفظ لنا كرامتنا ويؤجر الإنسان عليها.

* أوقات الدعاء المستجاب وأماكنه كثيرة جداً وهذه جملة منها:

• الدعاء في جوف الليل، وهو وقت السحر ووقت النزول الإلهي، فإنه سبحانه يتفضل على عباده فينزل ليقضي حاجاتهم ويفرج كرباتهم، فيقول : "من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له".

• دُبر الصلوات المكتوبات، وفي حديث أبي أمامة: "قيل يا رسول الله أي الدعاء أسمع؟ قال: جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات.
• بين الأذان والإقامة، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة).

• عند النداء للصلوات المكتوبة وعند التحام الصفوف في المعركة، كما في حديث سهل بن سعد مرفوعاً: "ثنتان لا تردان: في ساعة من الليل كما قال عليه الصلاة والسلام: "إن في الليل ساعة لا يوافقها مسلم يسأل خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه وذلك كل ليلة"، وساعة يوم الجمعة، فقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة فقال: "فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم قائم يصلي يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه إياه" وأشار بيده.

• عند شرب زمزم، فعن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "ماء زمزم لما شرب له".

• في السجود، قال صلى الله عليه وسلم: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء".

• دعوة المظلوم، وفي الحديث: "واتقِ دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب"، وقال عليه الصلاة والسلام: "دعوة المظلوم مستجابة، وإن كان فاجراً؛ ففجوره على نفسه".

* ولاستجابة الدعاء شروط أهمها:

1- أن يكون الداعي عالماً بأن الله وحده هو القادر على إجابة دعوته.
2- ألا يدعو إلا الله.
3- تجنب الاستعجال.
4- الدعاء بالخير.
5- حسن الظن بالله عز وجل.

ثالثاً: الواقعية

الواقعية في حياتنا جزء مهم للرضا بقضاء الله وقدره، والواقعية مطلوبة في حياتنا اليومية، وخير دليل على ذلك (نعمة العقل) الذي أنعمه الله علينا، فبالعقل نرتقي ونرى الحياة بصورة صحيحة.

لو صوَّرنا النقاط الثلاث على شكل مثلث، وجعلنا نقطة الالتقاء هو رب العالمين، فسنرى أن جميع الأضلاع متساوية ومرتبطة مع بعضها بنسبة طردية، كلما زاد الضلع زاد الضلع الثاني بنفس المستوى.

إذن لا تختصر السعادة فقط في الدعاء، بل يجب أن يرافقها كثير من اليقين وقليل من الواقعية.

المعادلة الأساسية للسعادة
الدعاء + يقين بالإجابة + الواقعية = السعادة الدائمة

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد