بعد تحرير مدينة الموصل وإعلان النصر النهائي في المعركة التي قادتها القوات العراقية لاستعادة المدينة من قبضة "داعش"، أصبح الواقع كما هو متوقَّع ومُرتقب مُنذ قرابة التسعة أشهر من المعارك والقتال الضاري بين القوات العراقية وتنظيم داعش الإرهابي.
الآن، نستطيع القول إن الموصل هي ابنة العراق الكُبرى التي عادت إلى أحضان عائلتها العراقية الكبيرة بكامل القوة والشجاعة والتضحية، عبّر العراقيون والعرب كذلك عن فرحتهم وفي القلب غصة وفي العين دمعة وفي الفِكر خوفٌ من القادم!
بينما يعيش العراقيون سيناريو النصر هذا، الذي سوف يستمر ويمتد على مدار الأشهر القريبة القادمة على الأقل، في الوقت ذاته نحن أمام كارثة إنسانية من طراز خاص، كارثة تحتاج لجهود جبارة ومساعي حثيثة لكي يتم تدارك الإخفاقات المتكررة التي حصلت من قبلُ، وربما ستكرر مجدداً إذا كان هنالك استمرار من القادة وصُناع القرار وأفراد المجتمع العراقي في الوقوع في الفخ ذاته وتكرار الأخطاء التي أدت بنا إلى التفكك لأجزاء بضعف وهوان.
نحن جميعاً لسنا على علم بما يدور من خلف كواليس مسرح النصر الذي يتابعه الجميع بترقب واهتمام~، في الوقت الحاضر نحن بصدد التحليل السياسي أو خوض نقاشات لن نخرج منها بفكرة منطقية وحلول تناسب الواقع الذي نتابع أحداثه جميعاً بذُّهُول!
وحده السياسي صاحب القرار، قادر على معرفة الحقائق وصنع الأحداث القادمة؛ لمعالجة المشكلات بأسلوب تنظيم وتخطيط صحيح ومتين؛ لكي لا نعود لنقطة البداية من جديد.
نحن أيضاً أمام عشرات من صُناع القرار ورسمهُ بالكلام واستخدام وسائل الإعلام كافة لتحشيد الجيوش إلكترونياً، وكذلك بالسلاح إن تطلب الأمر؛ لتشكيل الصورة السياسية التي تناسب أهواءهم والمتعلقة بما بعد خروج "داعش" من الموصل.
لذا، علينا ألا ننحاز خلف كل ما نسمعه ونقرأه من خلف الشاشات؛ فالواقع لا يحتمل المزيد من المعارك.
واقع مدينة الموصل وسُكانها وحجم الخسائر يختلف تماماً عما يصل إلينا عبر الإعلام، فلا تصدِّق وتتعصب لرأي الإعلام دائماً، نصْر الموصل أتى لنعود صفاً واحداً من جديد ونستطيع الحفاظ على الوحدة الوطنية.
المراحل القادمة أخطر وأكثر تأثيراً سياسياً أقتصادياً واجتماعياً، فيجب تسوية جميع الخلافات بما يصب في مصلحة العراق للوصول إلى بر الأمان.
كيف سنبدأ؟ ومن أين سنبدأ؟
نحن أمام 900 ألف نازح وعشرات الضحايا المدنيين، من المواطنين الذين هُجروا وتشردوا وقُتل أهلهم وأحباؤهم وأطفالهم أمام أعينهم، في مدينة يصعب العيش فيها؛ فالبنى التحتية والمراكز الحيوية ومعالم المدينة العُمرانية قد هُدمت بالكامل ولم يتبقَّ إلا الحُطام.
من جانب آخر، يُطالب الكثيرون بتشكيل لجان للتحقيق في جرائم الحرب والمجازر والانتهاكات التي ارتكبت بحق المدنيين.
والأهم من كل ذلك، في الوقت الحاضر، مَن سيتولى إدارة المدينة؟ وهل هو قادر على أن يكون حكيماً بما يكفي لاحتواء الأوضاع وتخفيف الأضرار من جميع الجوانب؛ لاتخاذ القرارات السياسية الصحيحة والمناسبة وعدم الانحياز إلى جهة ضد الأخرى، ويستطيع أن يوازن العلاقة بين حكومة بغداد من جانب وإقليم كردستان من جان آخر؟
فكلما تزايدت المشكلات بين الجانبين بقيت مدينة الموصل وسكانها يدفعون ضريبة الخلافات السياسية على حساب مستقبلهم وسيبقى الخراب مقيماً في المدينة للسنوات المقبلة.
فهي ضحية حروب داخلية وخارجية يَرفع صُناعها رايات الإنسانية أمام الكاميرات ويحولونها لنيران على أرض الواقع.
يبقى الخوف من احتمال بقاء الحال على ما هو عليه؛ فتستمر الصراعات الإقليمية والسياسية، ولا يدفع ثمنها إلا الأبرياء، وفي هذا الحال على المواطن المُوصلي المتضرر الذي خسر الكثير ولم يعد يملك ما يخسرهُ أن يحمل على عاتقه المزيد من المعاناة والتضحيات والأضرار والإساءة بحقه، وهذا لن يسمح به جميع العراقيين. نحن اليوم سنقرر ماذا سيكون واقع الموصل غداً؟ ومن سيبدأ البناء والإعمار في المدينة غير أهلها؟!
تساؤلات كثيرة، والإجابة واحدة، المستقبل القريب سوف يحملها لنا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.