لم أكن أتوقع من أهلنا وأصدقائنا في دير الزور، أن يصل بهم الأمر إلى درجة أن يلاحقونا نحن أهل الرقة بموضوع صغير، مثل: من الذي أطعم رئيس الوزراء عبد الرؤوف الكسم لحم الحمير أولاً، نحن أهل الرقة أم هم الذين زارهم المذكور قبل وصوله إلى الرقة وأكله -بشغف قلّ نظيره- للحم الحمير؟!
بعد نشر مدونة/مقال "يوم أطعمنا رئيس الوزراء لحم الحمير" الأسبوع الفائت، وصلتني احتجاجات عديدة، أغلبها من أهلنا في دير الزور، وكلها تصدر عن "عين ضيقة" لم يعجبها أننا نحن أول شعب أطعم رئيس وزراء حكومته لحم الحمير، مدّعين أنه لولا أنهم جهزوه لهذه المأدبة ما كان وقع في هذا "المطب"، وأنه لولاهم كان انتبه إلى هذا "المقلب"، وما كان أكل من لحم الحمير، ولكان اكتفى بالسلطة بديلاً!
سامحكم الله يا أهلنا في دير الزور!
أنتم قبل غيركم تعرفون أن حافظ الأسد كان ينتقي أعوانه بدقة فائقة، ولا يمكن أن يكلف أحداً بمسؤولية ما، حتى لو كان من "عظام رقبته" قبل أن تؤكد له مخابراته بأنواعها التي زادت عن العشرين، أن فلاناً "أسنس" في الوطاوة والفساد وقلة الضمير!
صحيح أن رئيس مجلس الوزراء عبد الرؤوف الكسم وصل الرقة غاضباً من فعلتكم به، عندما استقبله الديريون -بحفاوتهم المعروفة! وهتفوا مرحبين به (هلا بيك هلا.. وبجيتك هلا)، وأنه حين عرف أن هذا الهتاف يقصد به التهكم عليه وعلى رئيسه حافظ الأسد، لأنه يقال لعدوهم التقليدي صدام حسين، انزعج ورفض أن ينام في دير الزور، وغادرها متوجهاً إلى الرقة، ونام فيها وهو في حالة هسترة منكم، ومما فعلتموه به.. لكن في كل الاحوال، نحن من أطعمناه راضياً مبسوطاً لحم الحمير!
قبل أن أستطرد في الكلام، وكي لا يعتقد قارئنا الكريم، ولا يذهب به خياله فيظن أن الكسم أول من حط على القمر، أو أنه فطحل زمانه في الهندسة، سأسرد شيئاً من سيرة عبد الرؤوف الكسم!
من المعروف أن حافظ الأسد كان يغلف عقله العلوي الطائفي بمجموعة من السنيدة من الطوائف الأخرى، يتم اختيارهم بدقة، وقد وضع لهم حدوداً -لا يتجاوزونها- يتحركون في إطارها، شرط مساهمتهم في حماية نظامه الطائفي، ومنها -مثلاً- أن يكون من النوع الذي يبيع أمه وأبيه، مقابل حفنة من الليرات، كما هي الحال مع محمود الزعبي الذي انتحر برصاصات خمس تاركاً ثروة تقدر بالمليارات، توزعت بعد وفاته بين عمران الزعبي صهر العائلة الحاكمة ورئيس الجبهة التقدمية لأحزاب "الهشك هشك"، وبين قريبه الآخر أحد أركان المعارضة الباسلة، والذي استطاع من راتبه الشهري، بناء ثروة صغيرة لا تتعدى المليارين لكن بالدولار، وتمكن من شراء موقع وزير في حكومة أحمد طعمة التابعة للائتلاف المعارض.. دنياااا.. وحلال عالشاطر.. فلا خوف على معارضين جيوبهم ممتلئة في ظل قضاء "ثوري" يقوده هيثم المالح!
ما علينا.. نعود إلى المقبور حافظ الأسد..
كذلك.. من جملة شروط حافظ الأسد لتقريب الناس منه وتسنيمهم المسؤوليات أن يكونوا من "الذين يسيل لعابهم" حين يرون فخذ امرأة، كما هو الحال في أنموذج مصطفى طلاس، الذي لا شغل ولا شاغل له، رغم أنه وزير دفاع، إلا المرأة. وقصص نظام الأسد الأب في استغلال موضوع الجنس من أجل التحكم في رقاب العباد أكثر من أن تحصى، بل إنه استخدمه في"تنخيخ" كثير من مشاهير العرب، حتى بعض رجال الدين، في بعض الدول الشقيقة والصديقة، فإن نظام الأسد صورهم في مواقف فاحشة احتفظ بنسختها "الأوريجينال" وسلمهم نسخاً عنها، كي لا ينسوا، إلى درجة أن البعض يعيد سبب ارتماء المطران الراعي في أحضان حزب الله المجرم، إلى شريط غير محتشم!
كمان وكمان ما علينا!
نعود إلى عبد الرؤوف الكسم واختيار حافظ الأسد له مطية يحكم عبرها، وغيرها، سورية طيلة ثلاثة عقود، ويورثها لمجرم قلّ نظيره، والذي ضاقت عيون أهلنا في دير الزور، ويعملون جاهدين على تشليحنا سبقنا في أننا -نحن أهل الرقة- نستحق الدخول في موسوعة غينيس، كأول محافظة في العالم أطعمت رئيس الوزراء لحم الحمير، مدّعين أنه لولا قيامهم بتجهيزه وتحضيره ما كان أكل لحم الحمير في ديارنا!
عقدة حافظ الأسد في سني حكمه الأولى كانت تكمن في إيجاد وسيلة يحكم بها ويورث الحكم، وكان مقتنعاً أنه دون رضى التجار الدمشقيين لا يمكن له أن يستمر في الحكم، فعمل على إرضائهم، فأوكل -بداية- الإفتاء لأحمد كفتارو الكردي الدمشقي، وأوكل وظيفة نائب الرئيس لمحمود الأيوبي الكردي الدمشقي أيضاً، وفي فترة لاحقة انتبه إلى خطئه بتولية السنة الأكراد، وبعد "حينٍ ومين" استقر قراره على عبد الرؤوف الكسم، السني الجامعي المتزوج من يهودية سويسرية، متجاوزاً "قرديته" وكونه أنموذجاً لداروين في إثبات نظريته في التطور وفي أصل البشر كقردة، ويتداول السوريون نكتة أنه عندما كان الكسم يدرس في "بلاد برة" أرسل لأهله صورة له مع قرد في حديقة الحيوان، كتب تحتها: أنا اللي عاليمين!
ينتمي الكسم إلى أسرة دمشقية، يكفيها فخراً، أن الفيلسوف الكبير بديع الكسم منها، وأن والده الشيخ عطاء الله الكسم كان مفتي الديار الشامية منذ عام 1918 حتى عام 1938، وهذا على أهميته لم يكن يعني شيئاً لحافظ الأسد، إلى أن تأكد من أن زوجته يهودية، فاختاره وعينه رئيساً للوزراء، ليضرب عصفورين بحجر واحد، فهو من جهة يرضي الدمشقيين وتجارهم، ومن جهة أخرى يرضي إسرائيل ومن معها. طبعاً رئيس وزراء "لا بيهش ولا بينش"، ولا قرار له، وباستطاعة حاجب في مكتب رفعت الأسد، الذي كان يحميه، تقرير أي أمر في أي وزارة، فيما يعجز هو عن تقريره رغم أنه رئيس الوزراء، وقد راج بين السوريين أنه بعد قيام حافظ الأسد بتدمير حماة، استوقف حمار رئيس الوزراء وسأله: شو اللي عم بيصير بحماة يا سيادة رئيس الوزراء؟ فأجابه الكسم: والله ما بعرف شي.. متلي متلك!
أما عن إنجازاته، فيروي لي الصديق تليد صائب بن دير الزور بعضها، ومنها أن الكسم أصدر قراراً بإرسال لجنة تحقيق لميناء طرطوس، للتحقيق بقضايا فساد زكمت رائحتها الأنوف، وقد علّق اللواء محمد الخولي رئيس المخابرات الجوية أمام مجموعة من أصحابه على الموضوع قائلاً:
– شو جحش هالكسم، ما بدها لجان، يشوف أي موظف عايش على راتبه منيح ويحطه بالسجن لأنه أكيد مرتشي!
ومنها أن الكسم أصدر قراراً تم تعميمه على الدوائر الحكومية، يقضي باستخدام أوراق الكتب الرسمية على الوجهين توفيراً للاقتصاد الوطني، فناكده أحد مدراء المؤسسات الحكومية الكبرى بدمشق وقدم تقريرا" لرئيس الوزراء يقول فيه: إن إصلاح ( بيك آب بيجو 404) تابع لمديريته يكلف حسب عروض الأسعار مبلغ 50 ألف ليرة سورية، بينما شراء سيارة جديدة من مؤسسة أفتوماشين للعموم، وليس لدوائر الدولة، يكلف أربعة وخمسين ألف وخمسمئة ليرة، مما يعني، أنه لو تم بيع البيك آب وشراء واحد جديد، فإن هذا سيوفر الكثير على الدولة، فأصدر الكسم قراراً بإحالة المدير للتحقيق لتجاوزه صلاحياته!
ومن طرائف إنجازات الكسم الهندسية مبنى كلية التربية بأوتوستراد المزة بدمشق، وهو من تصميمه، وبسبب الشروخ الكبيرة بدرج المبنى، والتي قد تؤدي لسقوطه مما يعد فضيحة بحق الكسم، فقد تم وضع (كريكو) سيارات تحت الدرج لإبقاء الدرجات المشروخة مرتفعة، وهذا الأمر يعرفه كل من دخل كلية التربية في تلك الفترة.
المهم.. أعود الى أهلنا الديريين "وعينهم الضيقة".. نعترف لكم نحن أبناء الرقة، أنه يسوؤنا أن علي الشواخ الإسحاق، المعروف بأبي فلاشة، والمكنى بالشعيبي، قد ولد وترعرع في الرقة، ومنها بدأ نجمه يصعد، فأدخل العشرات في غياهب سجون الأسد المقبور ونجله المجرم عبر كتابة التقارير الظالمة للأجهزة الأمنية، تقارير قل أن يجود الزمان بمثلها، لكنه دخل موسوعة "غينيس" كأهم مخبر في العالم.. فهاتوا لنا مثله!
ونعترف لكم يا أهلنا "الديرية" أننا كنا خير مرتع لوحوش الفساد، الذين اكتشفوا فينا أناساً "غير شكل" ندفع لهم نصف غلة محاصيلنا، مقابل أن "يكفونا شر تقاريرهم" في ذاك الزمان، وأننا من منطقة "القادم إليها يبكي والخارج منها يبكي أيضاً"، فالأول يظن أنه سيعيش بين أفاعي فيبكي، لكنه يكتشف بعد حين من إقامته أننا ندفع ثمن توقيعه على معروض لشراء علبة سمن ما يعادل ثمنها، فيبكي عندما يغادرها، فيما لم يجرؤ مسؤول غريب عندكم على هكذا فعلة!
ولكن مع هذا كله.. عليكم أن تعترفوا لنا: أننا أول من أطعم رئيس وزراء لحم الحمير، وعندها فقط، نعترف لكم أنكم أول من استحمر رئيس وزراء!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.