كلمة رائعة ألقاها الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز آل سعود، رحمه الله وطيَّب ثراه وخلَّد ذكراه، في احتفال كبير في وزارة الإعلام إبَّان فترة حكمه للمملكة العربية السعودية، وجاء فيها ما يلي:
"أن تأتي وزارة الإعلام كل يوم وليلة وتنشر على موجات الأثير أو على شاشات التلفزيون صورة فيصل، أو قال فيصل، أو عَمِل فيصل، أو أراد فيصل؛ لا ليست هذه مسؤوليتها. لأن فيصل إذا كان يعمل وإذا كان يؤدي شيئاً من واجبه فليس ذلك لكي تظهر صورته على صفحات الصحف أو على شاشات التلفزيون أو يُظهر ما يقول أو يُقال عنه على موجات الأثير. فإن فيصل إذا كان يعمل فإنه يجب أن يعمل في سبيل الله، ثم في سبيل وطنه وأمته".
وكأنما الفقيد الملك الراحل كان يستشرف و"يرفض" منذ عدّة عقود مآل الحالة الإعلامية الراهنة عند كثير من القادة والوزراء والمسؤولين اليوم، في كثير من البلدان، وصناعتهم لممارسة إعلامية قائمة على "البهرجة" وحبّ الظهور وتزايد الاهتمام بالتصريحات والأضواء، حتى لو جاءت على حساب الإنجاز والفعل الحقيقي.
واقع بائس تمت صناعته كنمط سائد في طريقة عرض الأخبار وتناول الأحداث يقوم على إبراز الأشخاص والاستخدام المفرط لصورهم وأسمائهم، ضاعت -تبعاً لذلك- المكوّنات الأساسية للمناسبة أو الخبر المستحق للنشر وانحصرت صياغته أو أهميته لدينا في شخوصه وليس في أحداثه، حتى غدا الكثيرون من الشخصيات العامة والمسؤولة كـ(الكاميرات المتحرّكة) لا ترتاح أنفسهم يومياً إلا برؤية صورهم وأسمائهم في الصحافة والإذاعة والتلفزيون بشكل كرنفالي.
ومع ظهور وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي وتنوّع وسائط العالم الافتراضي تطوّرت الحالة -ربما- إلى حدّ "الهَوَس" فأصبح الشغل الشاغل لدى "المهووسين" اختراع المناسبات والتفنّن في صناعة أخبار والتكلّف في تدبيج تقارير إعلامية عن مشروعات أو إنجازات أو مبادرات هي أقرب إلى الوهم من الحقيقة، أو أنها مجرّد مقترحات أو عناوين خطط واستراتيجيات غير مكتوبة، وغالباً ما تكون مفتوحة الآجال والآماد، وغير محددة التكاليف والقيم، وربما وربما… إلخ لكنها في النهاية يُصنع منها خبر، مجرّد خبر فيه اسم وصورة مسؤول يرى في ظهوره الإعلامي اليومي إشباعاً لطموح، أو علاجاً لمرض أو -وهو الأهم- تغطية على فشل أو ضعف وعجز.
استمرار هذه الحالة الإعلامية أفقد الصحافة، وكذلك نشرات الأخبار التلفزيونية والحسابات الرسمية لبعض وسائل التواصل الاجتماعي قيمتها، وأضعف من متابعيها، وقلَّل من هيبة الوزارات والمؤسسات، والبعض جعل من بعض الوزراء والمسؤولين مادة تندُّر واستهزاء، بسبب الاستخدام المفرط لـ"الكاميرا" أو "الميكرفون" الملاصقين لسائر تحركاته وجولاته وصولاته.
مؤخراً، تداولت الأنباء أن قراراً صدر في جمهورية مصر العربية، تم بموجبه منع الوزراء من الظهور الإعلامي، بعدما تفاقم هذا الظهور وصار يأخذ مُدداً ليست قليلة من الأوقات المفترضة والمنشودة في ميادين العمل الحقيقي. والواقع أن هذا القرار المصري الجريء ينبغي أن يكون قراراً أو توجهاً لدى عموم الدول العربية والإسلامية، لأجل إعادة الأخبار والتقارير الإعلامية عن مشروعات ومناسبات وإنجازات الوزارات والمؤسسات الرسمية إلى سكّتها الصحيحة، ويبعدها عن حالة إبراز الشخوص، ويؤطر في الممارسات والمتابعات الإعلامية قاعدة "أن الأحداث أهم من الشخصيات"، ويمنع من أن تكون الصحف ووسائل الإعلام محلاً للدعايات الشخصية، أو علاجاً لنزوات حبِّ الظهور، أو حتى مكبّاً للفاشلين الذين يهرعون إلى الإعلام هرباً من حيِّز الفعل والتنفيذ على الأرض.
سانحة:
لو قام بعضهم بتخصيص الوقت الذي يقضيه في صناعة الأخبار و"الكرنفالات" الإعلامية للتفكير في العمل والفعل الحقيقي؛ لتحقق الكثير من الإنجاز.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.