فلسفة “البدء من جديد” في الإسلام

يحتاج آدم لأن يُمنح الفرص في الحياة بشكل متكرر، فجميعنا نخطئ مرة وثانية وثالثة، وتمضي الحياة. إذن، جميعنا بحاجة للحصول على الفرص واحدةً تلو الأخرى لنتمكن من المضي قدماً مع مضي الحياة بنفْس مشرقة لا مهترئة.

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/14 الساعة 03:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/14 الساعة 03:31 بتوقيت غرينتش

يحتاج آدم لأن يُمنح الفرص في الحياة بشكل متكرر، فجميعنا نخطئ مرة وثانية وثالثة، وتمضي الحياة. إذن، جميعنا بحاجة للحصول على الفرص واحدةً تلو الأخرى لنتمكن من المضي قدماً مع مضي الحياة بنفْس مشرقة لا مهترئة.

فلسفة ضرورة الحصول على الفرص مراراً وتكراراً!
يحتضن الإسلام هذا المفهوم بشكل جلي، فذكر في الحديث: "كلُّ ابنِ آدمَ خطَّاءٌ، وخيرُ الخطَّائينَ التَوَّابون". وهنا، تضمين لحقيقة كونية مفروغ منها، وهي حقيقة أن إصابة الخطايا نصيب كل إنسان لا محالة.

وفي هذا الحديث أيضاً ترويح عن النفس التي عضَّت أصابعها من الندم، وتخفيف عن الإنسان من عناء جَلد الذات المُوجِع. وإذا تمعّنا في الحديث، نجد أن لفظة "خطّائون" تحمل معنى التكرار، فالوقوع في الخطأ سلوك بشري يلازم الإنسان طيلة حياته ولو كان ذلك بدرجات متفاوتة.

ولكن الإسلام ربط إمكانية حصولك على تلك الفرص الجديدة بمدى صدق نواياك للتغير والتجديد، فحتى كبرى المعاصي والذنوب تُغتفر ما صدقت النية وخرجت من أعماق القلب.

والأمثلة على ذلك كثيرة، فعندما يقع الإنسان في خطأ يلزمه أولاً التوبة (وهي في مفهومها العام الندم)، وعزم النية على الإقلاع عنه، ثم محاولة إصلاح الخطأ إن أمكن، وقد يحتاج الأمر وتمتد المساعي إلى محاولات لمحو آثار ذلك الذنب أو تعويض المتضررين من وقوعه إن وُجدوا. وقد ذُكر في حديث صحيح أن "الندم توبة".

إن فلسفة الفرصة الثانية متعددة الصيغ في الإسلام، فيعود الإنسان في حال دخوله في الإسلام بلا ذنوب ولا آثام مِن بعد انغماسه في أعظم ذنب قد يقع فيه مخلوق، وهو الشرك والكفر، تماماً كما بعد الحج المبرور الصادق الذي يُولد بعده المرء وتُبثُّ فيه الحياة من جديد.

أن يسامح الإنسان نفسه أهم أحياناً من أن يسامحه غيره!
يفهم الإسلام ضرورة أن يتعايش الإنسان مع نفسه وأخطائه، فالعيش مع عقدة الذنب شيء محال، فالعديد من حالات الانتحار كان سببها الرئيسي الندم وتأنيب الضمير على أثر هفوات وزلّات.

وعلى الجانب الآخر، قد يتمادى الأشخاص في طغيانهم وظلمهم في حال شعروا بأن لا فرص أخرى متاحة لهم للتوقُّف والدوران والعودة للبدء من جديد، وفي هذه الحالة، قد يتحجر القلب ولا يعود فيه مكان لبدء صفحة جديدة، "إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ"، فالقرب الزماني هو أحد العوامل المهمة التي تحفز نجاح عملية ولادة الفرص والاستعداد النفسي للانطلاق من جديد. وهنا دلالة على أن الإسلام يدرك أيضاً مفهوم أهمية الانتباه إلى الوقت وعلاقة مروره العكسية مع نجاح سيرورة تعافي الروح من خطاياها.

يقولون إن فاقد الشيء لا يعطيه، وما زالت هذه العبارة محل جدل أزلي، ولكن ما أعرفه تمام المعرفة أن فاقد الشيء يستطيع استعادته وردّه إلى ذاته عن طريق وهبه للغير، ففاقد الحب يمكنه ملء قلبه حباً من جديد وبالتدريج عن طريق مبادلة مشاعر الحب النبيلة مع الغير، وقاسي القلب يستطيع أن يلينه بعطفه على الآخر ومحاولة إدخال السرور عليه. ومسامحة النفس أيضاً تتحقق بالبدء بمسامحة الغير أولاً وتلمُّس الأعذار لزلاتهم.

النية الصادقة هي ختم تذكرة قطار العودة!
"التوبة" مصطلح عميق في الدين الإسلامي، فشمولية الفكر الإسلامي لمفهوم الحاجة الماسة للإنسان لمسامحة نفسه والبدء من جديد، مع معرفته وإيقانه بأن وقوعه في الخطأ سلوك ليس بفردي ولكنها طبيعة بشرية، وبأن وقوعه مجدداً في أخطاء أخرى هو أمر حتمي.

وبأنه رغم جميع هذه التسهيلات الوجدانية، وضِع معيار أساسي وختم رسمي لتذكرة قطار العودة عن خط الانحدار، معيار يعرفه المخطئ ذاته قبل كل شيء وأي أحد، وهو النية. فإن صدقت النية فالرجوع أمر ممكن وميسور.

ويمثل شرط حضور النية الصادقة في النفس التواقة إلى الفرصة الجديدة، مانعاً لاستسهال البشر اقتراف الخطايا، فالنية الصادقة تبجّل مفهوم التوبة في السريرة وتجعلها مستحيلة المنال من دونها حتى وإن بدا في الظاهر عكس ذلك.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد