– كثير منا للأسف لا يعرف هذه الشخصية العظيمة التي كان لها تأثير كبير في تاريخ الجمهورية التركية وأحداثها التاريخية، الشخصية التي ظُلمت لفترة طويلة من الزمن.
ومن هذا المنطلق أتتني الرغبة في الكتابة عن هذا الرجل العظيم، وأن أُعرّف الناس به.
– علي عدنان مندريس هو أول زعيم سياسي مُنتخب ديمقراطياً في تاريخ تركيا، وشارك في تأسيس الحزب الديمقراطي، ذلك الحزب الذي كان عمره فقط أربعة أعوام، ورغم ذلك فاز بأغلبية ساحقة في الانتخابات العامة؛ ليقوم عدنان مندريس بتشكيل حكومة جديدة عام 1950، فقام بتغييرات كبيرة في المجتمع التركي.
فقد قام بحملة تنمية شاملة في تركيا شملت تطوير الزراعة وافتتاح المصانع وتشييد الطرق والجسور والمدارس والجامعات، وقد أسهمت إصلاحات مندريس في تطوير الحياة الاقتصادية في تركيا؛ حيث تقلصت البطالة وتحررت التجارة، وعاش الناس فترة استقرار سياسي، إلى جانب تراجع حدة التوتر الذي كان سائداً بين السكان والدولة، بسبب الإجراءات المناهضة للإسلام ومظاهر التدين والعبادات.
وكان مندريس قد وعد بإلغاء الإجراءات العلمانية الصارمة في تركيا، وكان من بين هذه الإجراءات جعل الأذان والقرآن باللغة التركية وإغلاق المدارس الدينية، وحينما فاز مندريس قام بإلغاء هذه الإجراءات؛ حيث أعاد الأذان باللغة العربية، وأدخل الدروس الدينية إلى المدارس العامة، وفتح أول معهد ديني عالٍ، إلى جانب مراكز تعليم القرآن الكريم.
لم يعلن مندريس أبداً في أي من هذه الإجراءات أنه كان إسلامياً أو مؤيداً للإسلاميين، بل على العكس من ذلك فقد وضع تركيا في قلب العالم الغربي، وانضمت تركيا في عهده إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وأقام علاقات قوية مع الولايات المتحدة.
مع نهاية عقد الخمسينات كانت إجراءات مندريس الداخلية قد استفزت القوى العلمانية التي تمكنت من حشد قوى اجتماعية، لا سيما داخل الجامعات والجيش، لمعارضة سياسات حكومة مندريس، ونتيجةً لذلك تحرك الجيش التركي في يوم 27 مايو/أيار 1960، وتم وقف نشاط الحزب الديمقراطي واعتقل عدنان مندريس وعدد من الوزراء وأُرسلوا إلى السجن.
وبعد محاكمة صورية تم سجن رئيس الجمهورية مدى الحياة، فيما حُكم على مندريس واثنين من وزراء حكومته بالإعدام، وكانت التهمة هي اعتزامهم قلب النظام العلماني، وتأسيس دولة دينية، وفي اليوم التالي لصدور الحكم تم تنفيذ حكم الإعدام في مندريس؛ ليكون أول ضحايا العلمانيين في الصراع الداخلي لتركيا.
وفي الفترة الأخيرة تزايد إحساس الكثير من الأتراك أن مندريس ورفيقيه قُتلوا ظلماً، فاتخذت بعض الإجراءات الجريئة لإعادة الاعتبار إلى مندريس ورفيقيه، ومنها إصدار قانون يقضي بإعادة الاعتبار إلى مندريس ورفيقيه الذين أعدموا ظلماً في نفس القضية، وتم تسمية مطار مدينة أزمير باسمه، وكذلك الكثير من الشوارع والجامعات والمدارس، امتناناً لدوره في الحياة المدنية التركية.
فبمثل هذه النماذج المخلصة المجتهدة تجد الأوطان طريقاً لنور العلم والتنمية والتقدم، طريقاً للتخلص من ظلمة الجهل والتأخر، رحم الله ذلك الرجل الشجاع المخلص، رحم الله عدنان مندريس.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.