حاجات أبناء الجالية العربية في اليونان تجاوزت اليوم دور العبادة والمؤسسات الثقافية العادية، لتصبح حاجات معيشية مهنية وتربوية، إضافة إلى الحاجة لتنسيق العمل الإغاثي الذي يفرض نفسه على الجميع بوجود الأعداد الكبيرة من اللاجئين في البلاد.
هذا التحدي فرض نفسه على أبناء الجالية ودفع نشطاء منهم إلى تأسيس منتدى للتنمية يهدف لتقديم خدمات متعددة ليس فقط لأبناء الجالية العربية، بل للمواطنين اليونانيين على السواء.
وافتتح هؤلاء النشطاء أول مقر لـ"منتدى التنمية" في أثينا السبت الماضي 16 أبريل/نيسان 2016.
"هافينغنون بوست عربي" حاورت شادي الأيوبي، الصحفي اللبناني المقيم في اليونان، عضو مجلس إدارة "منتدى التنمية"، حول المشروعات والخدمات التي يخطط المنتدى للقيام بها.
بدايةً.. لماذا منتدى التنمية؟
الجالية العربية في اليونان بدأت أعدادها تزداد منذ تسعينيات القرن الماضي، بعدما كان وجودها في البلد نخبوياً يقتصر على الطلاب ورجال الأعمال والدبلوماسيين.
ومنذ تسعينيات القرن الماضي بدأ أبناء الجالية في إنشاء أماكن للعبادة وجمعيات غير ربحية تمحورت حول الصداقة العربية اليونانية وخدمة أبناء الجالية. لكن تلك الجمعيات بقيت داخل الجالية دون أن تنفتح بالشكل المطلوب على مؤسسات المجتمع المدني اليونانية، كما لم تستطع خدمة أبناء الجالية بالشكل المطلوب.
في هذه الأثناء انطلق أبناء الجالية الذين وُلدوا أو كبروا في هذا البلد وهم اليوم يحاولون إثبات أنفسهم بجهود فردية أو جماعية، لكن دون أن يلقوا الدعم أو الترشيد من الجالية.
لذلك فإن التحدي الذي وضعناه أمامنا في "منتدى التنمية" هو خدمة أكبر عدد ممكن من أطفال وشباب الجالية، فحاجات أبنائها اليوم تجاوزت دور العبادة والمؤسسات الثقافية العادية، لتصبح حاجات معيشية مهنية وتربوية، إضافة إلى الحاجة لتنسيق العمل الإغاثي الذي يفرض نفسه على الجميع بوجود الأعداد الكبيرة من الإخوة اللاجئين في البلاد.
كم يبلغ عدد الجالية العربية في اليونان، وما أكبر الجنسيات؟
ليس هناك إحصاء لأعداد الجاليات العربية، ولا أي جالية أجنبية في اليونان، من طرف رسمي أو غير رسمي.
وحتى سنة 2010 كان يمكننا الحديث عن عشرات الآلاف من أبناء الجاليات العربية في المدن والقرى والجزر اليونانية، لاسيما من المصريين والسوريين. وبعد اندلاع الأزمة الاقتصادية في اليونان أخذت هذه الأعداد بالتراجع بشكل مستمرّ، ولعلنا نتحدث اليوم عن حوالي 40 إلى 50 ألف مهاجر عربي في البلاد كحد أقصى، في مقدمتهم المصريون والفلسطينيون والسوريون ثم المغاربة والسودانيون. وقد كانت في البلد جالية سورية كبيرة لكن معظم أبنائها هاجروا إلى السويد ودول أوروبا الشمالية حيث طلبوا اللجوء.
ولابد أن نذكر كذلك أن هناك حوالي 50 ألف لاجئ بقوا في البلاد بعد البدء بتطبيق الاتفاقية التركية الأوروبية بشأن اللجوء، وهؤلاء بينهم نسبة كبيرة من العرب.
في أسطر محددة.. ما المطلوب القيام به من خلال "منتدى التنمية"؟
المطلوب منا اليوم بالضبط هو مثل هذه المؤسسة الثقافية التنموية تنطلق بتعقل منفتح وتهتم برعاية أبناء الجالية من الأطفال والشباب والكبار.. من خلال:
ـ الاهتمام بتعليم ونشر اللغة العربية لدى أبناء الزيجات المختلطة.
ـ وبالأسر التي ضربتها البطالة والفقر.
ـ بالأولاد الذين اختلّت حياتهم بسبب الخلافات الاجتماعية والطلاق.
ـ بجمع شتات الشباب الموجود في البلاد.
– التشجيع على المشاركة في الحياة العامة.
ـ تنمية المواهب المهنية للشباب حتى يستطيعوا إيجاد عمل.
ـ الاهتمام بمسألة الترفيه عن الأطفال والشباب.
وكيف تولدت الفكرة وتطورت حتى أصبحت حقيقة على أرض الواقع؟
فكرة المنتدى بفلسفته ورؤيته الحالية تولّدت بعد العديد من التجارب التي قام بها أبناء الجاليات العربية في اليونان خلال السنوات العشرين الماضية، وهذه التجارب كان فيها الكثير من الإيجابيات والفوائد، كما كان ينقصها شيء من التطوير لتكون منفتحة على المجتمع اليوناني بشكل تام دون مخاوف أو أفكار مسبقة. لكنها في المحصلة ساعدت على تشكيل رؤية لدى المهتمين حول شكل المؤسسة المطلوب تكوينها لتكون رائدة في خدمة المجتمع المدني في اليونان.
وما الجهة الراعية لها والمشرفة على أنشطتها وخدماتها للجالية العربية في اليونان؟
ليس لدينا جهة راعية، لا من الناحية المادية ولا المعنوية، إلا أبناء الجالية الذين احتضنوا الفكرة منذ انطلاقتها وأسهموا في إخراجها في الشكل المطلوب. وهؤلاء قدموا تبرعات عينية ومالية. أما الذين ساعدوا بشكل كبير في المشروع فقد كانوا الحرفيين المتطوعين الذين قاموا بتجهيز المكان وصيانته، وهؤلاء وفرّوا علينا مبالغ كبيرة جداً، ما كنا لنستطيع تحملها.
المشرف على النشاطات هو مجلس إدارة المنتدى الذي يُوكل مسألة تنفيذ الأفكار والمشاريع التي تستهدف فئات معينة من الجمهور، إلى فريق من المتطوعين الذين يتولون التنفيذ بالاتفاق مع الإدارة.
ونحن كنا حريصين منذ البداية على أن تكون النواحي القانونية ودستور الجمعية بسيطاً وغير معقد ويسمح لنا بحرية الحركة دون عوائق بيروقراطية، وهذا لأننا نعتقد أن العقبات البيروقراطية كانت ولا تزال سبباً لفشل الكثير من التجارب.
كيف سيعمل المنتدى على انفتاح الجالية العربية على المجتمع اليوناني بالشكل المطلوب؟
أهداف المنتدى موزعة بشكل يخدم الكثير من الفئات المجتمعية. وأول هدف أعلناه كان خدمة اللغة العربية وتاريخها وحضارتها. ومن بين وسائل تحقيق هدف نشر اللغة العربية يمكن ذكر وسيلتين:
الأولى: عقد لقاءات دورية لدارسي اللغة العربية، تحت عناوين محددة والطلب من كل دارس تحضير كلمة مختصرة عن الموضوع باللغة العربية ثم إلقائها أمام زملائه والمشرفين على اللقاء.
واستفادة الطالب من الموضوع واضحة، فهو سيجري البحث عن الموضوع المطلوب، وسيقوم بكتابته وإلقائه باللغة العربية، كما سيبقى لفترة نصف يوم في أجواء اللغة العربية. وهذا اللقاء الثقافي لن يكلفنا شيئاً، كما لن يكلف المهتمين كذلك.
هذا اللقاء هام جداً، خاصة إذا عرفنا أن اليونان تخلو من مركز ثقافي جامع يحتضن اللغة والحضارة العربيتين، كما تفعل المراكز الثقافية الأوروبية الموجودة في البلاد.
باختصار، هدفنا بالنسبة للغة العربية هو تحويل هذا المنتدى إلى محجّة لدارسي اللغة العربية ومحبي حضارتها.
أما الوسيلة الثانية: فهي توفير مدرسي لغة عربية يتطوعون لتعليمها في المؤسسات المحلية التي تطلب ذلك، مثل البلديات التي تقيم دروس لغات مجانية، أو حتى الجامعات التي ترغب في تدريس لغة الضاد، لكنها لا تستطيع تقديم مصاريف الأستاذ الذي يدرّسها للراغبين.
كما نهدف الى التعاون مع جامعة أو مركز تعليم لغة عربية، بحيث نستطيع إعطاء دارسي اللغة العربية شهادة معتمدة من الجامعة أو المركز المذكور.
وهل تم بالفعل تواصل مع مؤسسات من المجتمع المدني اليوناني؟
بالنسبة للتواصل مع مؤسسات المجتمع المدني، نحن بدأنا هذا الموضوع خلال الفترة الماضية، ومعظمنا أصلاً على صلة ومعرفة بتلك المؤسسات، لأن القائمين على العمل الحالي كانوا منخرطين من قبل في المؤسسات والجهود السابقة وليسوا غرباء عن هذه المسائل.
والحق يقال إن العشرات من أبناء المجتمع اليوناني اليوم أبدوا استعدادهم للمساعدة في تطوير وإثراء هذه التجربة، سواء عبر تعليم اللغة اليونانية للراغبين بها، أو القيام بدورات تدريبية مهنية.
هل هناك تصور موضوع أو رؤية لاحتياجات أبناء الجالية وفق متطلبات سوق العمل؟
أحد أهم التطورات التي لحقت باليونان خلال السنوات الست الماضية منذ 2010 كان توقف مشروعات الإنشاءات بشكل كامل في البلاد، ما يعني البطالة لأعداد كبيرة من المواطنين والمهاجرين العاملين في هذا المجال، أو تعرضهم للاستغلال والعمل بأجور سيئة ولساعات طويلة، لعلم أرباب العمل بحاجتهم الماسّة للعمل.
وفي نفس الوقت زادت أعداد اللاجئين والمهاجرين الذين يدخلون البلد، كما هو معروف، للعبور إلى أوروبا، وبينهم أعداد كبيرة من العرب، هذا يعني تغيّراً في حاجات السوق المحلي، حيث أصبحت المؤسسات غير الحكومية تطلب أعداداً من متقني اللغتين العربية واليونانية، للعمل كمترجمين مع اللاجئين العرب. كما أن بعض الجهات الرسمية – القضاء والشرطة – تطلب كذلك مترجمين عرباً.
وبما أن الكثيرين من أبناء الجالية العربية في اليونان لا يتقنون اللغة اليونانية بشكل يؤهلهم للعمل كمترجمين، فقد كان من ضمن اهتماماتنا تعليم اليونانية لهذه الفئة، بحيث لا تكون معرفة اللغة المحلية معضلة تعيق التحاقهم بأعمال الترجمات المذكورة.
هناك مسألة أخرى، وهي أن آلاف الأسر العربية تعيش في المدن والقرى والجزر اليونانية، وهذه الأسر تعاني من عدم إتقان أطفالها للغة العربية. هذه الفئة نتجه إلى تخصيص نشاط هادف لها، وهو تخصيص دروس لغة عربية تبث مباشرة عن طريق شبكة الإنترنت، ويمكن للتلميذ متابعتها والمشاركة فيها مباشرة. كما تبقى هذه الدروس على موقع يوتيوب للاستفادة منها لاحقاً.
كيف ترون استقبال أبناء الجالية العربية في اليونان لأنباء افتتاح المقر الأول للمنتدى؟
للأمانة الاستقبال كان جيداً من جميع من حضر الافتتاح أو سمع بالموضوع، من المواطنين اليونانيين أو العرب، وقد تلقينا كلمات الإعجاب والثناء من الجميع.
ونحن واعون تماماً بأن مسألة الترحيب المبدئي لا تحقق النجاح، بل المطلوب هو إشراك أكبر عدد من الأفراد في العمل وتحمل المسؤولية، بحيث يتوزع الحمل المادي والمعنوي على فئة كبيرة من المهتمين.
ورؤيتنا في استغلال هذه النظرة الإيجابية هي الاستفادة من كل فرد من أبناء الجالية حسب طاقاته ومواهبه، دون إحراجه بطلب المزيد. فمن كان قادراً على الدعم المادي وغير قادر على المتابعة والحضور سنكتفي منه بهذا، ومن كان يستطيع الحضور والدعم المعنوي سنكتفي منه بهذا أيضاً، كما سنعتمد على أصحاب الخبرات المهنية والأكاديمية في دورات التثقيف والتدريب المهني.
هل ستقتصر الخدمات فقط على أبناء الجالية العربية أو ستكون هناك مشاركات مع مؤسسات محلية في حل بعض مشكلات المجتمع اليوناني؟
نحن "منتدى التنمية" ولسنا "المنتدى العربي للتنمية". وهذا قلناه في حفل الافتتاح. واليونان التي نعيش فيها أخرجت منا – كعرب – آلاف المهندسين والأطباء والعلماء. فليس منطقياً أن نقتصر في خدمتنا على أبناء الجاليات العربية، فيما البلد تضربها البطالة والفقر. يعني أخلاقياً، لابد من رد التحية ولو بتحية أقلّ منها.
أضحت الجزر اليونانية معبراً رئيسياً لقوافل اللاجئين إلى أوروبا.. فهل سيكون ضمن اهتمامات "منتدى التنمية" لعب دور في هذا الملف؟
ملف اللجوء يفرض نفسه على أي مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني الموجودة أو العاملة في البلد. ولا يمكن بالطبع لمؤسسة أنشأها عرب أن تتجاهل هذا الموضوع.
لكن النظام العام للجوء تشكّل منذ فترة، بحيث أصبحت له آليات وحاجات محددة وثابتة لا يمكن تغييرها. ونحن نعتقد أننا سنكون ضمن الجهات التي ستسهم في الملف، ليس بجهودنا المتواضعة، بل اعتماداً على جهود وقدرات الجاليات العربية التي لم تقصّر في هذا المجال.
ونحن حالياً علاقتنا بموضوع اللجوء عادية. بمعنى آخر نساعد قدر المستطاع مع المنظمات والجهات العاملة في هذا المجال ولسنا متميزين في هذا الشأن. ولعلنا في المستقبل القريب نكون فريق عمل من أبناء الجاليات العربية يتخصص في هذا المجال.
لكن بالنسبة لموضوع التعريف بقضيتهم، نحن لدينا رؤية أنه اعتماداً على انتشار المترجمين العرب في كافة النقاط التي يوجد فيها لاجئون، فيمكننا تكوين فكرة جيدة عن الوضع، وبالتالي تعريف المجتمع به.
وأخيراً.. كناشط عربي مقيم في اليونان منذ أكثر من ربع قرن.. ما رسالتكم للجاليات العربية في الغرب؟ كذلك ما رسالتكم للشعوب أو المجتمعات العربية؟
الجاليات العربية في الغرب تحتاج إلى رؤية جديدة متحررة من أي عقدة ذنب تجاه ما يجري في بلادنا أو الدول الأوروبية، ومتحررة كذلك من أي خوف من المجتمع الذي تعيش فيه.
يجب أن تكون لنا مساهمات كمواطنين ومقيمين في هذه البلاد، وليس من الضروري أن ننطلق دائماً من أننا عرب أو مسلمون. نحن مواطنون ومقيمون في هذه البلاد، شأننا شأن الكثير من الجاليات الأخرى التي لا يعيقها دينها ولا قوميتها عن الانفتاح على المجتمع والاستفادة منه وإفادته.
وبالنسبة للمجتمعات العربية والإسلامية – التي أسميها "مسلمي المياه الدافئة" – أتمنى أن يكون فيها وعي بالوضع الحساس للجاليات في الدول الغربية، وأن لا يسهم الشباب هناك في صب الزيت على النار كلما حدثت واقعة تؤثر على الجاليات في الغرب، عبر العنتريات على الشبكات الاجتماعية؛ لأن عنترياتهم التي يستعرضونها بالمجان يدفع ثمنها مسلمون وعربٌ آمنون لا ذنب لهم، سوى أنهم مقيمون في بلاد أخرى.