الكاميرا تعمل دائماً يا أيها الفُضَلاء.
الكاميرا تعمل يا حضرة الشيخ.
واحد، اثنان:
سؤال:
– ما موقف الإسلام من ضرب المرأة؟
جواب:
– الرسول عليه السلام لم يضرب امرأة ولا طفلاً ولا خادماً.
الإسلام أوصى الرجال بالرفق بالنساء:
(استوصوا بالنساء خيراً).
(رفقاً بالقوارير).
– شكراً لك.
الكاميرا تعمل مرة ثانية ولكنها كاميرا خفية، تحملها اثنتان من النساء المنقبات بقصد كشف حقيقة موقف ذات الإمام، المعبر عن الموقف الرسمي للإسلام في هذا البلد الأوروبي.
تدخل المرأة المنقبة الأولى على الشيخ وتقول له:
– أحب زوجي، لكنه يضربني؟
(هذه العبارة بحد ذاتها تعني في علم النفس أن هذه المرأة بحاجة إلى مساعدة فورية عاجلة نفسية وقانونية؛ لأنها تغرق وتحب من يقوم بالتعدي عليها، فهي بحاجة لإنقاذ عاجل).
لكن الإمام يرد عليها بالجواب التقليدي لعامة المسلمين وخاصتهم في موضوع العنف ضد المرأة:
– اصبري وصابري، لعلكِ أغضبته في شيء.
يعني لا بأس لو ضربك ضربة خفيفة، وضرب ضربة خفيفة بإصبعيه على معصمه!
المرأة الأخرى المنتقبة قالت له:
– زوجي يغتصبني، يعاشرني رغماً عني؟
الإمام يجيب:
– لا يحق لك الامتناع عنه، وليس هذا اغتصاباً، ولا يحق لك أن ترفضي إلا أن تكوني مريضة لدرجة شديدة جداً!
الكاميرا تعمل دون علم الشيخ الإمام في أحد المساجد في أوروبا وقد صورت كل شيء.
عرضت المشاهد الأولى التي يقول فيها الشيخ كلاماً غير الذي أجاب فيه المرأتين، وعرضت المشاهد المصورة بالكاميرا الخفية عندما لجأت إليه المرأتان مدعيتين، ولكن معبرتين عن حال كثيرات من الزوجات المسلمات في بلد يجرم قانونها أشد التجريم العنف ضد المرأة، والاغتصاب الزوجي، ويجعله سبباً مباشراً لإنهاء الحياة الزوجية وإخراج الرجل مباشرة من المنزل، وفي كثير من الحالات إلى السجن مباشرةً، عرض كل ذلك على التلفزيون الرسمي، ليضعنا في مواجهة مع أنفسنا أمام الغرب، وأمام العالم كله.
(يا أيها الذين آمنوا لمَ تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون).
(ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا).
إن المواجهة التي تهربنا منها مع ذواتنا، وفضلنا المحافظة على واقع مهلهل محاولين ترقيعه بالصبر، والطلب من المقهور ابتلاع الظلم المر، دون أن نحاول أن نملأ الفراغ الوجودي الهائل بين النظرية العظيمة الراقية والمبادئ السامقة السامية، والمعاملة النبوية الرقيقة النبيلة للنساء، وبين واقعنا المتعفن بالعادات والتقاليد، والمزود بالأحاديث الضعيفة بل والموضوعة، والتفسيرات المشوّهة التي جعلت حقوق الحيوان في الإسلام أعلى وأهم من حقوق الزوجة على زوجها.
ذات المؤسسة الدينية التي فسّرت الآيات والأحاديث والنصوص الشرعية لمصلحة الحاكم والسلطة السياسية لقرون طويلة، هي ذاتها التي فسّرت النصوص بطريقة معيبة مهينة ذكوريّة بحتة، لا يخلو منها كتاب من الكتب التي تعرضت لأحكام المرأة والأسرة والزواج والطلاق، لا مجال لتفصيلها هنا، ويمكن لمن يرغب بالاستزادة منها، اقتناء كتاب الأستاذة عابدة المؤيد العظم "حدود طاعة الزوج"، ففيه تفصيل واسع لما تم تداوله من أحكام وتشريعات، كان الستار الذي تستر به الظلم المجحف الذي وقع على النساء في المجتمعات العربية الإسلامية، بينما نتداول في العلن جميعاً:
الإسلام كرّم المرأة، وبلا أدنى شك!
ولكنكم أنتم يا معشر الذكور المتسترين برداء الدين – وليس الرجال المسلمين الحقيقيين – قد أهنتموها.
الإسلام كرم المرأة وبلا أدنى شك، المرأة التي أوقفت عمر بن الخطاب وقالت له أمام الناس: أخطأت، وما حكمت بالعدل. قالت له ذلك حين أراد أن يحكم فيما يخص المرأة، فتكلمت وسكت الرجال. قال لها عمر: أصابت امرأة وأخطأ عمر. عمر الذي جعل المرأة حسيبة على الرجال في السوق.
كانت هذه المرأة قبل 14 قرناً تتكلم وتعترض وتشارك وتعلم وتحارب وتمرض، بينما لم يمنح الغرب المرأة حق الانتخاب إلا في الثلث الأول من القرن العشرين. بل وكانوا حتى أواخر القرن التاسع عشر يجتمعون في أوروبا ليقرروا هل المرأة إنسان أم شيطان.
فماذا فعلتم بتلك النهضة المجتمعية الحضارية، ولماذا قررتم تخدير وتجهيل وحبس نصف المجتمع، فحكمتم بالتخلف علينا جميعاً.
وماذا يكون مصير المرأة التي تبادر وتقرر أن تأخذ زمام المبادرة، حتى يوم الناس هذا، أمام حمَلة تركة التخلف الحضاري؟
– إحدى الناشطات المسلمات في الغرب، واللاتي لديها حضور نسائي كثيف من المسلمات والغربيات في دروسها، وأسلم على يدها غربيات كثيرات، تقوم بإعطاء درس في قاعة ما في المسجد، يتم الدخول إليها عبر مصلى الرجال.
قامت إدارة المسجد بمنعها هي والنساء من المرور عبر المصلى لإقامة الدرس بحجة أنه لا يجوز مرورهن، وأغلقت الغرفة، ومنعت كل أشكال الحوار والتواصل معها، ولم تستجب لنداءاتها بحل الإشكال.
أصرت الداعية على إقامة الدرس، ولو في الممر، جلست النساء في الممر الخاص بالمسجد لأخذ الدرس. فقامت إدارة المسجد بإزالة كل السجاد من الممر نكاية بهن، تحت دعوى أنه ربما تكون إحدى النساء حائض فتُنجّس سجاد المسجد.
هذه الفضيحة المجلجلة والمعبرة عن نظرة كثير من أدعياء العلم الشرعي، تداولها الإعلام في تلك الدولة الأوروبية، والكلام الذي حدث موجود وموثق، وقد شكل وللأسف مع الموقف السابق لأئمة المساجد، الصورة التي أصبح يراها الغربي عن الإسلام والمرأة المسلمة، إلى الحد الذي جعل أحد الصحفيين يخبر إحدى الناشطات المسلمات بكل وضوح: "أننا نظن أنكن تعاملن في دينكن على أنكن نجسات، وتضربن وتغتصبن وأنتن صامتات، ويحدث هذا كله باسم الإسلام".
ثم نقول: لماذا ينظر لنا الغربيون ويروننا بهذه الصورة؟
لأننا قد شوهنا مبادئنا العظيمة بتطبيقنا الممسوخ والمشوه، فالصورة معبرة عن واقعنا وإن كان هذا ليس كل الواقع، وإن أردنا أن نحسّن الصورة، فعلينا أن نقوم بمواجهة عبء التغيير والمراجعة بكل جرأة، وهذا ما تتهرب منه أغلب المؤسسات الرسمية الإسلامية في الغرب، التي مازالت تهمش دور المرأة ولا تكترث بقضايا الأسرة، فهذه المواضيع (حكي نسوان)، يعني كلام فاضي وهم من يقررون مصائر الأمم، فلا فراغ لديهم للكلام في سفاسف الأمور، فخراب البيوت وظلم البشر وخسارة الأسر أبنائها بسبب العنف الأُسَري، والقدوة السيئة التي يقدمها الأب الصالح في الكلام والطالح في الفعال، كلها قضايا ليست مهمة!
وعندما تقوم بعض الناشطات المسلمات بالتحرك مع أخواتها بقصد سد الثغرة وإصلاح الحال، ومواجهة هذه المشاكل التي تواجه الأسرة المسلمة، والمجتمع المسلم والمؤسسات الإسلامية في الغرب، تثور ثائرة المشايخ والأئمة التقليدين ضدها، ويتم الهجوم عليه وتحويلها لمارقة وإقصاؤها تماماً ومنع المسلمات من التخاطب معها، لكونها فاسدة مفسدة.
فلنبق على ما نحن عليه، والكاميرات مازالت تدور يا عمي الشيخ.
موعدنا مجدداً مع فضيحة نفاق وتناقض جديدة تنقلها الشاشات الأوروبية.
أما أن نجلس معاً، وتسمعونا، وتكرموا المرأة وتشركوها معكم كما تدعون، وتتركوها تقرر ما يخصها بنور الله، بدلاً من الوعي الذكوري الذي شكلته أغلب الكتب والأحكام والأدبيات التي كتبها رجال حول المرأة – كما يقول الدكتور عبدالكريم بكار – فهو أمر يبدو أن ما زال يصعب عليكم الإقدام عليه، فلتتركوه لمن هو أصدق وأشجع في مواجهة الذات منكم.
إن قضية المرأة هي أول ما يحارب به الإسلام، وإن عدم إنصاف المجتمع المسلم تجاه الكثير والكثير من مشاكل المرأة والأسرة والمجتمع أدى إلى خروج بعض النساء عن ربقة هذا الدين الذي لم ينصفهن، قالت ذلك بلسانها إحدى المسلمات في الغرب، التي رفض الشيخ تطليقها من زوجها الذي هجرها هجراً مطلقا منذ 3 سنوات، فقالت: إن هذا الدين الذي لم يستطع أن ينصف امرأة مهجورة محرومة من حقوقها الزوجية لثلاث سنوات، دون أن يعطيها حريتها، هو دين ليس دين عدل، وإن لم ينصفني فلا حاجة لي به.
إن تجديد الفقه الإسلامي بما يتعلق بأحكام المرأة والأسرة خصوصاً في الغرب، وإجراء مراجعة شاملة كاملة للذات، قبل أن تلتقط تناقضنا وظلمنا الكاميرات، هو ضرورة وجودية ملحة لنا كمسلمين.
وإن من يدعي أنه ثار على الظلم، فليثر على الظلم كل الظلم، ولا يترك منه شيئاً، وليقدم البدائل والحلول العادلة التي تحترم قوانين الدول التي يعيش فيها المسلمون – مع المطالبة بتعديلها إن لزم الأمر مراعاة لخصوصية المسلمين بعد أن يصبح للمسلمين وزن وتمثيل في السلطة التشريعية والتنفيذية – ولن يتحقق ذلك دون أن يقوى المجتمع المسلم ويواجه مشاكله الخاصة ويتوحد.
ولتكن تلك المراجعة الشجاعة مع الحفاظ على الثوابت باباً ومفتاحاً لمراجعة أحكام المرأة والأسرة في كل مكان، تعطى فيه المرأة الأولوية فهذه ساحتها وهذه حياتها ومشاعرها، أولاً قبل الرجل الذي ساحته الأكبر كل الحياة ليخوض غمارها.
ولعل ذلك يحمل للمسلمين والمسلمات خيراً كثيراً، فحصوننا تدكّ أولاً من داخلها، فإن ثبتت مجتمعاتنا وقويت أسرنا وأخذنا على يد الظالم ومنعناه عن الظلم وأنصفنا المظلوم وواسيناه ورفعنا المجتهد المخلص الصادق وأيدناه وقدمناه نموذجاً حياً صالحاً لأفكارنا النبيلة، سُدنا وانتصرنا، وانتصارنا يبدأ دوماً من التغيير.
(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، وإنها دعوة للتغيير والعالم كلها يرى، وليست هجوماً إلا على الظلم والفهم الخاطئ، ومطالبة ليعم العدل والخير للجميع.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.