عندما تكون العنصرية سلوكاً مجتمعياً فإن العقلاء في المجتمع يراهنون على التعليم والتوعية لمكافحتها والقضاء على آثارها، ولكن عندما تجد تأصيلاً دينياً أو وطنياً لها فذلك يعني أن المجتمع يواجه أزمة حقيقية يجب التوقف عندها.
تأصيل العنصرية في البلدان العربية صار ظاهرة تقض مضاجع كثير من المهتمين بالشأن الإنساني والديني، ولو استمر الحال على هذا المنوال، فإن هذه الأزمة ستكون بداية الهلاك أو الحالقة، كما سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فكم من حرب قُتل فيها مَن قتل بفتاوى سلطانية أو دعاوى قومية، وكم من هدر للأوقات والموارد مر من زمن الإنسانية بسبب حروب عنصرية تكشف سوء القلوب ولا تعكس روح الشعار المرفوع.
الفتوى الأخيرة التي شبهت عقود العمل في إحدى الدول العربية بالعبودية، وأن العلاقة بين العامل ورئيسه كما العلاقة بين الرقيق وسيده، تظهر الكثير من الخلل في ثقافة المجتمع، وتبرز بعضاً من رأس جبل الجليد، الذي يخفي تحته كثيراً من المسكوت عنه، وغالب أزماتنا تأتي من المسكوت عنه، كما قال فرانسيس دينق، المفكر الجنوب السوداني.
وما تخفيه كتب التراث أكثر من ذلك بكثير، وما تأصيل الكفاءة في الزواج رغم تناقضها الصريح مع حديث "من جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه" إلا ترجمة حقيقية لما تعانيه الأمة في تناقضها بين النص المقدس والعرف السقيم.
لا يدعي أحد أن العنصرية كمرض اجتماعي يمكن القضاء عليها بتاتاً، ولا حتى في الدولة المدنية الحديثة التي تتجلى أمثلتها في دول أوروبا وأميركا الشمالية، ولكن كما أسلفنا تكمن المشكلة في التأصيل لها، كما فعلت جماعة الـ"بي كي كي" المسيحية في أدبياتها الدينية التي أسست لوهم التميز العرقي كمبدأ ديني، وكما تورط بشكل أقل ثلة من فقهاء الشريعة السابقين والمعاصرين.
يرجح لدى المؤرخين أن من أسباب سقوط الدولة الأموية انتشار موجة العنصرية والتفرقة ضد كل الشعوب الأعجمية، والذي أدى لاحقا للانقلاب العباسي الذي كانت غالب جيوشه من الفرس والروم، ولم تسلم دولة بين أمية من الخراب رغم ميراثها الديني ودعمها لعلوم الشرع واهتمامها بالقرآن الكريم، فقد نسفت التفرقة العرقية الأساس الاجتماعي الذي تحفظ الدولة به نفسها من الانهيار.
وهتلر الذي جاء بالديمقراطية الحرة، دمر بلاده بحروب أخذت من زمن وموارد ألمانيا الكثير وسفكت دماء الألمان خارج حدود الوطن في حروب عبثية لم يكن دافعها سوى وهم التفوق العرقي تحت شعار الصليب المعقوف.
وعلى الرغم من وجود ممارسات هنا وهناك تعكس روح القبلية في المجتمعات العربية فإن الرهان يظل قائماً بإمكانية تقلصها في ظل انتشار وسائل التعليم والإعلام المفتوح، والخوف فقط ينصب على ظاهرة التأصيل الديني والقومي لمثل هذه الممارسات.
على الرغم من تكاثف النصوص بوحدانية الأصل البشري وتساوي الناس أمام الخالق، فإن تنزيل ذلك كثقافة اجتماعية يحتاج إلى الكثير من القوانين والتوعية والتعليم والوعظ لبناء مجتمع متمدن يرتقي بالأمة من ضيق التخلف إلى سعة الإنسانية.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.