عراق اليوم يتكرر فيه بعض أو كثير من الأخطاء والخطايا التي تصل إلى جرائم الإبادة والتمييز بين أبناء البلد الواحد، وهو نتيجة طبيعية لاستنساخ ذات الأخطاء والأفكار والتصرفات الفردية لبعض السياسيين الذين يعيشون بأكثر من وجه وموقف، ومتى ما توفرت لهم الفرصة أو المبرر انقضوا على بعضهم أو على أبناء بلدهم بشتى الذرائع والأسباب وفعلوا فيه ما لم يفعله الأجنبي والجار.
اليوم يمضي 100 يوم من الحصار والحظر الجوي غير القانوني والمخالف للدستور العراقي لعام 2005 والمنتهك لكل حقوق الإنسان الأساسية ومواثيق ومبادئ حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، هذا الحصار الظالم الذي بدأ يوم 29 سبتمبر/أيلول 2017 والذي يتحمل المواطن البسيط الموجود في الإقليم بغضّ النظر عن قوميته ودينه ومذهبه وجنسيته، فالجميع تضرر وعانى وما زال يعاني من الآثار الكبيرة والخطيرة للقرارات الجائرة التي اتخذها مجلس النواب العراقي، وقام بتنفيذها رئيس الوزراء العراقي الدكتور حيدر العبادي والذي نسي وتخلّى عن مسؤوليته باعتباره المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة حسب المادة (78) من الدستور، وهو يواصل -مع الأسف- سياسة المماطلة والوعود وفرض الشروط المختلفة التي تختلف مرة بعد أخرى في سبيل زيادة معاناة الناس والكسب السياسي على آلامهم وأمراضهم وحاجاتهم الإنسانية في حقهم بالسفر والتنقل، والاحتفال بالمناسبات والأعياد الدينية والقومية لمختلف مكونات الشعب العراقي.
كردستان وشعبها وقيادتها لن تخضع ولن تركع إلا لله، وهي قد جربت وعاشت الحصار الظالم مع عموم أبناء الشعب العراقي الذي فُرض في التسعينات، والذي كان حصاراً مزدوجا عليهاً، فقد منع النظام السابق دخول حبة الدواء وكيلو الرز والسكر وقنينة الزيت ولتر النفط للتدفئة، ومع كل تلك المعاناة والحاجة والثمن الإنساني الباهظ؛ لذلك الظلم كان شعبنا أقوى وظل مؤمناً بحقوقه ملتزماً بكل ما تفرضه عليه الشخصية الكردية القائمة على الاعتزاز بالنفس ورفض الخضوع لأحد.
ثمن حصار العراق الجديد الذي نص دستوره في الباب الثاني على الحقوق والحريات في (32) مادة دستورية من المادة (14) إلى المادة (46)، أي على حوالي 23% من مواده على حقوق الإنسان وحرياته ومنع جميع أنواع التعذيب النفسي والجسدي والمعاملة غير الإنسانية، ومنها المادة (44) التي أعطت للعراقي حرية التنقل والسفر داخل العراق وخارجه، ومنعت أبعاده أو حرمانه من العودة إلى الوطن، ومع ذلك يتم حظر الطيران من الإقليم إلى الخارج إلا بالمرور عبر بغداد بما يزيد الكلفة المالية والانتظار والشعور بالغضب من بلد يجبرك أن تكون جزءاً منه وهو يمنع عليك أبسط الحقوق.
إن قطاع السفر في الإقليم هو المتضرر الأكبر حيث توقفت أكثر من 7 آلاف شركة وبمعدل 4 عمال، أي أن هناك حوالي 30 ألف عائلة فقدت مواردها ومصدر رزقها إلى آلاف المهن البسيطة، مثل سائقي التاكسيات والفنادق والمطاعم والمقاهي، والذين يمثلون عجلة الاقتصاد، كذلك تضررت شركات النقل والأدوية الخاصة لبعض الأمراض، مثل: التلاسيميا والسرطان وأمراض الدم، والأدوية الخاصة بإجراء العمليات التي تتطلب نقلاً سريعاً وفق درجات وشروط خاصة بالخزن والتسليم والتوزيع، وارتفعت أعداد المتوفين خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
معاناة آلاف الجرحى البيشمركة الذين نزفت دماؤهم دفاعاً عن العراق وكردستان، وحرروا العديد من المدن العراقية بكل بسالة وشجاعة اعترف بها العالم أجمع، والمرضى بشكل عام يتحمل معاناتهم ومَن يموت منهم بسبب انقطاع علاجه أو تأخر دوائه أو إلغاء عملياته، الطرف الذي فرض الحصار من دون أي سند، وهو مستمر فيه بعناد وإصرار على الإيذاء وإلحاق أكبر الأضرار بالإقليم وشعبه، من خلال المماطلة والاستمرار في تجويع
الشعب؛ لزيادة غضب الشارع على حكومة الإقليم، وبالتالي محاولة إسقاط الحكومة ونشر الفوضى؛ كي يسهل على بغداد بسط سيطرتها على الإقليم وإنهاؤه، ومن المهم أن ترتفع الأصوات الشريفة عالياً من الكتاب والسياسيين والإعلاميين العراقيين ليفضحوا هذا الحصار، ويبينوا آثاره الخطيرة على المرضى والطلاب والعوائل ولمّ شملهم، واللاجئين والنازحين، بل وحتى الأجانب الذين تضرروا ويعانون من هذا الإجراء الظالم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.