كل ما أتمناه أن تصبح ثقافة الاختلاف جزءاً من مكونات بناء المتعلم، فكل ما نعانيه في حياتنا من خلافات ومشكلات أصلها اختلاف في وجهات النظر التي ما تلبس إلا أن تتحول من قوة بناءة إلى قوة هدامة، تأخذ طور الحقد والتباغض والتلاسن ونصب الشراك من أجل القضاء على الطرف الآخر، والإيقاع به، لا لشيء سوى أن يقول الطرف الأقوى عداوة: ألم أقل لكم إنني على صواب وهو على خطأ؟!
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ليس القوي بالصرعة، ولكن القوي مَن يملك نفسه عند الغضب"، والقوي دائماً هو مَن يسمح بالاختلاف معه، وليس ما يتبادر لعقول الناس بأن القوي هو مَن يفعل دون أن يُسأل، فجل ما يقول سينفذ دون تراخٍ، وكثير من الأمور تنفذ دون تراخٍ، ولكن في ظاهرها الرحمة ومن قِبلها العذاب.
فما يلبث التابع إلا ويعود لأسوأ مما كان عليه نكاية في آمِره، ولا عجب إن خرب ما بنى بنفسه!
هل الاختلاف حق؟
إنه لحق مثلما أنكم تنطقون، فمن لا يبدي اختلافه فعلاً أو قولاً سيكتمه بداخله، ويرافقه في صحوه ومنامه حبيس مخيلته، يود لو أنه يظهر ما يبطن، ولكن لا يجد لحظة الحرية المسؤولة التي يُعطَى فيها حقه دون قيد أو شرط أو أمر أو نهي، ألا ليت الكثير منا يدرك حق الاختلاف ويزرعه في أبنائه وطلابه، فثمرته كفيلة بأن تطرح النفع على العالم أجمع.
قد يبدو ما أقول مثالية لا تحدث إلا في جمهورية أفلاطون، ولكن ببساطة يمكن أن نرسل نظرنا عبر المتوسط لنجد دولاً قد أهلكتها الحرب، وجال بخاطر أهلها لو أنهم ماتوا مع مَن مات حتى لا يروا أوطانهم بهذه الصورة، واليوم نراهم مجتمعين في قطار واحد يقطع الدول التي كان فيما بينهم ما صنع الحداد، يرشفون القهوة السويسرية ويقرأون جريدة الغارديان البريطانية ويأكلون الجبنة الفرنسية، مستقلين القطار من العاصمة الألمانية، لو عدنا للوراء وقلنا لأحدهم سوف تتحول الأمور بينكم وتصلون لهذا الشأن، ماذا تتوقع أن يقول؟
ونفس السؤال أطرحه على كل مصري وعربي: هل تتوقع أن نصل إلى ما وصل إليه غيرنا؟
جوابي: لا..
كيف تقول لا بعد كل ما قلت؟
تقبل اختلافي معك حتى تصبح "لا.. نعم".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.