تحاول إيران ودول الخليج، التي أوشك الصراع بينها لفرض النفوذ على الشرق الأوسط على التحوُّل لمواجهةٍ مفتوحة، فتح صفحةٍ جديدة في علاقاتها، في ظل اتخاذ الولايات المتحدة موقفاً أشد عدائية ضد طهران.
ووصلت الخلافات المستمرة بينها منذ فترةٍ طويلة إلى ذروتها العام الماضي، 2016، حين أعدمت السعودية واحداً من أبرز رجال الدين الشيعيين، ثم رد المتظاهرون الإيرانيون الغاضبون بتحطيم نوافذ السفارة السعودية وإضرام النيران فيها. وهو ما دفع الرياض والمنامة إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران، في ظل مؤازرةٍ من جانبِ دول الخليج الأخرى للرياض، وفقاً لما جاء بصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية.
وفي الوقت الحالي، ومع أنَّ نبرة الخطاب العام بين إيران ودول الخليج لا تزال تعج بالتوتر، ظهرت بوادر تقارب مؤقت في لقاءاتٍ هامشية عُقدت مؤخراً بين مسؤولين إيرانيين وخليجيين، بما في ذلك زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى دولة الكويت وسلطنة عمان، والاتفاق الذي تم مؤخراً بين الرياض وطهران، والذي يسمح للإيرانيين بأداء مناسك الحج هذا العام بالاراضي المقدسة. وكان الإيرانيون قد مُنِعوا العام الماضي من أداء الحج بعد فشل المحادثات مع المسؤولين السعوديين.
وتحدث المحلل السياسي والدبلوماسي السعودي السابق المقيم بالرياض عبدالله الشمراني، عن اتفاق الحج قائلاً: "يُظهر هذا الاتفاق وجود بارقة أمل في أن تُصبح العلاقات الثنائية أكثر براغماتية (أي تعتمد على النفعية)، لقد حان الوقت كي يجلس مسؤولو الجانبين على طاولة المفاوضات للتحدث".
الإدارة الأميركية الجديدة
ووفقاً لبعض المُحللين والمسؤولين، فالسبب في سعي الجانبين لتحسين علاقاتهما يكمن في الإدارة الأميركية الجديدة، والتي اتخذت موقفاً أشد عدائية من سابقتها ضد طهران. وكان الرئيس دونالد ترامب ومُساعدوه قد تعهدوا باتخاذ سياساتٍ مُعاكسة لإدارة أوباما في العلاقات مع إيران، وقد لاقى هذا التغيير ترحيباً من الدول الخليجية الحليفة لأميركا منذ زمنٍ بعيد.
وقال إبراهيم فريحات، أستاذ النزاعات الدولية في معهد الدوحة للدراسات العليا بقطر: "في أثناء ولاية أوباما، لم تكن إيران تحت الضغط لبذل مساعٍ حقيقية لتحسين العلاقات مع دول الخليج، ولكن إيران أدركت أن الوضع قد تغيَّر الآن".
ويُعَدُ انخفاض أسعار النفط سبباً إضافياً يدفع الجانبين لحل خلافاتهما. ففي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تخلَّت السعودية عن مطلبها بأن تخفض إيران إنتاجها من النفط الخام، لتصل بذلك منظمة أوبك إلى اتفاقٍ يهدف إلى تقليص الإنتاج العالمي للنفط لدعم الأسعار، التي تصل حالياً إلى نحو 50 دولاراً للبرميل، أي نحو نصف ما كانت عليه منذ بضعة أعوام.
وقال سعيد لايلاز، الخبير الاقتصادي الإيراني، المحسوب على المعتدلين والمُقرَّب من الرئيس حسن روحاني: "يبدو أن نقص الأموال سيُجبر الجانبين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات والتحدث بعضهما مع بعض".
وبالإضافة إلى ذلك، عانت السعودية سلسلة من "الإخفاقات" في سياستها الخارجية؛ إذ تحاول الرياض انتشال نفسها من حربها في اليمن، تلك الحرب ذات التكاليف الباهظة والتي تورَّطت فيها لإيقاف ما شعرت بأنَّه تمددٌ للنفوذ الإيراني في دولةٍ مجاورة. وفي سوريا، سحقت قوات النظام بدعمٍ من إيران وروسيا، أواخر العام الماضي قوات المعارضة السورية التي كانت تدعمها السعودية في حلب، حسبما تقول الصحيفة الأميركية.
وقال أحد الدبلوماسيين الغربيين والمقيم بمنطقة الخليج: "لقد كانت حلب نقطة تحول؛ إذ انتهج السعوديون سلوكاً براغماتياً حينذاك، وكأنَّهم قالوا: لقد خسرنا، فلنحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه".
تراشق حاد
ولا يزال هناك تراشقٌ بالكلمات الحادة بين السعودية، وإيران. وكان وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، قد قال في مؤتمر ميونخ للأمن الشهر الماضي: "على مدى 35 عاماً ونحن نمدّ يد الصداقة للإيرانيين، وعلى مدى 35 عاماً كان المقابل الذي وجدناه منهم هو القتل والدمار، ولا يمكن لهذا الوضع أن يستمر".
وتتهم الرياض وبعض الحكومات الأخرى في منطقة الخليج، إيران باستغلال الأزمات الطائفية التي تشهدها المنطقة لبسط نفوذها السياسي على العالم العربي، ويقولون إنَّهم قلقون حيال الاختبار الذي أجرته إيران بإطلاق صاروخ باليستي.
وقال عبد العزيز العويشق، الأمين العام المساعد للشؤون السياسية في مجلس التعاون الخليجي، وهو الكيان الممثل لدول الخليج العربية: "تقول إيران، سراً وعلانيةً، إنَّها تريد فتح صفحةٍ جديدة، وتريد الجلوس على طاولة المفاوضات، وبينما تقول لنا ذلك، تُواصل أنشطتها العدائية".
وبدأ فيضان الأنشطة الدبلوماسية بين الجانبين في يناير/كانون الثاني الماضي، بزيارة وزير الخارجية الكويتي إلى طهران مُمثلاً لمجلس التعاون الخليجي. وكشرطٍ لتحسين العلاقات، طالب مجلس التعاون الخليجي، المجلس المُكوَّن من 6 دول، إيران بإنهاء تدخلاتها في المنطقة، بما في ذلك تسليح ودعم وكلائها الشيعيين، كما يصفهم مسؤولو بعض الدول العربية والغربية.
وبحسب مزاعم إيرانية، "فإنَّ بعض دول الخليج تقمع حقوق مواطنيها الشيعيين، وتشعل وقود التطرف من خلال دعمها جماعات المعارضة السُنية في سوريا".
ويُعَدُ اليمن واحداً من المناطق التي ستُجنَى فيها ثمار تحسين العلاقات بين الرياض وطهران؛ إذ تقود السعودية هناك تحالفاً عربياً، يحارب للقضاء على المتمردين الحوثيين، الذين يعتنقون فرعاً من الإسلام الشيعي، ويحظون بدعم إيران؛ وذلك بهدف الوصول إلى السُلطة وخلع الرئيس عبد ربه منصور هادي.
وفي إشارةٍ إلى تخفيف السعودية حدة مواقفها تجاه بعض حلفاء إيران، ذهب عادل الجُبير الشهر الماضي إلى العراق، في أول زيارةٍ يُجريها وزير خارجية سعودي منذ أكثر من عقدين إلى العراق، وهي دولة ذات أغلبية شيعية تحظى فيها إيران بنفوذٍ واسع.
وفي نوفمبر الماضي، دعمت الرياض اتفاقاً أوصل حليفاً مسيحياً لجماعة حزب الله السياسية المُسلَّحة، وهي أحد وكلاء إيران، إلى رئاسة لبنان، وهو الرئيس ميشال عون.
ورحَّب برويز إسماعيلي، نائب مدير مكتب الرئيس الإيراني للشؤون الإعلامية، في تغريدةٍ له بتويتر بهذا الانفتاح الدبلوماسي، وذلك في أثناء زيارة الرئيس الإيراني إلى الكويت وسلطنة عمان الشهر الماضي، مُحذِّراً في الوقت نفسه من احتمالية عدم استمراره.
وكان برويز قد كتب تغريدةً باللغة العربية، وهي لغة دول الخليج، بدلاً من لغته الفارسية الأصلية قائلاً فيها: "تمر الفرصة مثل السحابة، لذلك، يجب اغتنام الفرص السانحة".
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة Wall Street Journal الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.