ما زال العيد عندنا يشكل بُعداً استراتيجياً في المجتمع، حيث تظهر فيه المباهج والاحتفاء والزيارات وتبادل التهاني بين الأحباب والأقارب.
ولكن ما زال مجتمعنا بعدما أصابته نكبات الحروب وويلات الشتات والبُعد عن الأقارب والأحباب تجِدُ نفسَك مُحاطاً بكتلة كبيرة من السلبية والتشاؤم ويُكثر في وسائل التواصل الاجتماعي يَشعُرُ بالحزن والشوق والحنين والألم وهلم جراً.
كأننا نعيشُ في مستنقع من السلبية، أجل أنهكتنا الجراحات وعصرتنا الآلم لكن ما زال هناك فُسحة في هذه الحياة ولا يزال فيها متسع للهو والمرح والخروج من دائرة الأتراح، ولو في أيام العيد كي يكون العيدُ موسماً للأفراح.
وما زِلْتُ أذكر من مظاهر السلبية في مجتمعاتنا زيارة الأموات بدل الأحياء، وقد كنتُ أنزعج منها انزعاجاً شديداً ولم يحدثْ أني زرْتُ المقابر في العيد إلا مرة واحدة في حياتي وليتني لم أفعل العيدُ بدل أن تتجدد فيه الحياة يتجدد فيه الحديث عن الموتِ في أمةٍ كُثر مُصابُها وعمّ بلاؤها وكمْ أتمنى بدل أن نزور الأموات نندبهم ونبكي عليهم ونتأسف لفرآقهم؟
لو أسعفنا من هم بيننا من أحباب وأقارب نُدْخل السرور عليهم ونغرِسُ الأمل فيهم.
ولعل المظاهر لا تنتهي هنا عندما تذهبُ للصلاة في جامع حيّكم تسمع من القرآن في يومٍ أرى أنهُ محرمٌ نفسياً وشرعياً أن تتحدثَ فيه عن الموت وعذاب الآخرةِ والقبْر إذا بإمامنا المبارك لا ينتقي لنا إلا آيات العذاب وآيات الشقاء وآيات النار كأننا نُحضْرُ درساً في الترهيب وإذا بالخطيب يتحدّثُ عن جراحات الأمة التي ما ننفك نشاهد في كل لحظة على وسائل الإعلام؟
كم جميل أن ينتقي الإمام آيات الرحمة والمغفرة وحسن الظن بالله والخطيب ينتقي أحاديث الأمل بالله والفأل الحسن والأشعار الجميل، ويا حبذا قصيدة باعثة في الأمل كقول إيليا أبوما ضي:
قال السماء كئيبة! وتجهما قلت: ابتسم يكفي التجهم في السما!
قال: الصبا ولى! فقلت له: ابتــسم لن يرجع الأسف الصبا المتصرما!
قال: التي كانت سمائي في الهوى صارت لنفسي في الغــرام جهنمــا
خانت عــــهودي بعدما ملكـتها قلبـــي، فكيف أطيــق أن أتبســما!
قلـــت: ابتسم واطرب فلو قارنتها لقضيت عــــمرك كــله متألما
خذوا على أنفسكم في العيد أن تبتسموا وأن تتحدثوا عن الأمل وكونوا مُفْعمين بالإيجابية واجعلوا العيد مُنطلقاً لأهدافكم ومشاريعكم وخططكم المستقبلية.
خذوا على أنفسكم أن تُسعِدوا أزواجكم وأن تعيدوا أيام الحب والهيام والعشق والحنان بدل البكاء على الأطلال أو العويل على الأوطان.
خذوا على أنفسكم أن تُضِحكوا طفلاً وأن تسعدوا يتيماً وأن تغنوا أرملة عن السؤال.
خذوا على أنفسكم أن تلبسوا الجديد لأن العيد فعلاً لمن لبس الجديد وخاف يوم الوعيد؛ لأنه من تخافه في يوم الوعيد يريدُك أن تكون في حال جديد.
خذوا على أنفسكم بأن العيدَ قد عاد فعلى قدر مستطاعك أحسن الاستقبال وليسعد النطق إن لم يسعدْ… لأنه لا خيلٌ عندك تهديه ولا مال.
وأخيراً ليكن شعارك:
أعلِّلُ النفس بالآمالِ أرقُبُها
ما أضيقَ العيشَ لولا فسحةُ الأمَلِ
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.