لا تعالج سلوكيّاتك الخاطئة.. ولكن

في كل مرة تعزم على ترك الكذب أو الإسراف، أو السباب، أو الكسل، أو الإهمال، أو الغضب، أو اللامبالاة، أو البخل، أو حمّى التسوق، أو غير ذلك من الأمور، ابحث في داخلك عن الدافع أو السبب الذي يجعلك تفعلها وتتمسك بها أولاً، وعالج الدافع كي ينضبط السلوك.

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/08 الساعة 03:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/08 الساعة 03:34 بتوقيت غرينتش

استدعيت ذات مرة على عجلٍ للفصل بينه وبين زوجته بعد أن تكرر رفع صوتها عليه، وثورتها لأتفه الأسباب، وغضبها لأمور يرى أنها "عاديّة".

الغريب في الأمر أن هذه السيدة تُعرف بصوتها الخفيض، ورقتها الفطريّة، ولم يعرف عنها حِدّة الغضب، أو الخروج عن الشعور!

عند الحديث مع الزوج أخبرني أنها من أكثر الناس حلماً وصبراً، وأن صوتها لا يعلو إلا في تلك النوبات المجنونة.

الزوجة نفسها بدت في غاية الخجل من تطوّر الأمر، ولا تعرف أيضاً ما سبب ثورات الغضب المفاجئة.

اتفقت معهما أن يسجلا ما يسبق كل نوبة من تلك النوبات، وأن ينتظرا حدوث واقعة الغضب التالية؛ ليعرفا بدقة العامل المشترك خلف كلّ هذا.

بعد فترة من الوقت قابلتُ الزوج الذي بادرني ضاحكاً وهو يقول: "لن تصدق سبب نوبات غضب زوجتي – إنّه الجوع"، ثم استطرد شارحاً: "تتبعنا الأمر كما نصحت، فوجدنا أنها عندما تنشغل تنسى تناول الطعام، وعندما تجوع تخرج عن شعورها، وتفقد سيطرتها على أعصابها".

انتهت مشكلة هذا الصديق بمجرد معرفة الدافع المجهول خلف السلوك المعيب لزوجته، لكن يبقى المغزى من رواية الواقعة:
"يحدث الإخفاق في الإقلاع عن التصرفات الخاطئة عندما ننصرف إلى علاج السلوك لا الدافع الذي يحركه".

في كل مرة تعزم على ترك الكذب أو الإسراف، أو السباب، أو الكسل، أو الإهمال، أو الغضب، أو اللامبالاة، أو البخل، أو حمّى التسوق، أو غير ذلك من الأمور، ابحث في داخلك عن الدافع أو السبب الذي يجعلك تفعلها وتتمسك بها أولاً، وعالج الدافع كي ينضبط السلوك.

يقال إن حطاباً اشتكى إلى أحد الحكماء قلّة رزقه، فسأله الحكيم: "أين تحتطب؟"، فقال: "من أول الغابة"، فنصحه الحكيم أن يتعمق في داخل الغابة، فالأشجار هناك أكثر وفرة.

وهكذا الإنسان يحتاج أن يتعمق أيضاً في نفسه؛ ليتبصر الأسباب الخفيّة وراء سلوكياته، يقول ربنا عز وجل: (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ).

هذا التعمق يحتاج، بلا شك، إلى عدة أدوات، أهمّها "التأمل الصادق"، وأعني به قدرة الإنسان على النفاذ إلى بواطنه، ورصد مهيّجات الفعل لديه دون محاباة لذاته، في هذه الحالة سيعرف لماذا يغضب؟ ولماذا يسرق؟ ولماذا يتكبر على الآخرين؟ ولماذا يخشى الانفتاح على من حوله؟

إذا منحت نفسك عدة دقائق كل ليلة لتدوين التصرفات التي تعتقد بخطئها، وتساءلت عن المثيرات التي قادتك إليها ستصبح أكثر انتباهاً لها في المرّات القادمة، وأكثر تحكماً في حدتها، ومع مرور الوقت ستكون قادراً على إدارة دوافعك بشكل يحقق مصالحك لا يعارضها.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد