هل إجابة سؤال كيف نشأ الكون مفيدة حقاً؟

ألا تثير قصص الأصول عواطفك؟ مَن أنت؟ من أين أتيت؟ وكيف أتيت؟ ما علاقتك بباقي الكائنات الحية؟ ما علاقتك بباقي الكون؟ كيف نشأ هذا الكون المبهر وتلك الحياة الساحرة؟ أراهن أن هذه الأسئلة قد جعلت بعض مشاعرك تهتز الآن.

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/30 الساعة 01:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/30 الساعة 01:18 بتوقيت غرينتش

ينظر معظم الناس إلى محاولة السعي وراء إجابات لأسئلة علمية عميقة وكبيرة مثل كيف نشأ الكون؟ وصولاً لحالته الحالية وصورته التي عليها، وكيف تكونت المجرات والأنظمة الشمسية؟ وسؤال كيف بدأت الحياة على الأرض؟ على أنها مجرد محاولات لا فائدة منها، ونوع من أنواع التنطع الفكري.

بعض القائلين بهذا الرأي يرون أن لا فائدة إلا من الأشياء التي تُخرج تطبيقاً عملياً، بل بعضهم يحصر الفائدة على شيء يفيد في مجال احتياجات الإنسان الأساسية فقط من طعام وشراب وصحة.

البعض يرى أننا لا يمكننا أن نصل لإجابات لتلك الأسئلة بشكل يقيني أو حتى أن نصل لإجابات غير يقينية، فالأمر بالنسبة لهم مجرد لهو.

الأسوأ أن البعض يرى أن آراءه الدينية المتشددة تمنعه من البحث، والبعض قد تملكه حالة انهزام وجَلد للذات تجعله يحقر من العقل البشري وجهله لدرجة أنه لا يحق له التفكير أو السعي وراء بعض الإجابات.

هذه التدوينة ستجيب عن سؤال هل حقاً طرح هذه الأسئلة والسعي وراء إجابات علمية مفيد حقاً؟ ولماذا؟

شخصياً أرى أن الفائدة ليست مجرد فائدة مادية، الفائدة قد تكون معنوية أو فلسفية، فائدة وجودية.

ألا تثير قصص الأصول عواطفك؟ مَن أنت؟ من أين أتيت؟ وكيف أتيت؟ ما علاقتك بباقي الكائنات الحية؟ ما علاقتك بباقي الكون؟ كيف نشأ هذا الكون المبهر وتلك الحياة الساحرة؟ أراهن أن هذه الأسئلة قد جعلت بعض مشاعرك تهتز الآن.

يمكنني بكل ثقة أن أقول لك إن أي طفل في العالم سيكون متشوقاً لسماع قصة كيف جاء إلى العالم وكيف جاء العالم نفسه.

إنه شيء يميزنا حقاً عن بقية الكائنات الحية، حتى أقرب الرئيسيات شبهاً لنا، القدرة والجرأة على طرح تلك الأسئلة الوجودية.

شخصياً أشعر بكوني إنساناً عندما أطرح تلك الأسئلة، بل وأشعر بنشوة فكرية أيضاً، شعور يهز كل وجدان قلبي ويجعله يرتعش.

أظن أن كل شخص سيشعر بجزء من شعوري ونشوتي عندما يقدر ذاته ويفكر في معاني تلك الأسئلة.

البحث عن تلك الأسئلة يجعل للإنسان معنى لحياته، يبدد الملل والفراغ الوجداني.
في حياتي القصيرة التي لا تتعدى الثمانية عشر عاماً لم أجد شيئاً يعطي للحياة معنى مثل البحث عن إجابة تلك الأسئلة، دون ضرورة معرفة الإجابة بشكل نهائي.

لنتحدث الآن عن الفائدة العملية لعملية السعي وراء تلك الإجابات.

دفعنا الفضول ومجرد حب المعرفة والاستكشاف إلى البحث في ظروف متطرفة جداً عن إجابات لتلك الأسئلة، دفعنا هذا إلى البحث في أعماق البحار والمحيطات والبحث على سطح القمر، ربما أكثر ما أخذنا إلى ظروف غريبة وكلفنا الكثير من الجهد والأموال هو السعي وراء الإجابة على أسئلة الأصول والبدايات.

هل تتخيل كم كلفنا ذلك الفضول؟ كم كلفتنا وكالة الفضاء الأميركية NASA أو وكالة الفضاء الأوروبية ESA؟ كم كلفتنا مشاريع البحث العلمي في العالم كله؟

إذا نظرنا إلى مشروع "مصادم الهادرونات الكبير" "Large Hadron Collidor" والذي يعرف اختصاراً بـLHC فسنرى أنه من أضخم المشاريع الهندسية في العالم، ولن نبالغ إذا قلنا إنه أضخم مشروع علمي حتى الآن من حيث التكلفة؛ حيث وضعت له ميزانية تساوي 7.5 مليار دولار.

هذا المصادم هو أحد مشاريع الوكالة الأوروبية للطاقة النووية "CERN" وقد تم بدأ العمل فيه في عام 1998 وتم الانتهاء منه في 2008 بمشاركة أكثر من 100 دولة.
ما الفائدة التي سترجع على البشرية من ذلك؟

حسناً، بالإضافة إلى الإجابة على أسئلة كبيرة مثل: كيف كان الكون في بدايته؟ كيف تفاعلت قوى الطبيعة بعد الانفجار العظيم مباشرة؟ هل يمكن إيجاد نظرية توحد تلك القوى جميعاً؟ ما هي الوحدات الأساسية التي تكون الكون المادي وكيف تتفاعل؟ ما هي طبيعة الجاذبية؟ وكيف تكتسب المواد كتلتها؟!

يحمل كل سؤال من تلك الأسئلة معاني كثيرة على الصعيد العلمي والفكري، ربما إذا تمت كتابة تدوينة منفصلة لكل سؤال منها لن تكفي في توضيح جميع جوانبه.

لكن هل توجد فائدة "عملية" من هذا حقاً؟

الإجابة نعم، مصادم الهادرونات هو في الحقيقة مسرع جسيمات، حيث يقوم بتسريع جسيمات مثل البروتونات عن طريق حقول مغناطيسية قوية لسرعات تقترب من سرعة الضوء، ثم يقوم بصدمها في ظروف متطرفة من حيث درجات الحرارة والطاقة.

مسرعات الجسيمات ساعدت البشرية بالفعل، قم بزيارة أي مستشفي أورام ستجد أجهزة تعمل عن طريق تسريع الجسيمات من أجل تشخيص وعلاج الأورام، أيضاً أجهزة مثل جهاز الرنين المغناطيسي كلها نتيجة فضولنا من أجل معرفة أسرار الكون ومن أين أتينا.

في الواقع يسهم ذلك الشغف في معرفة الأصول في تطوير علم المواد وتطوير شبكات الحوسبة، في الواقع فإن شبكة الويب التي تقرأ من خلالها هذا المقال تم اختراعها من قبل تيم بيرنرز-لي عندما كان يعمل في CERN من أجل تبادل المعلومات الخاصة بالتجارب العلمية بين العلماء.

لنتحدث قليلاً عن أهمية استكشاف الفضاء في حياتنا اليومية، جهود وكالة ناسا في استكشاف الفضاء لا تساهم فقط في محاولة استعمار البشر للفضاء بسبب التناقص المستمر في موارد الأرض وحاجاتنا لموطن جديد، بل تمتد الفائدة لتشمل تحسينات في جميع مجالات الحياة اليومية تقريباً.

تساهم جهود وكالة ناسا لفهم الكون وبداياته وتحوله لحالته الحالية في تطوير أجهزة الرؤية الليلية بالأشعة تحت الحمراء، الأطراف الصناعية، اكتشاف طرق جديدة لتحلية المياه والاستفادة من الطاقة الشمسية، وتطوير الأنظمة الأمنية وتطوير علم المواد.

دعنا نناقش فكرة الفضول كفكرة عامة وفكرة معرفة الأصول فكرة فرعية ضمن أفكار أخرى، بالطبع العلماء فضوليون حول كيف تعمل الطبيعة وما هي القوانين التي تحكمها وما طبيعة تلك القوانين، تلك الأفكار بالطبع تؤدي إلى التساؤل بطريقة ما عن البدايات.

معظم التقنيات التي حولنا هي نتيجة الفضول المحض، الكهرباء مثلاً تم اكتشافها وتطوير قوانينها من أجل الفضول فقط، قبل أن يتم تحويلها على يد الهندسة إلى تطبيقات حياتية.

كذلك طبيعة الموجات الكهرومغناطيسية، وقوانين الوراثة، وميكانيكا الكم والنسبية قد ساهمت كلها في تقدم البشرية وتوفير الراحة والاحتياجات الأساسية لها (آخر اثنين يتم استخدامهما بشكل أساسي من أجل تفسير نشأة البدايات، ليس فقط بداية الكون بل أي محاولة لتفسير الحياة على الأرض يجب أن تراعي ميكانيكا الكم التي تعتبر ضرورية في فهم التفاعلات الرئيسية للحياة).

إذاً كما رأينا، حتى إذا قمت بإنكار المشاعر البشرية التي تتشوق إلى المعرفة بداخلك، وقمت بنفي طبيعتك الفضولية، فلن تستطيع أن تنفي أو تنكر أهمية البحث عن إجابات لتلك الأسئلة العميقة بشكل علمي.

في الواقع لا تستطيع أن تنفي أهمية الفضول العلمي عامةً في تغيير حياتك للأفضل.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد