تنطلق الخميس 23 فبراير/شباط 2017، فعاليات الافتتاح الكبير لـ"شادن"، المنتجع الصحراوي الفخم في المملكة العربية السعودية، حيث تُطل الخيام مُكيَّفَة الهواء على المنحدرات الرملية.
وبينما يستعد المنتجع لاستقبال وفدٍ من الأمراء في طريقه إليه، لا يزال منتجع "شادن" غير مستعدٍ تماماً، حسب تقرير لموقع بلومبرغ .
لم تصل بعدُ الطواويس المُخصَّصَة لحديقة الجناح الملكي، والذي تبلغ تكلفة الإقامة به 10 آلاف ريالٍ سعوديٍ في الليلة.
ولم تتوقف البقرة، التي جُلبت من أجل توفير الحليب الطازج للمقهى، عن الخوار طوال الليل.
"ليس بإمكاننا إسكاتها"، هكذا قال مُطوِّر المشروع، أحمد السعيد، في أثناء إعطائه الأوامر وسط ضربات المطارق وأصوات الجواريف.
ليست السعودية، بصفةٍ عامةٍ، جاهزةً لاستقبال السياح بعد. لكن هناك عزم على إحداث ثورةٍ في الاقتصاد، حسب التقرير.
وتأتي السياحة على رأس أولويات المملكة والتي بمقدورها توفير وظائفٍ للشباب، وتحقيق أرباحٍ تُقَلِّلُ الاعتماد على النفط، والمساعدة في الانفتاح على العالم. وهو ما يُمكن تحقيقه، لو تمكنوا من إقناع السياح بالقدوم.
18 مليون زائر
من المؤكد أن البلاد تجذب الكثير من المُسافرين الأجانب -نحو 18 مليون زائر في عام 2016، وهو أعلى رقم في العالم العربي- لكن مُعظمهم من الحجاج الذين يزورون مكة المكرمة.
ولا وجود تقريباً للسياحة العادية في البلاد. وهناك الكثير من العقبات التي تجعل من الصعب تَخَيُّل السعودية مليئةً بالسائحين، مثلما هو من الصعب تَخَيُّل السعودية التي لا تعتمد على النفط، حسب وصف التقرير.
لا تمنح المملكة العربية السعودية حتى التأشيرات السياحية، ويُعد منع الخمور، وقوانين الملابس الصارمة، والقيود على الاختلاط بين الجنسين، بمثابة إشارات حمراء للكثير من السياح الذين يفضِّلون زيارة شواطئ دبي أو أهرام مصر، وفقاً لبلومبرغ.
هذا علاوة على الدور المحافظ الذي تلعبه هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ما يدفع الكثير من السعوديين أنفسهم لقضاء الإجازة في دبي، حيث يُمكنهم ارتداء الملابس التي يُفضِّلونها، والذهاب إلى النوادي الليلية ودور السينما.
"هناك طلب"
ويقول مدير المنتجات في شركة ستيبس ترافل السياحية البريطانية، جارود كايت، إن الشركة تقوم بتقديم أول جولةٍ سياحيةٍ لها في السعودية العام المُقبل (2018).
وتُكَلِّف الرحلة 6 آلاف دولارٍ أميركيٍ للفرد، وكان ترتيبها صعباً؛ نظراً لأنها استدعت الحصول على تأشيرات زيارة.
لكن كايت يقول إنها تجربةٌ لا تُقَاوم بالنسبة للمسافرين المُخضرَمين الذين يرغبون في زيارةِ دولةٍ غير اعتياديةٍ أخرى على قائمة أمنياتهم. ويتمنى تكرار التجربة في المستقبل، فيقول: "أصبح من الواضح جداً وجود طلب متزايدٍ على البلاد".
هذا ما تسعى الحكومة السعودية للاستفادة منه. خُطة ما بعد النفط، والتي تُعرف بـ"رؤية السعودية 2030″، وتشمل حوافز لتشجيع صناعة الترفيه، وتطوير الشواطئ، والمناطق الأثرية التاريخية؛ مثل منطقة "العلا"، التي شُيِّدَ منتجع شادن داخلها.
وتقع مدائن صالح الأثرية، التي يبلغ عمرها 2000 عام، على مقربة من المنتجع، وهي من نفس آثار الحضارة القديمة التي بنت مدينة البتراء الأكثر شهرةً في الأردن.
وتقع مهام قيادة الحملة السياحية على عاتق الأمير سلطان بن سلمان آل سعود، رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني وابن الملك.
وصرَّح الأمير سلطان بأن المملكة بدأت تُدرك أهمية الأفكار التي بدأ الترويج لها منذ سنوات.
وخلال لقاءٍ إعلاميٍ في الرياض، قال الأمير سلطان: "لقد تم استثمار الكثير من الأموال، ليس في المواقع السياحية كما نرغب، لكن في البنية التحتية المُساعِدة؛ مثل المطارات والطرق وغيرها".
ونفى الأمير المخاوف التي تدَّعي أن انفتاح المملكة المُحافِظَة على الأجانب سيُسبب المشاكل.
وأضاف: "يقول البعض إن البيئة الاجتماعية غير مُلائِمة. وأنا أقول لهم إن البيئة الاجتماعية ستسير على خُطى البلاد. وهذا ما يحدث اليوم".
مهد الإسلام
وذَكَرَ الأمير سلطان قائمةً من المتاحف التي ستُفتَتَح قريباً، ومتاحف أخرى يُخطط للبدء في تشييدها. وأضاف أنهم سيتيحون للمسلمين التَعَرُّف على الإسلام في المكان الذي وُلِدَ فيه دينهم.
وقد يساعد البُعد الديني لهذه الخطط في الحصول على دعم رجال الدين الأقوياء بالمملكة العربية السعودية، الذين عادةً ما يُعارضون التغيير.
يجري الآن الاستثمار في التراث الثقافي أيضاً؛ إذ خصصت الحكومة مبلغ 5 مليارات ريالٍ سعوديٍ (1.3 مليار دولار أميركي) لهذا المجال.
كما تُشجِّع الحكومة إنفاق القطاع الخاص بواسطة شركات مثل "الجزيرة سفاري" ومقرها جدة، والتي تقوم ببناء منتجع شادن، في مشروعٍ تكلفته 100 مليون ريالٍ سعودي.
ويتطلع بعض السعوديين الذين يعيشون هناك إلى الفُرص المُرتقبة؛ إذ يُخطط المُزارِع أحمد المسعود لتحويل بساتين البرتقال التي يمتلكها إلى منتجعٍ لتعليم السائحين وتثقيفهم في فنون الزراعة التقليدية. ويقوم رجل الأعمال فراس الحربي باستيراد الهدايا التذكارية من الصين.
الجميع في انتظار شيءٍ واحد: السُيَّاح. ومؤخراً، قامت بيرجيت ميتشيل (57 عاماً) باستغلال المكان وحدها تقريباً. وتعمل بيرجيت مُدَرِّسة أميركية، وتعيش في المملكة، استقلت الباص إلى هناك وهي تعزف على القيثارة للنساء السعوديات في الاستراحات على طول الطريق. بدأت بيرجيت تتقافز بين المقابر المنحوتة وهي سعيدة بقدرتها على التجول بحرية.
مُعظم زُوَّار المكان من المُقيمين في السعودية، مثل بيرجيت، أو مُواطنين من دول الخليج العربي الذين لا يحتاجون لتأشيرات. ولم تُفصح الحكومة بعد عن موعد بدء إصدار التأشيرات السياحية.
الدجاجة والبيضة
ويرى أحمد الفاضل، مالك أحد المنتجعات القريبة، مُعضلة الدجاجة والبيضة في خُطط الحكومة؛ إذ يقول: "لا يرغب المُستثمرون في المجيء؛ لأن السياح لم يصلوا بعد، ولا يرغب السياح في المجيء؛ لأن الخدمات غير متوافرةٍ بعد".
وتسببت اضطرابات الشرق الأوسط في إبعاد السياح، حتى عندما يتعلق الأمر بالوجهات السياحية الشهيرة مثل مصر.
والسعودية ليست بمنأى عن هذا الأمر، على الرغم من كونها أكثر استقراراً من جيرانها. ففي عام 2007، تعرض 4 فرنسيين عائدين من مدائن صالح للقتل على يد مُسلحين.
وهذا هو السبب الذي دفع المُدَرِّس المحليّ أحمد الإمام، الذي يعمل مرشداً سياحيٍاً بدوامٍ جزئي، لعدم التفكير في ترك وظيفته الأساسية، حتى لو رُفِعَت القيود المفروضة عن التأشيرات وبدأ الزوار في التوافد بكثرة.
وقال أحمد: "تَخَيَّل لو تركت وظيفة التدريس، وفي ليلةٍ ما قام شخصٌ مجنون بتَصَرُّفٍ طائش. ستتوقف السياحة".
ليلة الأفلام
وفي يوم افتتاح المنتجع الجديد، أُعِدَّ برنامجٌ لعرض الأفلام السعودية في العلا، باستخدام جهاز بروجكتور تظهر صورته على الجُرف، لعدم وجود دور عرضٍ سينمائيٍ في المملكة!
وظهر بعض التَذَمُّر قُبيل هذا العرض إزاء المخاوف من الآثار المُفسِدَة التي يُمكن أن يتسبب فيها. وفي أثناء العرض، اجتمع الرجال والنساء في سياراتهم للمشاهدة، بينما قام الباعة بتقديم الشاي تحت أضواء النجوم.
ويقول المُحلل في شركة كونترول ريسكس بدُبي، غراهام غريفيث: "تمتلك البلاد موارد طبيعيةً جميلةً للسياحة". لكن الانفتاح على العالم هو الذي يتيح الفرصة للحصول على عوائد الاستثمار في المجال السياحي.
– هذا الموضوع مترجم عن وكالة Bloomberg الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.