الإرهاب المضاد لإرهاب داعش

لربما كانوا يستطيعون إنقاذ "دنيا" لو أنهم وصلوا إليها مبكراً، طفلاها استطاعا الخروج من فتحة صغيرة تسربت منها أشعة الشمس، فأقضّت نومهما القسري، "أمير وأخوه" الأصغر

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/30 الساعة 04:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/30 الساعة 04:10 بتوقيت غرينتش

لربما كانوا يستطيعون إنقاذ "دنيا" لو أنهم وصلوا إليها مبكراً، طفلاها استطاعا الخروج من فتحة صغيرة تسربت منها أشعة الشمس، فأقضّت نومهما القسري، "أمير وأخوه" الأصغر، أغمي عليهما عدة ساعات من شدة الهول الذي طال منزلهما، إلا أن جداراً سميكاً حال دون مقتلهما ودون وصولهما إلى أبويهما..

وبعد أن خرجا من فتحة من بين الركام، ووصلا إلى بيت أحد الأقرباء، حاولا ملياً أن يجدا طريقة لإنقاذ والديهما. كانت القوات الأمنية ترفض التوغل إلى منزل "أمير"؛ بسبب وجود عناصر من داعش بالقرب منه. بقيت دنيا وزوجها وبعض آخر من العائلة 11 يوماً تحت الأنقاض، وأخيراً، والحمد لله، استطاعوا أن يجدوا لهم قبراً بالقرب من منزلهم.

لا شيء يمكن أن يصف حال الموصل، ولا يزال دخان المعارك في أيمنها يحجب كثيراً من الجرائم التي تحدث على أرضها الحمراء، إلا أن بعضاً منها بدأ يتكشف رغماً عن إرادة القوات الفاعلة على الأرض، والتي تبتغي إخفاءها لأسباب غير معلنة.

أبشع تلك المجازر، كانت في الموصل الجديدة والتي ذهب ضحيتها 532 قتيلاً، بينهم ما لا يقل عن 200 طفل. هذه المجزرة ترقى لأن تكون جريمة حرب، وتقوم لأجلها الأرض، كل الأرض، ولا تقعد، أُريد إخفاؤها والتكتم عليها، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، ولولا بعض الأصوات التي نطقت من تلكم البقعة المفجوعة، لما درى عنها العالم شيئاً ولا عرف.

الأحياء السكنية في أيمن الموصل تتعرض لقصف عشوائي على مدار الساعة، تشارك فيه إلى جانب الجيش العراقي والحشد الشعبي، المدفعيتان الأميركية والفرنسية، فضلاً عن غارات طيران الجو العراقي والتحالف الدولي.

تنطلق القذائف من محيط الموصل باتجاه قلبها، متجنِّبة الاشتباك المباشر، من مدافع بدائية وغير ذكية، شديدة التدمير وبكثافة مبالغ فيها، فتسقط على البيوت المأهولة بشكل عشوائي وتخلف إثر ذلك مجازر بشعة للغاية، بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

ويضاف إلى هذه القذائف العشوائية، قصف جوي يتخذ من وجود مجرم واحد من مجرمي داعش ذريعةً ومسوِّغاً لفتح الحمم الجهنمية ودكّ المنطقة دكّاً، فيُطمر تحت المنازل، المدنيون المختبئون في "السراديب".

وعلى هذا النحو، قُتل "سعد يونس" (حارس مرمى نادي الفتوة) في 28 مارس/آذار؛ إذ سقطت قذيفة مدفعية عشوائية على بيته في حي الرفاعي، فخلفته دماراً وأردته قتيلاً في محله.

وعلى هذا النحو كذلك يوجد تحت الركام، وممن طمروا نتيجة القذائف الغبية والذكية، ما يزيد على 2000 مواطن. كما تعجز فرق الإنقاذ من الوصول إليهم، على الرغم من وقوع القصف منذ أكثر من 10 أيام، (بحسب نائب رئيس الجمهورية العراقي، أسامة النجيفي).

ويضيف النجيفي أن استخدام القوة المفرطة بالقصف المدفعي والجوي يعود إلى تغيير في قواعد الاشتباك الذي تقوده قوات التحالف، وهذا هو سبب وقوع الضحايا على هذا النحو.
أما رئيس مجلس قضاء الموصل بسمة بسيم، فقالت إن ما يحدث في الموصل من قصف عشوائي، يكاد يكون مقصوداً وانتقاماً من المدينة.

ويذهب بعضهم إلى تفسير القتل الحاصل على هذا النحو تحديداً، بأنه أكثر من مجرد خطأ وأكبر من كونه محض صدفة؛ بل هو معاقبة بأثر رجعي.

وعلى الرغم من التحذيرات والمناشدات التي قدمت إلى القائد العام للقوات المسلحة والقوات الفاعلة على الأرض، فإن عمليات القصف العشوائي لا تزال مستمرة وبكثافة حتى لحظة كتابة هذه السطور، ولا تزال آلة الموت (القذائف والصواريخ) تحصد أرواح المدنيين المسالمين.

مَثَلُ ما حدث بالموصل في الأيام الماضية، يكاد يتكرر كل ساعة، لكن من دون معرفة الإعلام، ذلك أن التحالف الدولي والقوات العراقية لم يقدموا أية ضمانات بعدم تكرارها، ويبقى التخوف مستمراً على الكتلة البشرية العملاقة التي لا تزال ترزح تحت ظلم داعش ونيران القصف العشوائي.

ملاحظة..

دنيا: توفيت بقصف جوي نفذته طائرات حربية مقاتلة.
سعد يونس: توفي بقذائف مدفعية قدمت إليه من محيط الموصل.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد