نساء العراق بين فكَّي “داعش” والحروب

الحرب ذكورية مفرطة في بدايتها ونهايتها وفي الـ"ما بين"، وهذا ما يهمنا الآن الـ"ما بين"؛ لأن تاريخ نساء هذا البلد سيكتب في هذه المساحة بين الحرب والسلام، فلا يكفي أن تترك الحرب القديمة آثارها علينا، بل حروب جديدة هي التي ستجعلنا نختبر كل ما هو جديد

عربي بوست
تم النشر: 2016/09/26 الساعة 03:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/09/26 الساعة 03:00 بتوقيت غرينتش

لم يعد الخوف مجدياً على نساء العراق، هن أكبر خاسر في جميع هذه المعارك، نساء الحروب، جدات كل الأجيال ونحن الآن شهود عيان على كل الصراعات الذكورية الغبية، وقود للعنف والرغبات والشهوات، أرجلهن تتخبط بين عتبة الباب والطرق الخارجية ومداخل المدن، أيديهن تعيل وتربت على ذلك الألم على أطفال لا تعرف كيف تبني أمهاتهم مستقبلهم الآمن، نساء خانتهن حياتهن فخانهن الفرح، واشترين الوطن.

ما عاصرته منذ ولادتي كامرأة هو مشاهدة لسيناريو كيف تعيش امرأة في زمن الحرب، كيف يمكن أن تضمن لها النجاة؟ وكيف توفر لنفسها ولأطفالها رغيف الخبز؟ وجاء المشهد طويلاً جداً يحتاج إلى أكثر من لقطة لتصويره، ونحتاج ربما إلى مائة كلاكيت لبدء التسجيل؛ لأن الحرب لم تستنزف مستقبل النساء هنا، بل استنزفت تاريخاً طويلاً مقروناً بتاريخ الحرب لهذا البلد.

الحرب إذا أردنا تعريفها على صعيد الذات قلنا هي حالة استنزاف تعصف بالذات ترفع من عنصر القلق إلى أعلى درجاته، فتتخبط الذات لمحاولة البقاء إلى أكبر قدر ممكن من الزمن، فما حال قلق النساء إذن؟ وكيف أخذهن قلقهن إلى محطات مختلفة ضمنت عن طريقها المرأة الوجود. وهذا ما جعل إحداهن تبيع الألعاب بين السيارات وجعل من الأخرى عاهرة ومن ثالثة خبازة أو موظفة وعاملة، لا عيب في العمل، لكن العيب على العمل الذي أتعب جمالكن المرهف، العيب على وطن أرهق أناملكن وأحنى ظهركن المصقول، العيب على حرب لا تعرف تفرق بين ملائكة الأرض وملائكة السماء، فخلطت الأوراق وأحرقت أجنحتكن.

مع دخول "داعش" إلى أرضنا انتابني الرعب على نسائنا؛ لأن أول ما تفكر به امرأة عراقية هو أولادها، وكيف سيكفي حضنها للملمة كل هذه الأجساد؟ وكيف سيمنع أكبرهم من فهم الأمور بشكل خطأ أو يمنع أصغرهم من شرب حليبه بسلام؟ ذلك الخوف منذ أن اجتاحها ومنذ أن اختبرت الموت وغياب السند، عرفت أن أول ما يجب أن تفعله هو أن تنسى ذاتها؛ لأن نجات فلذات أكبادها في نجاتها، وفي محاولة للمزاح قالت لي إحداهن: "ابني وأعيده إلى بطني لكن زوجي ماذا سأفعل به؟"، فماذا هي فاعلة الآن على حدود الأوطان يا ترى؟

الحرب ذكورية مفرطة في بدايتها ونهايتها وفي الـ"ما بين"، وهذا ما يهمنا الآن الـ"ما بين"؛ لأن تاريخ نساء هذا البلد سيكتب في هذه المساحة بين الحرب والسلام، فلا يكفي أن تترك الحرب القديمة آثارها علينا، بل حروب جديدة هي التي ستجعلنا نختبر كل ما هو جديد، ربما نكاح داعشي شرعي أو سبي إسلامي، ربما مجاهدات بالغصب أو هاربات أو إرهابيات، فالمادة الأولى لاستمرار ما يجري هن هؤلاء النسوة، رصيد لاستمرار الشغف والطاقة من جهة، رصيد دعم أيديولوجي للفكرة الإسلامية الديمقراطية أو الديكتاتورية من جهة أخرى.

ورغم نضال الكثير من النساء اليوم لصد هجمات هذا الاستخدام السيئ لهن من خلال ربما مشاركتهن في الحرب، والدفاع عن أوطانهن، فيبقى الكثير منهن تحت وطأة الظلم والوهم وقلة الوعي، فيستدرجن إلى هوة الإرهاب، تحت مسميات مختلفة وأيديولوجيات عدة وأسباب تكاد لا تحصى تصب جميعها في ذكورية الحرب التي لا تكون المرأة غير نتيجة لها.

كيف يمكن إنقاذ المرأة من نمط الحياة هذا؟ وكيف يمكن إخراجها من هذا المأزق؟ الجواب والحل يستدعي ألف سؤال آخر عن بيئتها السياسية والاجتماعية وكيفية وصولها إلى هذا المكان؟

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد