يومٌ في جيهانغير

"جيهانغير" هو الابن السادس للسلطان سليمان القانوني، الذي توفي وعمره 22 عاماً بعد معاناة طويلة مع المرض؛ إذ كان أحدب منذ ولادته، وبعد وفاته طَلب السلطان سليمان من المعماري الشهير "سنان آغا" بناء جامعٍ يحمل اسم ابنه تخليداً لذكراه في الحيّ الذي كان يقصده في صغره ليلعبَ فيه، ومنه أُخذ اسم الحيّ بأكمله

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/05 الساعة 06:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/05 الساعة 06:44 بتوقيت غرينتش

يقولون في إسطنبول إنْ كنتَ تريد أنْ تشعر وكأنكَ في باريس، فاذهب إلى جيهانغير.

على بُعد خطوات قليلة من ميدان تقسيم المزدحم، يقع الحيّ الإسطنبولي الذي يشبّهونه بشوارع باريس وبروكلين، نظراً لطابعه الغربيّ وطرازه المختلف.

"جيهانغير" هو الابن السادس للسلطان سليمان القانوني، الذي توفي وعمره 22 عاماً بعد معاناة طويلة مع المرض؛ إذ كان أحدب منذ ولادته، وبعد وفاته طَلب السلطان سليمان من المعماري الشهير "سنان آغا" بناء جامعٍ يحمل اسم ابنه تخليداً لذكراه في الحيّ الذي كان يقصده في صغره ليلعبَ فيه، ومنه أُخذ اسم الحيّ بأكمله.

بُني الجامع عام 1559 وتعرّض لحريقٍ كبير أدى لتهالكه وتجديده بالشكل الذي هو عليه الآن عام 1889. جامع صغير جداً، لكنه فيه من السحر ما فيه، ويمكنك التمتع من خلال الجلوس على الكرسيّ في حديقته بمنظر مؤنسٍ وهادئ للبسفور والمدينة العريقة، خاصة "أُسكدار" الحبيبة وجزءاً آخر من الجانب الآسيوي.

ولو جئنا للمعنى اللغوي للحيّ ولاسم الأمير، فيقول إنه يعني "الشخص الذي يستولي على الجزء الرئيسي من العالم"، لا أدري ما مدى صحة المعنى من عدمها، لكن أجدُني أبتسم وأنا أخبر من آخذهم للحيّ عن المعنى، ويُعجبني ذلك

يمتلئ الحي بالكثير من الممرات الضيقة التي تحوي مباني قديمة، معظمها لم يتمّ تجديدها، ولم تمسسها يد إنسان، يرجع عمرها إلى القرن التاسع عشر، وتحمل طابعاً أوروبياً يمكن ملاحظته بكل سهولة، ما يضفي جواً خاصاً يختلف كلياً عن إسطنبول العثمانية القديمة.

ومن المعروف أنّ الحيّ يُعتبر موطناً لكثير من الفنانين والمثقفين والكتاب والأدباء والممثلين والموسيقيين على حد سواء، من الأتراك أو الأجانب الوافدين إلى إسطنبول، ففيه يقع منزل الأديب التركي الشهير "أورهان باموق"، إلى جانب متحف يحمل اسم روايته "متحف البراءة"، والذي يعرض ما استخدمه أو لبسه -وما إلى ذلك- أبطال الرواية.

الطريقة المُثلى لاستكشاف جيهانغير هي التجول بشكلٍ عشوائيّ فيه، فلا تحتاج لخطة سيرٍ أو جدول، اجعل قدميك تقودانك حيثما تريدان دونما تفكير، لكن هيّئ نفسك للكثير من الشوارع العمودية والسلالم الطويلة، فالحيّ أصلاً يقع على تلّةٍ صغيرة تطلّ على مضيق البسفور، ما يمنح العينَ منظراً خلاباً، إضافةً لما يوجد في الحيّ نفسه، خاصة من خلال الأزقة الضيقة المُرسَلة للأسفل، وكأنها تسير تجاه البسفور وبريق مياهه الزرقاء.
ولعلّ أهمّ ما قد يثير اهتمامك في الحيّ هو محلات ودكاكين الأنتيكا المنتشرة على جوانب الأزقة والشوارع، ففي جيهانغير زقاقٌ يُعرف باسم "شكر جمعة çukurcumaa"، يحتوي على أكثر من 150 محل "أنتيكا"، تعود محتوياتها المتنوعة والمتعددة لأزمان عدة، ما يمنح زائرها جولة فريدة من نوعها في الزمن الغابر.

بالنسبةِ لي، لو طُلب مني أن أعطي نصيحة أولى لمن يأتي إسطنبول بعد زيارته للأماكن التاريخية الشهيرة، فستكون جملة واحدة فقط: "اجعل وجهتك نحو جيهانغير وأزقتها". فمهما كان اهتمامكَ من السياحة والسفر، فحتماً ستجد ما يشدّك ويعجبك في جيهانغير، حتى لو مررتَ عليه سريعاً؛ لتحتسيَ كوباً من الشاي أو فنجاناً من القهوة فقط.

في حال قررتَ أن تبدأ يومك منذ الصباح الباكر في الحيّ، فلا خيار أفضل من "بيت فان للفطور" أو "Van Kahvalti Evi"، المطعم الذي يقدّم فطوره القادم من مدينة فان الكردية شرقَ تركيا على حدودها مع إيران. جميع ما قد يوضع على الطاولة أمامك قادمٌ من فان، بدءاً من الجبن والعسل والقشطة، أو دبس العنب مع الطحينة، وغيرها الكثير الكثير، بالإضافة إلى عددٍ لا نهائيّ من أكواب الشاي .

ثمّ عرّج في طريقك على جاكلين أبلة، السيدة البلجيكية التي تتحدث التركية بلكنتها الفرنسية، وتذوّق أطيب وألذ cookies قد تتذوقه في كل حياتك، والذي تصنعه بمساعدة ابنها.

تلميح 1: للوصول للحيّ يمكنك الذهاب لمنطقة تقسيم والمشي عشر دقائق أو أكثر قليلاً باتجاهه. أو النزول في محطة "فندكلي Fındıklı" في الترام واي، وصعود أحد السلالم الملونة باتجاه الحيّ، إنْ كنتَ متأكداً من أنّ السلالم لا تتعبك، فأنصحك بالخيار الثاني أكثر.

تلميح 2: هناكَ عدة مقاهٍ لطيفة في الحي يمكنكَ أن تقصدها، مثل Susam, Kahvedan, Meyra, and Smyrna، أو يمكنكَ أن تبحثَ عن ما يلائمك على تطبيق "فورسكوير".

تلميح 3: في حال تواجدكَ في الحي وقتَ الغداء أو العشاء، فمطعم "فيروز Firuz" سيكون خياراً لطيفاً لذلك.

تلميح 4: على بُعد دقائق قليلة من الحيّ، ونزولاً باتجاه البسفور، يقع متحف الفن الحديث "Istanbul Museum of Modern Art"، فإذا كنت من عشاق الفنّ والمهتمين به لا بأس بجولةٍ لطيفة بين جدرانه.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد