رمضان بين تجليات النصر والوهن

فأي نصر نرجو ونحن لسنا في حرب؟ وهل هناك أعداء للعالم الإسلامي بالفعل تدعو للحرب؟ أم أن العالم الإسلامي قد خلا من المشاكل ويعيش في سلام وأمان لم يسبق له نظير؟ وهل نحن أضعف بالفعل من حيث الإمكانيات العسكرية والبشرية مقارنة بالماضي؟

عربي بوست
تم النشر: 2016/06/20 الساعة 04:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/06/20 الساعة 04:09 بتوقيت غرينتش

في رمضان من كل عام، تجهش الأمة الإسلامية عن بكرة أبيها بالدعاء والبكاء تمنياً للنصر على أعدائها وما تكاد تفرغ صلاة من الدعوة على الظالمين أعداء الدين، وخلال الشهر الكريم، تتجلى روحانيات النصر وتهيم العقول تأملاً في معارك وانتصارات إسلامية خالدة لتجدد الأمل في النفوس وتبعث الروح من جديد في جسد الأمة الإسلامية الواهن.

ففي رمضان، كانت بدر الكبرى تفريقاً بين الحق والباطل بعصبة قليلة من المسلمين في السنة الثانية من الهجرة، وكان فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة ميلاداً لعصر جديد من عصور البشرية الزاهرة، وفي رمضان، كانت معركة القادسية رمزاً للوحدة واجتماع كلمة المسلمين في وجه عدوهم في السنة السادسة عشرة من الهجرة، وكان فتح الأندلس منارة لأوروبا في عصورها المظلمة في عام 92 من الهجرة، وفي رمضان، ارتفع صوت الأذان في مآذن القدس برايات صلاح الدين في حطين في عام 584 من الهجرة، وتهللت صيحات التكبير في العاشر من رمضان بمصر في عام 1393 هجرية.

لكن من الماضي إلى الحاضر فرق شاسع، فمنذ قرون عديدة، لم يخُض العالم الإسلامي حروباً كبيرة بالمعنى المعروف، باستثناء حرب العاشر من رمضان لعام 1393 هجرية بمصر، وما دونها كانت معارك صغيرة تهدف إلى التحرر من السيطرة الاستعمارية التي اجتاحت العالم الإسلامي، فأي نصر نرجو ونحن لسنا في حرب؟ وهل هناك أعداء للعالم الإسلامي بالفعل تدعو للحرب؟ أم أن العالم الإسلامي قد خلا من المشاكل ويعيش في سلام وأمان لم يسبق له نظير؟ وهل نحن أضعف بالفعل من حيث الإمكانيات العسكرية والبشرية مقارنة بالماضي؟

ربما نظرة ثاقبة على العالم الإسلامي تميط اللثام عن الكثير من الإجابات، فعلى مدار القرون القليلة الماضية، كان العالم الإسلامي الأكثر استهدافاً في الصراعات الإقليمية والدينية والسياسية، وما قدمه المسلمون خلال تلك الفترة من ضحايا يعد الأكبر في تاريخهم، ولا تزال القضية الفلسطينية خير شاهد على التضحيات التي تقدمها الشعوب الإسلامية دون ثمن يذكر، وفي آسيا وإفريقيا، تتصدر الشعوب الإسلامية قوائم الشعوب الأكثر عرضة للقهر والقتل بين شعوب العالم، وخير دليل على ذلك ما يحدث من اضطهاد لمسلمي بورما.

ولا تزال العديد من الأقليات المسلمة في أوروبا تعاني من الكراهية والظلم، ليس لشيء سوى أنها إسلامية، أوليس كل ما يحدث للعالم الإسلامي باعثاً قوياً لتنهض الأمة من سباتها العميق وتتوحد في وجه أعدائها؟ أوليس الله مَن قال: (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيراً)؟

بل قد يزعم البعض أن الإمكانيات البشرية والعسكرية للعالم الإسلامي لا تستطيع مجابهة الدول الكبرى في العدة والعتاد، لكن الواقع يظهر خلاف ذلك، فالدول الإسلامية هي من أكثر الدول إنفاقاً على شراء الأسلحة في العالم؛ حيث يبلغ الإنفاق العسكري للدول الإسلامية مجتمعةً نحو 7% من إجمالي الناتج القومي، بما يزيد على مائة مليار دولار. وحسب موقع "غلوبال فاير" لتصنيف الجيوش، هناك أربع دول إسلامية ضمن أكثر 20 دولة في الإنفاق العسكري في العالم لعام 2015، هي: المملكة العربية السعودية في المركز الثالث (نحو 56 مليار دولار)، وتركيا في المركز الرابع عشر (نحو 18 مليار دولار)، والإمارات العربية المتحدة في المركز السابع عشر (نحو 14 مليار دولار)، وأفغانستان في المركز العشرين (11 مليار دولار)، أما عن حجم الجيوش، فهناك سبع دول إسلامية من بين أكبر 20 دولة في العالم في حجم الجيوش، هذه الدول هي: باكستان في المركز السابع (620 ألف جندي)، وجمهورية إيران الإسلامية في المركز الثامن (545 ألف جندي)، والجزائر في المركز التاسع (512 ألف جندي)، وإندونيسيا في المركز العاشر (476 ألف جندي)، ومصر في المركز الحادي عشر (470 ألف جندي)، وتركياً في المركز الرابع عشر (410 آلاف جندي) وأخيراً بنغلاديش في المركز السادس عشر (400 ألف جندي).

بكل تلك الإمكانيات الهائلة، لا تزال تلك الجيوش العرمرم رابضة في أماكنها لا تحرك ساكناً تجاه أي من التهديدات والكوارث التي تواجه العالم الإسلامي، فبأي غرض صنعت هذه الجيوش الجرَّارة؟ الواقع فقط أثبت أن تلك الجيوش إنما صنعت إما لحماية العروش والأنظمة الحاكمة من أي تمرد أو لقمع الشعوب وقت الثورات والاحتجاجات أو للدخول في صراعات داخلية طائفية.

يتبقى سؤال أخير: هل الجهاد في الإسلام كان قاصراً على زمن دون الآخر وهل بالفعل كما يقولون أن العالم وصل إلى مستوى من التقدم والرقي فخلق وسائل أخرى تستطيع الشعوب من خلالها حل خلافاتها دون خوض الحروب والمعارك؟ الواقع فقط يؤكد أن الأمم إذا أرادت العيش في أمان وسلام، فعليها أن تقدم التضحيات من دمائها ورجالها لتضمن حياة رغدة لنفسها جيلاً بعد جيل، أليس الله من قال: "يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل)؟

أبداً لم يقتصر الجهاد والدفاع عن النفس عن زمن دون الآخر، بل هو سنة الله في أرضه منذ وطئ آدم الأرض، بدأ الجهاد في الإسلام منذ أن وضع الرسول صلى الله عليه وسلم قدمه في يثرب ليؤسس الدولة الإسلامية وما توقف لحظة إلا بعد أن أصاب الأمة الوهن وحب الدنيا وكراهية الموت، وفي رمضان، كان تجليات النصر حاضرة لدى الأمة الإسلامية إذا استعانت بالله وأخذت بالأسباب وكانت حربها مشروعة على أعدائها دفاعاً عن أرضها وعرضها وشرفها وحاضرها ومستقبلها.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد