هل يمكن أن تصل عملية رفع الدعم في مصر إلى قطاع التعليم؟ هذا السؤال وجد طريقه لكثير من الناس، بعدما بدأت وزارة التعليم بالسماح لرجال أعمال ببناء وإدارة مدارس حكومية.
فبرنامج الشراكة مع رجال الأعمال الذي أعلنته الوزارة، يبدأ باستثمارات تبلغ 15 مليار جنيه، لبناء 200 مدرسة تضم 60 ألف فصل بحلول عام 2018، مع رفع أسعار المصروفات، بحيث تزيد عن مصروفات التعليم المجاني الرمزية، وتقل عن مصروفات المدارس الخاصة والدولية.
وفي كلمته بالمؤتمر الوطني للشباب بشرم الشيخ؛ أكتوبر/تشرين الأول 2016، تحدَّث الرئيس عبد الفتاح السيسي عن دول قرَّرت أن يكون التعليم المجاني حتى المرحلة الإعدادية فقط، لكنه نفى في الوقت ذاته وجود نية نحو إلغاء مجانية التعليم.
تدرج الفكرة
بدأت القصة في ديسمبر/كانون الأول 2015، حينما كشف وزير التعليم عن برنامج حكومي لخصخصة التعليم لأول مرة، وإدخال مستثمرين فيه، بهدف إنشاء مدارس مستقلة بأجر، بالشراكة مع القطاع الخاص باستثمارات تبلغ 15 مليار جنيه.
ثم دشنت وزارة التعليم، رسمياً ما أسمته "مبادرة الاستثمار في التعليم"، في فبراير/شباط 2016، بدعوى خفض كثافة الفصول الدراسية، وعدم وجود موازنة كافية للتعليم التي تسمح بإشراك القطاع الاستثماري في إنشاء مدارس مماثلة للمدارس الحكومية.
المبادرة نصَّت على التزام الوزارة بتوفير أراضي المدارس والتصميمات الهندسية والتصاريح، والسماح بمصروفات مدرسية أعلى من تلك المبالغ الرمزية التي يدفعها الطلاب في المدارس الحكومية حالياً.
وشرعت الوزارة في تنفيذ الفكرة منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2016، عبر طرح مناقصة لبناء 200 مدرسة، شاركت فيها 264 شركة استثمارية خاصة، ولكن لم يتقدم منها بعروض سوى 79 شركة فقط، منها شركات مصرية وعربية، مثل "أوراسكوم للإنشاء" و"بي بي بارتنرز".
وقال المتحدث باسم وزارة التعليم "يجري حالياً فحص العروض المقدمة لتحديد الشركات المؤهلة لتقوم بتأسيس شركة للمشروع وفقاً للمعايير الموضوعة".
الوزير: عقد انتفاع لمدة 40 عاماً
وقال وزير التعليم المصري، الهلالي الشربيني، في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست"، إن فكرة الاستثمار في التعليم عرضت عليه من قبل مجموعة من رجال الأعمال، وقام بدراستها مع قيادات الوزارة، بهدف زيادة عدد المدارس، في ظل تكدس المدارس الحالية واضطرارها للعمل 3 فترات يومياً، ولمواجهة العجز أيضاً في ميزانية وزارة التعليم التي لا تمكنها من بناء مدارس جديدة تستوعب هذا العدد الهائل من الطلاب.
وتشير دراسات وزارة التعليم إلى أن 41% من المدارس الحكومية بها كثافة عالية، حيث يوجد في الفصل الواحد ما بين 40 و60 طالباً، بينما النسبة العالمية هي 20 طالباً.
وأضاف الشربيني أن "الفكرة تقوم على تولي مجموعة من رجال الأعمال مسؤولية بناء عدد من المدارس في المدن الجديدة، والأماكن التي بها كثافة سكانية عالية وتحتاج لعدد أكبر من المدارس".
وأشار أن المشروع عبارة عن "عقد انتفاع" بين رجل الأعمال والوزارة لمدة 40 عاماً، تنتقل ملكية المدارس بعد ذلك للوزارة ملكية دائمة، وخلال فترة العقد يتحمل المستثمرون كل النفقات، وتشرف الوزارة على المدارس، فيما سيتولى رجل الأعمال الذي أنشأ المدرسة إدارتها وتعيين المدرسين.
لا إلغاء للتعليم المجاني
وحول إلغاء مجانية التعليم بعد هذا المشروع الاستثماري، شدَّد الشربيني على أن "المشروع لا يعني تخلي الحكومة عن دورها في بناء المدارس أو توفير التعليم الأساسي المجاني للجميع، وسيبقى العبء الأكبر في بناء تلك المدارس على عاتق الحكومة بنسبة 75% مقابل 25% فقط للقطاع الخاص".
وقال إن هناك شروطاً على المستثمرين، منها بقاء مصروفات تلك المدارس في متناول أولياء أمور الطبقة المتوسطة.
وأضاف: "الوزارة تريد بناء 4000 مدرسة خلال السنوات الثلاث القادمة، ولأن التعليم قضية مجتمعية فمنظمات وهيئات المجتمع المدني والقطاع الاستثماري يمكن أن تسهم أيضاً في حل تلك المشكلة".
مصروفات أعلى متدرجة
وحتى لا يواجه باتهامات بتخلي الحكومة عن "مجانية التعليم"، قال الوزير إن "الدراسة التي وُضعت حددت أن تكون المدارس الجديدة بمصروفات سنوية للطالب، تتراوح بين 1000 و2000 جنيه، (55-110 دولارات)، ما يجعلها في مستوى الطبقة المتوسطة"، في إشارة لارتفاع تكاليف المدارس الخاصة والتجريبية إلى 30 أو 40 ألف جنيه.
ويقدر متوسط أبناء الأسر المصرية في المدارس، وفقاً لدراسات تربوية بقرابة 2-3 أطفال، ما يعني تحمل الأسرة سنوياً قرابة 4-6 آلاف جنيه أو أكثر.
وقد أوضح مصدر بالوزارة لـ"عربي بوست"، أن هذه الأسعار التي ذكرها الوزير "كانت قبل تعويم الجنيه" أول نوفمبر/تشرين الثاني 2016، وأنه يجري حالياً "إعادة النظر في التكلفة الاستثمارية للمشروع بعدما تغير سعر الصرف وتعويم الجنيه".
وهو ما يشير لاحتمال ارتفاع المصروفات للضعف أو 3 أمثال حسب أسعار طباعة الكتب وغيرها.
ويوجد في مصر 3 أنواع من المدارس: الحكومية، وهي مجانية ومصروفاتها رمزية تتراوح بين 50 و100 جنيه، أي حوالي 5 دولارات. والتجريبية، وهي مدارس حكومية خاصة مصاريفها ما بين 1400 – 2300 جنيه، أي حوالي 75 إلى 125 دولاراً. ثم المدارس الخاصة والدولية، وهذه مصاريفها تتراوح بين 35 ألفاً و50 ألفاً، أي حوالي 2-3 آلاف دولار، بخلاف تبرعات ومصاريف أخرى.
هذه الأخيرة رفعت مصاريفها للعام الدراسي المقبل بما بين 15-30% بسبب ارتفاع أسعار الدولار، ما دفع أولياء أمور لتدشين صفحة عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" بعنوان: "حملة الاستغاثة إلى وزير التربية والتعليم من مصروفات المدارس الخاصة أغيثونا".
خبراء: الدولة تنسحب من مجال الخدمات
"انسحاب الدولة من مجال الخدمات العامة هو السمة العامة لأغلب برامج الخصخصة الحالية، سواء التعليم أو الصحة أو غيرهما"، كان هذا هو هاجس أغلب خبراء التعليم، الذين استقصت "عربي بوست" آراءهم حول المشروع الذي يجري تنفيذه لخصخصة التعليم نسبياً.
وقال سعيد إسماعيل علي، الأستاذ بكلية التربية بجامعة عين شمس، إن "زيادة كلفة التعليم معناها حرمان الطلاب الفقراء من فرصتهم في تعليم جيد"، محذراً من أن تأثير خصخصة القطاع التعليمي على التنمية البشرية سيكون كبيراً، في ظل معدلات الفقر المرتفعة.
ويتهم علي وزارة التعليم بأنها "تتجاهل الحالة الاقتصادية لغالبية الشعب المصري الفقير".
ويصف خطة وزارة التعليم خلال الفترة المقبلة بإشراك رجال الأعمال ومنظمات المجتمع المدني في العملية التعليمية، بأنها "تأتي على حساب الطلاب وتسمح بتحكم رجال الأعمال في المدارس".
فكرة منقولة من حزب "مبارك"
عبد الحفيظ طايل، مدير "مركز الحق في التعليم"، يرى أن ما يفعله وزير التعليم من خصخصة للتعليم، ما هو سوى تنفيذ لفكرة قديمة طرحها حزب الرئيس الأسبق "مبارك"، الحزب الوطني المنحل.
ويصف خصخصة التعليم بأنها "جريمة في حق المصريين، لأنه من المفروض أنهم يدفعون ضرائب مقابل الخدمات التي تقدم لهم من تعليم وصحة".
ويحذر طايل، الذي صادرت الحكومة المصرية أمواله في سبتمبر/أيلول 2016، لتلقِّيه منحة أميركية من "الوقفية الوطنية للديمقراطية"، من أن خصخصة التعليم "ستكون لها توابع كارثية على المجتمع المصري".
ويرجع هذا لأن "معدلات الفقر مرتفعة، ما يعني حرمان أولاد الفقراء ومحدودي الدخل من التعليم".
ويتهم "طايل" وزير التربية والتعليم الدكتور الهلالي الشربيني بأنه "غش" فكرة الاستثمار في التعليم ومشاركة القطاع الخاص في بناء المدارس "من أجندة الحزب الوطني، إذ كان هذا البند في القائمة الترويجية لانتخابات الحزب الوطني في 2006″، بحسب قوله.
وأوضح أن بناء مدارس خاصة بمصروفات أعلى لن يصلح التعليم، بدليل أن الحكومة سبق أن سعت لتطبيق تجربة "مدارس التعليم المتميز أو التجريبية للغات" التي ظهرت منذ 20 عاماً، ولم تحقق أي نجاح يذكر أو تخرج لنا كوادر ماهرة في مجال دراستها"، والحل هو دعم الدولة لميزانية التعليم وزيادتها في الموازنة العامة.
ويصف "علي زيدان" -نقيب القاهرة لنقابة المعلمين المستقلة- خطة خصخصة التعليم بأنها "مؤامرة على التعليم، تسعى لتآكل الطبقة المتوسطة"، ويقول إنها "جريمة وانتهاك للدستور المصري الذي صرح بمجانية التعليم".
ويتصور أن نتيجة ذلك ستكون دفع العديد من أولياء الأمور إلى بذل أقصى ما في وسعهم لتوفير المصاريف الأعلى لأبنائهم، قد تصل إلى الاستدانة والدخول في جمعيات، فضلاً عن "زيادة التفاوت الطبقي، والقضاء على الطبقة المتوسطة"، ليصبح بذلك المجتمع مكوناً من طبقتين فقط عليا ودنيا.
بالمقابل يرى الخبير التربوي، الدكتور محمد رزق، الفكرة مقبولة، وأن الاستثمار في التعليم يرفع جودته بسبب الحاجة إلى توفير مدرس جيد ومتمرن وأدوات تعليمية متقدمة وفصول دراسية ذات كثافة مناسبة، مشيراً إلى أنه في التسعينات كانت هناك "المدارس الأهلية" القائمة على تبرعات أهالي المنطقة والميسورين منهم.