لقد ولدتُ في قطاع غزة في فلسطين قبل 18 عاماً، عاصرتُ فيها ثلاث حروب مع عائلتي، ورأيت ما لا يجب أن يراهُ أي مراهق في العالم.
إن آثار الحروب ليست فقط بالجروح أو الكسور بل هناك آثار على أبعاد أخرى.
ما تراه في الحرب لن تنساه أبداً، كل ما تشهده سيبقى محفوراً في ذاكرتك طوال حياتك.
الكثير من الناس يخافون الموت، ولكن حسبما رأيت في غزة، الموت هو مجرد حالة لا أكثر. إن تعمقنا في شعورنا بالخوف من الموت أكثر، سنجد أننا لا نخاف الموت نفسه، بل الألم!
هنالك نوعانِ من الألم.. الأول، الألم الذي يعلمك شيئاً والذي يصقل شخصيتك ليجعلها ناضجة أكثر، ولكي يجعلها أكثر صلابة مع الوقت حتى تستطيع المضي قدماً مع تجارب الحياة المريرة.
النوع الثاني، هو الألم الذي لا فائدة منه. الألم السادي الضحوك الذي لا يعطيك شيئاً سوى المعاناة فقط. هذا الألم هو ما يرعبنا جميعاً.
لا شيء أكثر وضاعة وبجاحة من هذا الألم. يستمتع في قتلك أو حتى في إبقائك حياً.
إن الموت في الحرب أشبه ما يكون بالرحمة، فوقتها يتوقف الإنسان عن الشعور بأي شيء وتخرج الروح من الجسد لكن البقاء على قيد الحياة، ذلك هو الألم الأكبر.
حينما ترى كل أفراد عائلتك شهداء على الأرض بلمح البصر.. منهم من يستنجد بك، ومنهم من يحاول أن يستوعب ما جرى، ومنهم من خرجت روحه من جسده.
أن ترى أكثر الناس قرباً لك وأكثر معرفة بك على الأرض يصرخون من شدة الألم، تتمنى أن يقفوا على أقدامهم مرة أخرى أو أن يظلوا على قيد الحياة بأي طريقة كانت، لكنه ذلك الألم الوضيع له الكلمة الأخيرة.
يظن نفسه كريماً ورحيماً بإبقائك على قيد الحياة، وأنه نبيل لأنه عفا عن روحك وهو يعلم أنك لن تنام مرة أخرى بعينٍ قريرة ولن تستريح مرة أخرى براحة سكينة في كل مرة تفرح فيها سيطرق باب ذاكرتك ويمسح البسمة عن وجهك.
كل تلك المشاهد ستبقى كذاكرة فوتوغرافية في دماغك، تستعرضها ذاكرتك من وقت لآخر كفيلمٍ قصير لا تصدق أنه حدث، ثم تسري في عروقك طاقة هائلة من الغضب والكراهية والسعي للانتقام، ثم تنهار في أقل من ثانية، تشعر بالمرارة الشديدة من عجزك عن القيام بأي شيء تجاه الماضي.
الكثير من الأطباء النفسيين يقولون بأن الوقت قادرٌ على إشفاء أي شيء وكل شيء، ولكن بعد الأحداث التي حصلت في الحروب على غزة والمشاهد المروعة التي رآها الناس ورأيتها أنا شخصياً، أقولها وبكل ثقة.. أشك في ذلك!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.