برعاية ودعم التحالف الدولي، فعلى ما يبدو أن رهان العراقيين كان صادقاً في الميدان مع تسارع وتيرة العمليات العسكرية لاستعادة مدينة الموصل العراقية من قبضة تنظيم داعش، فالقوات العراقية اتفقت ونراها تقاتل لأول مرة وربما لآخر مرة تحت مظلة واحدة بجانب قوات البيشمركة والحشد الشعبي، بالتزامن مع التنافس الإقليمي والدولي لأخذ دور فعال في معركة الموصل وما بعدها، لكن هل اتفق ساسة العراق على مرحلة ما بعد تحرير الموصل؟!
أكراد العراق أوضحوا موقفهم وأكدوه مراراً وتكراراً بأن الأراضي التي حرروها بدماء مقاتليهم لن ينسحبوا منها، بالرغم من التصريحات الخجولة المطمئنة لحكومة العبادي، فإن هذا يعني أن خارطة إقليم كردستان الجديدة ستضم مناطق كركوك وطوزخورماتو وأجزاء من محافظتي ديالى ونينوى، وستكون تابعة لحكومة الإقليم التي يسيطر مقاتلوها بالفعل على هذه المناطق، ومع الدعم الأميركي والدولي غير المعلن رسمياً لمطالب الأكراد بالانفصال عن العراق فكل شيء يبدو ممكناً.
أما المفاجأة غير المتوقعة لمعظم المراقبين فحصلت في البيت الشيعي خلال الأسابيع الماضية بعد لقاء زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بقادة الفصائل الشيعية المنضوية في الحشد الشعبي، التي كان يصفها الصدر بــ"الميليشيات الوقحة"، وأبرزهم أمين منظمة بدر هادي العامري، وزعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي والقيادي في الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، اللقاء الذي حصل في منزل الصدر بمحافظة النجف، ووُصف بأنه لقاء المصالحة الشيعية – الشيعية، أدار عدسات الإعلام من الخلافات والتراشق الكلامي مع التحالف الوطني الشيعي، والمظاهرات المطالبة بالإصلاحات التي يدعمها الصدر إلى موقف شيعي موحد لعمليات تحرير الموصل ورفضهم لوجود القوات التركية في العراق، وربما إلى قائمة انتخابية شيعية موحدة ستظهر خلال الانتخابات المقبلة.
بالتزامن مع هذا اللقاء وجَّه الصدر أنصاره بتغيير وجهة احتجاجاتهم الأسبوعية المطالبة بالإصلاحات نحو السفارة التركية في بغداد، بدلاً من التظاهر أمام مبنى المحكمة الاتحادية، لرفض قرارها القاضي بإعادة نواب رئيس الجمهورية الثلاثة، وبالفعل حيث توجه المئات من أنصار الصدر ورفعوا شعارات تطالب الرئيس التركي أردوغان بسحب قواته من الأراضي العراقية!
ولمَ لا يكون لقاء أطراف البيت الشيعي وتغيير وجهة المظاهرات هو للتعبير عن عدم قبول إيران بشراكة عربية أو تركية في تقاسم النفوذ ما بعد مرحلة الموصل؟ لهذا السبب كان هناك إصرار لتواجد فصائل الحشد الشعبي في قضاء تلعفر بالقرب من أبواب الموصل والشام، فمن حق إيران أن ترفض هذه الشراكة بعد هذا الشغل الطويل والانتصارات في العراق.
وحسب مصادر عسكرية عراقية رفيعة المستوى رفضت الكشف عن اسمها، فإن مشاركة فصائل الحشد الشعبي في عمليات التحرير جوبهت بالرفض من قِبل الولايات المتحدة التي أوقفت قبل أيام إسناد طيران التحالف الدولي للقطعات العسكرية العراقية، اعتراضاً على وجود تلك القوات التي وصفتها واشنطن بغير النظامية، وطالبت بمشاركة الجيش العراقي والقوات النظامية من الشرطة وجهاز مكافحة الإرهاب حصراً.
أما واقع الكتل السُّنية في العراق فهو منقسم ما بين أحضان تركيا والسعودية من طرف، وإيران والولايات المتحدة من طرف آخر، فالحديث عن الكتل والمحافظات السنية لن يطول، فبمجرد مرورك عبر طرق مناطقهم سترى مستقبل خارطة مدنهم، ما بين دمار وخراب وبيوت محرقة وأزقة مهجورة لم يسمح لسكانها بالعودة لها، كمناطق جنوب تكريت وبيجي والصينية وسليمان بيك شمال وشرق محافظة صلاح الدين، وجرف الصخر جنوب بغداد، وما بين عوائل وشباب ضاعت سنوات من حياتهم بين الغربة خارج البلاد وبين مخيمات النازحين.
سيناريو تقسيم العراق ما بين الجهود الإيرانية والتركية لإخضاع الموصل بعد داعش لهيمنتهم، سيتطلب إيقافهم بحراً من الدماء ينزفه الموصليون خاصة، وأبناء العراق عامة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.