النجاح حالة من النضج الفكري، وميل في رحلة الألف الطويلة، نحو الكمال العقلي، لا يصلُها إلا مَن عانى مخاضات عسيرةً ضاريةً في الكفاح، مُنتهيةً بولادة النجاح من رحِم تخطيطٍ صائب.
يُعد التخطيط صائباً، إذا رافقهُ تنفيذٌ دقيق، نسبتهُ مرهونة بضعف الحُجة وقوتها، لذا أصبحت وسيلة إقناع المُلحد بحُرمة التدخين، تتطلبُ منا مُخططاً ناجحاً، قائماً على مُراجعة الفتاوى والرسائل العملية والصّحاح والسُنن والمسانيد والمعاجم والمُصنفات، مُستخرجين منها نصوصاً، فيها إشارة واضحة على حُرمة إيذاء النفس، وبعد أن نتفق على أن دُخَان السجائر فيه ضرر على الإنسان، نكون قد نجحنا في إقناعه بحُرمتها، إنما مكمن المُشكلة في عدم وجود أي إشارة لكلمة سجائر، بسبب الفجوة الزمنية بين الكُتب وبداية زراعة التبغ وانتشاره في العالم، واقعاً نَحْنُ أمام مُعضلة، لا نملكُ أمامها إلا أن نبذل الجهود ونُسخّر الإمكانات في إيجاد نص يحرمها.
يعيش المُجتمع حالةً من التيه الفكري، مُغترباً، غريباً، مُعبراً عن عُمق الأزمة في البنية والتنشئة الصحيحة، فاعلاً في استئصال حُجة العقل ودلالات البحث ومصادر التقصي، ضالاً لطريق إعمال العقل بالتساؤلات، فكان التطرّف إبداعه، وتسقيط الآخر غايته، والتهجم اللفظي وسيلتهُ، فأصبح تجذير الوعي الفردي وسيلةً حتميةً، تضعنا على مُفترقٍ للطُرق، فإما التقهقر والاندثار، وإما أن نُرسخ الوعي الفردي، الذي يؤسس للوعي الجماعي، لضمان ديمومة المُجتمع.
الالتزام بالقيم المُحافظة والتقاليد الدينية وإثبات قُدسيتها وسماحتها والدعوة لها، ومُواجهة مَن يحاول النيل منها والتشكيك بها، يُفترض أن يكون أساسهُ فكراً ووعياً فردياً، مؤدياً إلى إيمان صادق وراسخ، نابعاً من العمق التأثيري لَهُ على الملكة الفكرية، مُسبباً نضوجها، جاعلاً منها مركزاً للاختيار الناجح والتخطيط الصائب والتنفيذ الدقيق، مُشيداً لها قلاعاً حصينةً عصيةً على الانحراف، مُكوناً بقُدرتها كوكباً مُنيراً، تدور في فلكه كُل حُجج الكُتب النظرية ومصاديق العلوم العلمية، مُتناغمةً، منتظمةً، بخطوط مُستقيمة مهما مر عليها الزمان، لا يأتي يوم تتقاطع فيه، فيكون تقاطُعاً وحدي مَن يحمل ذنبهُ، عندما اخترت التعطيل الفكري، عاجزاً مُستهلكاً للحضارة الحديثة، ناقماً عليها، مُتحاملاً على شعوبها.
يوم أكتشف أن الكلمة التي أبحث عنها في الكُتب المُقدّسة مُلزمةً لي ولا تُلزم مُلحداً، عندما أضعت طريق المنطق، مُستشهداً بنصوص لإقناع مَن ينكُر وجودها، يوم أجد أن دعوة المُلحد للإيمان أهم من حملهُ على ترك التدخين، يوم أرى أن تحصين الفكر المُجتمعي ضد الأفكار المُنحرفة، أهم من دعوة توجهُ لمُلحد، لا يُقدم لي إيمانهُ ولا يؤخر، هو ذات اليوم الذي أُجري فيه تحديثاً فكرياً سليماً، لمواجهة التحديث الفكري المُنحرف، ومشروعاً أستوعب فيه الجميع، احتراماً وإجلالاً لإنسانيتهم، لا على أساس الإثنية أو العِرقية، يوم أكون مُدافعاً عن فكري، مُحارباً عن ثوابتي، بأخلاق استثنائية، مُعبرةً عن نُبل الفروسية الإنسانية، مُلتزماً بقوانين المعارك المُقدّسة، معاركاً رغم ضراوتها تؤمن أجواء تحترم مثاليات الفرد، وثوابته، ومقدساته، وخصوصياتهُ، لا تُبيح مُصادرة إنسانيتهُ، تحت أي ذريعةٍ كانت.
بهذا أكون على أعتاب الميل الأخير، مُبتسماً عائداً بذاكرتي إلى الخلف، عندما تصورت أن النجاح الذي حققتهُ في الميل الأول نهايةً لرحلة الكفاح؛ إذ لم يخطُر ببالي أبداً أن أمامي رحلةً تمتدُ لألف ميل، حاملاً فيها على عاتقي أمانةً عظيمةً، منحتني الطهارة، وقلدتني الرسالة، طهارةً تليقُ بقُدسية الرسالة الإنسانية التي أحملُها، والتي مضمونها خطاب عنوانهُ الاعتدال، ومُقدمتهُ الاحتواء، وعرضهُ الاحترام، وختامهُ تعزيز المواطنة وترسيخ الهوية الوطنية.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.