في مجتمعنا عندما تولد الأنثى البعض يستقبلها برحابة صدر وفرح، والبعض الآخر يلعن اليوم الذي حملتها فيه زوجته ويجعل منها نذير شؤم، وهذا الأمر ليس بجديد، ففي القدم كانت هناك معتقدات تشبه هذه، بل وكانت الإناث تدفن حية لتموت البريئة دون شفقة من أحدهم، وإن تركها البعض حية تعيش طوال حياتها منبوذة ومجرد خادمة، وإن سئموا منها باعوها مثل الأثاث أو الحيوانات أو غيرها من الأشياء غير مهتمين لها وكأنها ليست من البشر.
و رغم نزول عدة رسائل سماوية تدعو لحماية المرأة واستلطافها ورغم وجود رجال الدين (لجميع الأديان) بكثرة حول العالم يدعون لمعاملة المرأة بطيبة، ورغم تطور الحضارة وتسخير كل الإمكانيات عبر العالم لبناء مجتمع بعيد عن الجهل والتقاليد التافهة، أو المبنية على الاستحقار أو الظلم، إلا أن هناك مجتمعات كثيرة تحتقر المرأة وتعاملها مثل الحيوان أو الخادمة أو الدمية التي يتسلىَّ بها الرجل ويتركها عندما يمل.
وفي عصرنا بالتحديد وفي عدة مجتمعات أصبحت المرأة عند الكثيرين مجرد آلة جنسية لإشباع رغبات الرجل لا غير، أي أن هذه التقاليد البالية ما زالت للأسف .
كثيرة هي تلك القوانين التي تحمي حقوق المرأة وتعاقب من يظلمها أو يتعرض لها بسوء، لكن لو نتعمق في بعض المجتمعات نجد المرأة لا تمتلك حتى أبسط حق لها، ويبقى السؤال المطروح: لماذا؟ بل هناك عدة أسئلة أخرى نطرحها يومياً من بينها:
– لماذا رغم تطور الحضارة نجد شعوباً ما زالت متقوقعة في جهلها وتعامل المرأة بقسوة؟
– لماذا رغم وجود قوانين صارمة لحقوق المرأة إلا أنها تعيش العذاب في بعض المجتمعات؟
– وهل عادات الجهل استطاعت أن تبقى موجودة كل هذا الزمن وكانت مغطاة فقط؟ أم أنها عادت من جديد؟
للإجابة عن هذه الأسئلة يجب علينا تسليط الضوء على أحد المجتمعات حتى نستطيع دراسة الموضوع جيداً، وأنا في تحليلي لهذه الظاهرة سلطت الضوء على المجتمع العربي.
في مجتمعنا العربي نجد نساء متحررات وأخريات عكسهن مثل المسجونات لا يستطعن حتى التعبير عن آرائهن مثل البقية، هذه الفئة من النساء اللواتي يعشن التقييد نجد أن من منعهن من هذه الحرية هو رجل أو مجموعة من الرجال، وهؤلاء الرجال هم في الأغلب يمثلون الأب أو الزوج أو رجالاً من الأقارب.
أما المتحررات ففي الأغلب نجد أنهن يحاربن في المجتمع العربي والبعض ينعتهن بأبشع الصفات وكثيراً ما يصنفن في زمرة العاهرات، وسبب تصنيف المتحررات في زمرة العاهرات غير معروف، مع أن التحرر لا يعني ممارسة الرذيلة، والتحرر بمفهومه الحقيقي هو أن يستطيع المرء فعل كل ما يحلو له، لكن هو لا يعني أن المتحررات يفعلن كل ما يحلو لهن؛ لأنه يوجد نوع من النساء تحكمهن مبادئ يقدسنها داخلياً وجعلن منها قيوداً تمنعهن من فعل بعض الأمور رغم أنهن يستطعن فعل أي شيء بدون أن يمنعهن أحد، ومن دون أن يطلب منهن أي شخص الامتناع عن ذلك.
لهذا نستطيع القول: إن عالم المتحررات ينقسم لنوعين؛ النوع الأول يفعلن كل ما يحلو لهن، والنوع الثاني يستطعن فعل كل أمر يردنه، لكنهن يمتنعن عن فعل بعض الأمور بسبب مبادئهن، وعليه من الخطأ أن نسمي كل متحررة بأنها عاهرة.
بالعودة لنظرة بعضٍ من أفراد المجتمع للمتحررات على أنهن عاهرات، تكثر في أذهاننا عدة أسئلة، من بينها لماذا يرى البعض أن المتحررات عاهرات بالرغم أن هناك فئة منهن محترمات؟ لماذا البعض يحارب تحرر المرأة وفي نفس الوقت لا يمكنها من حقوقها ولا يعاملها معاملة حسنة؟
الإجابة على هذه الأسئلة تتطلب تصفح بعض كتب علم النفس، وزيارة بعض أطباء علم النفس؛ لأننا بصدد محاولة تحليل طريقة تفكير الإنسان ومعرفة سبب تصرفاته اللامنطقية والمتناقضة، فهو من جهة يمنع إعطاء الحرية للمرأة، وفي نفس الوقت لا يعطيها حقوقها، بهذا التصرف نلتمس نوعاً من الخوف يعيش في داخله، وكأنه يفعل كل هذا خوفاً من حدوث شيء ما، وإلا فلماذا هو مهتم كل هذا الاهتمام لدرجة الخوف من مخلوق ضعيف مثل المرأة؟!
وإذا تعمقنا في المجتمع العربي أكثر فأكثر نجد هذا المجتمع يعيش حالة خوف من تصرفات المرأة؛ لأن أي تصرف لها خارج عن العادات والتقاليد والأعراف يجلب العار لأبيها أو زوجها وعائلتها.
أجل سبب كل هذا الخوف وسبب معارضة التحرر هو أن المرأة مرتبطة بالشرف والتربية في بعض المجتمعات؛ لهذا السبب هم يحاولون بشتى الطرق منع التحرر، في نظرهم لو أعطوها حريتها لربما بل أغلب الشك هي ستجعل أموراً مخالفة لعاداتهم وتجلب لهم العار، ويراهم الناس بعد ذلك أرذل الخلق وينبذهم المجتمع.
هذه العادات والتقاليد التي تسبب مخالفتها العار عند بعض الشعوب قديمة ومن الأعراف المقدسة، وعند البعض هي من بين مبادئ الدين؛ لهذا السبب لا يستطيع أي شخص نزعها من عادات أو مقدسات الشعوب، وأي محاولة لانتزاعها سيسبب ثورة من أصحابها، البعض يراها سبباً للمشاكل لكن أصحابها يرونها حلاً للمشاكل، خاصة في عصرنا؛ لأنه من وجهة نظرهم هي محصنة لشرف الإنسان وحدوده ومكانته في المجتمع وتحفظه من المشاكل، وفي نظرهم أيضاً تحرر المرأة هو ما جعلها تنسى دورها الحقيقي في المجتمع، وما جعلها تتخلى عن شرفها ففسد المجتمع وكثر فيه العار والمشاكل والأفعال الخبيثة، واختلط السيئ مع الجيد ثم أصبح الجيد لا يحسب له حساب أمام الجيد، مما جعل المجتمع فاسداً وغير صالح للمعيشة.
قد نسأل عن سبب تكبير المجتمعات النابذة لتحرر المرأة لموضوع التحرر والتخوف منه ونسأل أيضاً لماذا ترتبط المرأة بالشرف عند البعض؟!
والجواب على هذا السؤال سيجعلنا نقترب من حل لغز عقدة التحرر عند البعض، وسأنطلق من أهم مبادئ بعض المجتمعات المتحفظة لفهم الموضوع جيداً.
عند بعض الشعوب يشترط في المرأة أن تبقى عذراء طاهرة، ولزوجها فقط الحق في لمسها بعد الزواج بها فقط، فالمرأة في هذه المجتمعات وحسب تقاليدهم أو دينهم ليس لديها حق في تمكين أي شخص من ملامستها أو ممارسة الجنس معها أو إفقادها عذريتها من غير زوجها، هذه الضوابط موجودة عند عدة مجتمعات من بينها المجتمع العربي الذي يرى أن فقدان المرأة لعذريتها هو أكبر خطيئة وعار، وفي نظر أغلبهم أيضاً أن فقد المرأة لعذريتها يجعلها تصنف في زمرة العاهرات مباشرة، وتكون منبوذة في المجتمع، بل ويجب أن تحرم من حق الزواج، وأن تطرد من بيت أهلها، وبعد ذلك أهلها يراهم المجتمع بنظرات احتقار ويلطخون هم الآخرون بالعار، وهذه أبسط العقوبات لها، وفي بعض الأحيان تصل عقوبتها لحد قتلها مباشرة قصد التخلص من العار.
ولأن هذه المجتمعات تخاف العار والمشاكل هي تحاول منع تحرر المرأة وتلجأ لتخويف المجتمع من التحرر بحجة أنه يجعل المرأة تفعل ما تريد وقد تنسى المبادئ والأعراف، وبالتالي تجلب لهم العار.
أما حرمان المرأة من حقوقها وعدم معاملتها بأسلوب طيب قد يرى فيه البعض طريقة لتخويفها قصد منعها من التفكير في محاولة تجاوز حدودها، وتذكيرها دائماً أنها مقيدة بأمور لا يجب تجاوزها، لكن هذه القسوة خلقت الجفاء وجيلاً بعد جيل نتج عندنا جيلٌ يحتقر المرأة كلياً، والبعض يراها مجرد أداة للجنس أو التسلية فقط، ولا يهتم لها، وبعضهم يقترب منها لمصالحه فقط ولا يميل لها مطلقاً.
كما أن البعض لا يحب التحرر حتى للنساء المحترمات؛ لأنه حسب رأيه تحررهن سينقص من قيمة الرجل وينهي دوره في الحياة.
الخوف والتخويف شيئان منعا بعض المجتمعات من العيش بسلام ومن التصرف بعقلانية ومن التفكير بحلول مفيدة بدل عيش الخوف أو التصرف بحماقة طوال حياتهم، فلو ركز بعض أفراد المجتمع على صنف المتحررات المحترمات لفهموا ما الذي عليهم فعله، ولوجدوا أن حل مشاكلهم بسيط جداً، كل ما عليهم فعله هو تربية بناتهم على العقيدة الصحيحة الحسنة والمبادئ والأخلاق؛ لأنه في حقيقة الأمر حارس المرأة لم يكن رجلاً ولن يكون رجلاً، ومحال أن يكون رجلاً.. حارس المرأة الذي يتحكم فيها وينهاها عن فعل الأمور السيئة هو ضميرها وذاتها المتأصلة بالمبادئ، فكم من امرأة رغم التقييد فعلت أبشع الأفعال! وكم من امرأة متحررة رغم الحرية كانت من العفيفات المحترمات!
لو فكرنا بمنطقية وجدية سنجد أن السر موجود في التربية الحسنة للأنثى منذ صغرها و زرع المبادئ في داخلها، ولو فكرنا بمنطقية أيضاً سنجد أن للرجل دوراً مهماً في هذه الحياة لن تستطيع أي أنثى مهما كانت مميزة أن تأخذه أو تنزعه.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.