التحكم أو الدولة العميقة، أو ما يعرف مغربياً بـ"المخزن" ما ينتصر في معركة ما، إلا وينهزم في أخرى.
لقد تمكن التحكم في سنة 2017 من إعدام توهج الحياة السياسية المغربية في الـ5 سنوات الأخيرة ما عرفت إعلامياً بالاستثناء المغربي، انتهى حلم الحرية وانتكست المؤسسات الدستورية التي هي عبارة عن ديكور للزينة السياسية ليس إلا.
اختار التحكم العودة بنا إلى ما وراء سنة 2011؛ حيث انحنى إلى زوبعة الربيع العربي كتكتيك برغماتي لتجنب غليان الشارع؛ ليعود من جديد بانقلاب "لايت" على الإرادة الشعبية وإبعاد الشخصية الأكثر كاريزمية وشعبية في المغرب الحديث "بنكيران" رئيس الحكومة السابق، فإعفاؤه كان إهانة للمسار الديمقراطي المغربي ورسالة سياسية تحمل الكثير من المعاني السلبية، مفادها ليست هناك إرادة سياسية حقيقية في التغيير الفعال، فالدولة من الناحية البنيوية لم تستطِع تحمُّل ضريبة الحركية السياسية المتغيرة؛ لأن المخزن بطبعه مؤسسة تقليدية تعيش على الجمود لا التغيير.
التحكم نجح نوعاً ما في إفراغ روح الربيع العربي على مستوى العمل السياسي، وإحالته نحو الجمود ونشر الإحباط في صفوف الحالمين بالتغيير الطبيعي على مستوى مؤسسات الدولة دون النزول إلى الشارع.
التحكم يدمر الوسائط السياسية القادرة على استيعاب واحتواء المطالب الاجتماعية لعموم المواطنين.
التحكم لا يقبل بأي إصلاح إلا بإرادته وتحت سمعه ونظره وسياطه وأعطياته، غير أن رياح التغيير تجري بما لا تشتهي سفن الدولة العميقة، فالتغيير أصبح مطلباً شعبياً رافضاً للإقصاء والفقر والتهميش.
المغاربة أصبحت لديهم القدرة على أن يقولوا كلمة لا، لم تعد تخيفهم عصا المخزن الغليظة، يدركون أن في اتحادهم قوة، وأن خروجهم للشارع ضرورة وطنية مقدسة لدق ناقوس الخطر لمن يهمهم الأمر قبل أن تغرق سفينة الوطن بسبب منطق التحكم المغلق الجامد الذي يؤكل كعكة الوطن لوحده والفتات للطبقات المسحوقة من أبناء المغرب.
في الأفق القريب هناك ملامح موجة غضب شعبية كبيرة تكتمل عناصرها كل يوم، ومؤشراتها ظهرت في هذه العشرية الأخيرة انطلاقاً من أحداث مدينة سيدي افني يليها حراك 20 فبراير، إبان الربيع العربي 2011، ثم حراك الريف المغربي في مطلع السنة الماضية دون أن ننسى أحداث مدينة زاكورة من نفس السنة، وأخيراً أحداث مدينة جرادة في شرق المغرب، القاسم المشترك الذي يجمع كل هذه الأحداث هو أن النموذج التنموي فشل وغير فعال في الاستجابة لمتطلبات المغاربة بشهادة عاهل البلاد نفسه، وهي شجاعة سياسية تحسب له، لكنها لا تكفي؛ حيث تلزمها حلول عملية على الأرض.
فالإصلاح سيأتي عندما تكون هناك قناعة سياسية حقيقية في تغيير طريقة الحكم، وتبني رؤية جديدة في تدبير الشأن العام، والتخلص من الأجهزة التقليدية المفرملة لحركية المجتمع.
إعفاء" بنكيران" سياسياً يقابله حراك الريف، إضعاف العدالة والتنمية الحزب الأكثر قوةً وتنظيماً يقابله حراك الجهة الشرقية بجرادة.
عند جمود السياسة يتحرك الشارع، عندما يظهر السياسي الانتهازي يظهر أيضا المواطن الثائر.
عندما تفشل المؤسسات تنتصر الحناجر الغاضبة.
عندما يقال أين الثروة؟ الشعب يعلم أين هي لربما في بنوك سويسرا أو بنما.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.