التقى الرئيس الأميركي باراك أوباما والملك سلمان الأربعاء 20 أبريل/نيسان 2016، في الرياض وسط توتّرات عميقة بين الحكومتين حول إيران، والحرب على الإرهاب، والإعلان المحتمل عن بعض الوثائق التي تزعم بوجود علاقة بين مسؤولين سعوديين وبين هجمات 11 سبتمبر/ أيلول.
تبادل أوباما والملك المجاملات في غرفة الاستقبال تحت ثريا زجاجية ضخمة قبل بدء اجتماعهم المغلق، بحسب تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
قال الملك سلمان "أنا والشعب السعودي سعداء للغاية بزيارتك للمملكة"، في حين رد أوباما قائلاً "الشعب الأميركي ممتن للغاية لضيافتكم".
لكن هذه الجمل المتبادلة لم تعكس القضايا الخلافية بين أجندة أوباما والملك سلمان، حيث تأتي زيارة الرئيس الأميركي بعد يوم من ظهور دعم وتأييد لإظهار وثائق تزعم بتورّط سعودي في هجمات 2001.
بدورهم، سرعان ما علق السعوديون عبر الشبكات الاجتماعية على مراسم استقبال الرئيس الأميركي، فبينما قام التلفزيون الرسمي بتغطية مكثقة لوصول رؤوساء وقادة لدول الخليج والاستقبال الحار لهم على مدرج المطار مع رسائل استقبال من الملك سلمان، حظي أوباما بوفد استقبال أصغر بكثير كان في مقدمته أمير منطقة الرياض، كما أن مراسم الاستقبال لم تتم تغطيتها في التلفزيون الرسمي للبلاد.
التايمز الأميركية: مع عدم حضور الملك سلمان لاستقبال أوباما بالمطار، التلفزيون الرسمي كذلك تجاهل حضور أوباما ولم يظهر فيه كما فعل مع البقية
— فيصل العتيبي (@Q_mro8) April 20, 2016
وكانت الوثائق المزعومة -28 صفحة من تقارير المخابرات المقدمة للكونغرس- قد أثارت الشكوك على مدار سنوات، على الرغم من أن التحقيقات الرسمية التي أعلنت بشأن أحداث 11 سبتمبر لم تشر إلى علاقة السعودية بالأمر، في حين أن تلك التهم –والتي طالما نفاها المسؤولون في المملكة- تعد واحدة من المشكلات التي يواجهها أوباما خلال محادثاته اليوم مع العاهل السعودي.
الاتفاق النووي الذي وقعته إدارة أوباما مع إيران لتقليص البرنامج النووي للبلاد كان قد أثار استياء الرياض، وهو الحال نفسه بالنسبة لقرار الرئيس الأميركي بعدم شن ضربات جوية ضد نظام بشار الأسد في سوريا عام 2013، الأمر الذي فسرته السعودية بالتردد في مواجهة هذا العدو العنيد.
لم يتوقف الغضب السعودي من الولايات المتحدة عند هذه النقطة، بل كانت تصريحات أوباما مؤخراً لصحيفة The Atlantic سبباً للمزيد من التوتر، حيث قال إن دول الخليج لا تبذل ما في وسعها إزاء استقرار وأمن المنطقة.
وقبل أن يغادر أوباما الولايات المتحدة في رحلته الحالية والتي تستمر لستة أيام يزور فيها الشرق الأوسط وأوروبا، صرح لشبكة CBS الإخبارية أنه كان يأمل أن يتم إعلان الجزء السري من تقرير الكونغرس قريباً، على الرغم من تشديده على أن المعلومات التي يتضمنها قد لا تكون نهائية.
وخلال اللقاء نفسه، أكد أوباما أن مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية جيمس كلابر يراجع هذه الوثائق من أجل إعلان محتمل عنها، ولكن وفق عملية منظمة، حيث قال "إذا قمنا بإطلاق هذه الوثائق دون ترتيب ودون التأكد من مصداقيتها، وما إذا كانت موثوقة من عدمها، فسينتهي الأمر بحدوث مشاكل فقط".
وكان عدد من المسؤولين السعوديين، ومن بينهم وزير الخارجية السابق، الأمير سعود الفيصل الذي توفي في يوليو/ تموز الماضي، قد طالبوا بإظهار تلك الوثائق، وأكدوا أنه ليس لدى السعودية ما تخفيه حيال الأمر وأنها ترغب في مواجهة أية اتهامات مذكورة في التقرير.
ويذكر أن تلك التساؤلات حول احتمال وجود علاقة سعودية بتلك الهجمات الإرهابية قد ظهرت منذ 15 عاماً وقد أعطت المجال لظهور مشروع قانون في الكونغرس الأميركي يعطي الحق للمواطنين الأميركيين بمقاضاة الحكومات الأجنبية.
وفي الوقت الذي يبدو فيه هذا التشريع قوياً، ويحظى بدعم وتأييد من الحزبين الأميركيين الديموقراطي والجمهوري، هدد مسؤولون سعوديون ببيع أصول تملكها المملكة في الولايات المتحدة بقيمة تريليون دولار في حال صدور ذلك القانون.
وخلال لقاء أوباما مع شبكة CBS، قال أنه يعارض القانون لأنه يعرّض الحكومة الأميركية للانتقام القانوني من قبل مواطني دول أخرى، وأضاف "هذه المشكلة لا تتعلق بالخلاف بين الولايات المتحدة والسعودية فقط، ولكن الأمر يتعلق بتعاملنا بشكل عام مع الدول الأخرى".
وبالنظر للأمر بالكامل، فإن الإطلاق المحتمل لتلك الوثائق، ومشروع القانون المنتظر، قد أضافا نقطة أخرى في الخلاف الحالي الذي سيواجهه أوباما خلال لقائه مع العاهل السعودي وقادة الخليج أثناء جولته.
يقول بيري كاماك، وهو مسؤول سابق بالخارجية الأميركية وزميل برنامج الشرق الأوسط وعضو منظمة كارنيجي للسلام الدولي حالياً، "التحدي حالياً بالتأكيد هو أن للطرفين وجهات نظر مختلفة حول الشكل الذي سيكون عليه الدور الواثق لدول الخليج في المنطقة، والدور السعودي تحديداً".
قبل رحلة أوباما، اعترف مسؤولو البيت الأبيض أكثر من مرة بوجود هذه التوترات، وقالوا إنها قد ازدادت نتيجة الصعوبات المتزايدة للوضع الحالي في الشرق الأوسط والذي يعد الأكثر اضطراباً منذ عقود طويلة.
روب مالي، مستشار الرئيس الأميركي لشئون الشرق الأوسط، قال في تصريحات صحفية الأسبوع الماضي "وجهات نظرنا ووجهات نظر حلفائنا في المنطقة، والسعودية بالتحديد، لم تكن متطابقة بشكل كامل دائماً".
لكن رغم ذلك، قال البعض أنهم يأملون أن وجود هدف مشترك في موضوع مكافحة الإرهاب، وعدم الاستقرار في المنطقة، سيكونان كافيين لضمان اجتماع مُثمر مع العاهل السعودي، وكذلك يأملون باجتماع قمة إيجابي مع زعماء دول الخليج العربي الآخرين يوم الخميس.
من جانبهم، سيحاول المسؤولون السعوديون أن يقيسوا مدى التغيير الذي طرأ على تحالفهم طويل الأمد مع الولايات المتحدة، مع الأخذ في الاعتبار أن أيام أوباما في البيت الأبيض أضحت معدودة.
وقال عوض البادي- باحث في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في الرياض- إن "تمتع السعوديين بعلاقة استراتيجية جيدة حافظ على المنطقة مستقرة، كما سمح لهم بالاستفادة من ثرواتهم. لذا، عندما تغير هذا الوضع، كانت ثمة استجابة نفسية. هذه هي اللحظة الحاسمة: أهي الدولة، أم هو أوباما؟ إذا كان هذا هو توجه الدولة –أميركا- فثمّة أشياء هنا في حاجة إلى تغيير".
– هذا الموضوع مترجم بتصرف عن صحيفة The New York Times الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، يرجى الضغط هنا.