أحقاً “ككل” العزاب أنت؟

هي قصة زوجين سعيدين لكنهما لم يرزقا بطفل ولم يرغبا في الخضوع لفحوصات طبية، فقررا أن يتبنيا طفلاً من الميتم حتى لا تتدهور علاقتهما، اكتشف الزوج بعدها أن له ابناً من امرأة كان على علاقة غير شرعية بها، فكان ذلك دليلاً له على أنه سليم وليس سبباً في العقم.

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/27 الساعة 02:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/27 الساعة 02:35 بتوقيت غرينتش

توقفت فجأة عن الحديث، نظرت إليه باستغراب تبحث في عينيه عما يمكن أن يكذب شكوكها، عيناها تتوسلانه، تستعطفانه كي لا ينطق بما تخشاه.

لم ينظر إليها؛ بل تابع مؤكداً: أنا لم أتزوج امرأة قبلك قط، لكنني "ككل العزاب" كنت أعرف إحدى النساء قبل زواجنا، لم أكن أعلم أن لي ابناً منها، تخلت عنه لجمعية خيرية فتبنته إحدى الأسر.

غضبت بعدها زوجته، لا لشيء سوى لأنه يبحث عن ابن من دمه، لكنه لا يحمل اسمه، ولم تعاتبه سوى لإصراره على البحث عنه.

أذكر أنه مر على مشاهدتي هذا الفيلم قرابة السنتين، فقد كان إنتاجاً مغربياً شاهدته يومها أملاً في اكتشاف إنتاج محلي جيد، وخلافاً لكثير من الأفلام المغربية التي كانت في كل مرة تخيب ظني إلا أن فيلم "راجل حليمة" استطاع لفت انتباهي، فرغم بساطته فإنه أثار موضوعاً مطروحاً بقوة في مجتمعنا العربي المسلم.

"نعم.. ككل العزاب أنا.. ككل العزاب.. ككل.. ككل.." ظلَّت تتردد هذه الكلمات في أذنيّ، تقرع طبليهما قرعاً فتوقفت كل حواسي، حادة هي لدرجة إتلاف كل الأجهزة والأوردة، هزت كياني هزاً عنيفاً، ورحت أتأملها.

هي قصة زوجين سعيدين لكنهما لم يرزقا بطفل ولم يرغبا في الخضوع لفحوصات طبية، فقررا أن يتبنيا طفلاً من الميتم حتى لا تتدهور علاقتهما، اكتشف الزوج بعدها أن له ابناً من امرأة كان على علاقة غير شرعية بها، فكان ذلك دليلاً له على أنه سليم وليس سبباً في العقم.

قضيت بقية الفيلم أتناقش ونفسي عن مدى صحة هذه الفكرة السائدة -علاقات ما قبل الزواج- في مجتمعنا، والتي يعززها في كل فرصة إعلامنا المحترم.

أكان الكاتب يريد لفت الانتباه لفكرة العلاقات غير الشرعية ما قبل الزواج التي يتبناها العديد من الشباب وكأنها ضرورة من الضرورات ومسلَّمة من المسلمات التي لا نقاش فيها؟.. غير أن ردة فعل الزوجة لم تدل على أي انتقاد، أم أن الكاتب يؤكد أن "كل" الشباب باختلاف فكرهم وتربيتهم حقيقة واحدة؛ لأن تعميم العلاقات ما قبل الزواج وما جاورها من أفعال يستبيحها الشباب تحت غطاء الحرية والعزوبية على باقي المجتمع بصيغة الجمع خطأ وظلم في حق الكثيرين.

صحيح أن الإعلام أراد تثبيت الفكرة من خلال كل برامجه من أفلام ومسلسلات، وحتى إشهارات تدور دائماً حول العلاقات والخيانات والغراميات، فأصبح الطفل في مجتمعنا ينتظر المراهقة لينتفض على محيطه، ثم يصبح شاباً يستبيح كل مكروه ومحرم؛ ليتوب -إن فعل- "بعد الزواج"، وهذا حقا محزن؛ لأنه بعيد على أن يكون بالنموذج الإسلامي الذي عاش رسولنا الكريم يدعو إليه ويرسي دعائمه.

لن أناقش حكم هذا الفعل الذي يسميه الشباب علاقات ما قبل الزواج، وإنما أحب أن أسمّي أولاً الأشياء بمسمياتها، وأذكرهم بأن هذا الفعل ليس إلا "زنا" وحكم الزنا في الإسلام لا يختلف عليه اثنان، وهو حرام لكونه من أكبر الكبائر، ثم إن الله -سبحانه- أوضح لبشاعة الفعل جزاء الزاني في الدنيا والآخرة، كما أني لن أدخل أيضاً في سرد الآثار السلبية لهذه الرذيلة داخل المجتمع، التي لا يبصرها ولا يعيها إلا غافل.

الصراحة أن ما ضايقني في الفيلم لم يكن فقط أمر الزنا الذي يسقط فيه العديد من الشباب ذكوراً كانوا أم إناثاً بسبب الجهل والبعد عن الدين، المؤلم أن يجمع الكاتب بلفظ "الكل" جميع الشباب في نفس الخانة، والأكثر ألماً أن تكون ردة فعل الزوجة عابرة، كأنه يحدثها عن إحدى بطولاته الشبابية.

كيف يمكن الاطمئنان لشخص رجلاً كان أو امرأة لم يكن يعير اهتماماً لحدود الله؟ ولا يلقي بالاً حتى للتوبة؟ كيف يلعب دور الصالح ويبحث عن شريك حياته بمواصفات يتوهم أنه يتصف بها؟ كيف يستطيع بناء حياة مطمئنة على أسس هشة من كذب وخداع؟

لم ينتقد الكاتب الفكرة، بل وثَّقها وغلَّفها وأثبتها، ما أشعرني بالغيظ لتجرُّئه على القيم الإسلامية والمجتمعية الخاصة، وفي نفس الوقت بالحزن الشديد على إعلام بلدي الذي لا يأبى إلا نشر الرذيلة سيما في قالب شهي.

تمنيت أن أقابل الكاتب والمخرج والمصور، تمنيت أن أقابل صاحب الفكرة، الممثلة والممثل، أردت أن أخبرهم بما لا يعرفونه عن مجتمعنا المغربي والإسلامي عامة.
نعم.. هناك دائماً أشخاص مميزون، أرواح نقية تقية، شباب لا تغريهم تلك الأسماء السخيفة من مراهقة أو عزوبية، صداقات أو علاقات خارج إطار الزواج، شباب يعرفون حق الله، ويقفون عند حدوده؛ لأنهم يعلمون أنه لولاه لما كان لهم وجود، ولما كان لهم مأوى ولا مأكل ولا مشرب ولا ملبس، لما كان لهم حواس ولما كان لهم أحباب ولا مستقبل، شباب يعرفون خالقهم، ويعيشون باليقين أن "الخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ".
ولعلم الله -سبحانه- أنهم شباب صابرون، كافأهم بظله يوم لا ظل إلا ظله:" فذلك شاب نشأ في طاعة الله، وذاك شاب دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله.

باختصار هم شباب بأخلاق يوسف ومريم عليهما السلام.
خلاصة القول: لا تسألني كم هم؟ أو أين هم؟ يكفيني أني أعلم أنهم موجودون في كل مكان، تعرفهم من سماتهم وحيائهم، . لذلك سأظل أدافع عن وجود هذه الثلة الهادئة التي يريدون إقصاءها غصباً من مجتمعنا الإسلامي، تلك المجموعة من المراهقين والشباب من الرجال والنساء، الذين لا يزالون يحافظون على العهد مع الله، ويعملون جاهدين على إبقاء فتيله مشتعلاً، تلك المجموعة التي يختنق صوتها وسط ضجيج الإعلام الفاسد، تلك الأرواح الطاهرة التي لم تدنسها قشور الحضارة الزائفة والتي لا تزال وستبقى حتى يرث الله الأرض ومَن عليها.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد