مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 تظهر عدة تساؤلات حول مصير أصوات مسلمي أميركا، لمن يصوتون.. للمرشح الجمهوري المثير للجدل دونالد ترامب والذي يراه البعض خطراً، أم لكلينتون التي لا يشعر معها آخرون بالطمأنينة.
يقول محمد مبارك، المحامي وأحد النشطاء السياسيين المسلمين الأميركيين، إن "هذه أسهل انتخابات يمكن أن يضمن فيها المرشحون أصواتَ الناخبين المسلمين"، بينما يهزّ العديد من النشطاء رؤوسَهم بالإيجاب، بحسب تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية.
إن احتمال أن يصبح دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة هو أمرٌ مخيف للكثير من الناخبين المسلمين، كما تقول مجموعة الناشطين لفاروق ميثا، لكن على الجانب الآخر، لا تتمتع هيلاري كلينتون أيضاً بشعبية كبيرة. فقد دعم الكثير من المسلمين السيناتور بيرني ساندرز أثناء الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، إذ بدت كلينتون متشددة بالنسبة لهم، وحتى لو دعمها بعضهم اليوم فإنهم لا يزالون يرونها كذلك.
هناك أيضاً ناخبون من أمثال أوز سلطان، وهو محلل ومعلّق في مجال مكافحة الإرهاب يقيم في نيويورك، ويصف نفسه بأنه "محافظٌ إلى الأبد".
يقول أوز سلطان، في تصريحٍ أدلى به الأربعاء الماضي من منزله في هارلم بعد مشاهدة ترامب متحدّثاً في منتدى للأمن القومي "لا أعتقد أن هيلاري كلينتون لديها القدرة على تأمين بلادنا".
ولأن اهتمام سلطان الأكبر هو تنظيم "الدولة الإسلامية"، فإن هيلاري كلينتون "قد أسرفت في زعزعة الاستقرار" كما يقول سلطان، في إشارة إلى تدخل الإدارة الأميركية في ليبيا، حين كانت كلينتون وزيرةً للخارجية الأميركية.
ويتنوّع توزيع الناخبين المسلمين المسجّلين بشكل كبير، مشكِّلين جمهوراً متنامياً من الناخبين. ويحاول ميثا—34 عاماً، وقد أصبح مدير التواصل مع الناخبين المسلمين في حملة كلينتون—خطبَ وُدّ هؤلاء جميعاً.
كلينتون تتواصل مع المسلمين
عائداً إلى مدينته التي نشأ فيها والواقعة على ساحل خليج المكسيك، توقّع ميثا نقاشاً صعباً. فقد أدار عدة نقاشات في ميتشغان، وأوهايو، وڤيرجينيا، ويعرف أيضاً أن بعض المسلمين في مدينته يرون أن كلينتون تميل بشدة إلى اليمين أو الوسط في القضايا المتعلقة بالتجسس والسياسات الأميركية في الشرق الأوسط.
وكانت حجته التي قالها لأصدقائه "لا أعتقد أن هناك حملة انتخابية رئاسية قد وظّفت أحداً من قبل للتواصل مع الناخبين المسلمين". فقد اطّلعت حملة كلينتون على أعداد الناخبين، ومن ثمّ لجأت إلى هذه الوسيلة للتواصل مع قطاع عريض من الناخبين يمكنه أن يقرر مصير الانتخابات في عدد من الولايات المتأرجحة؛ حيث تراجع داعمو كلينتون منذ انعقاد مؤتمر الحزب الديمقراطي في يوليو/تمّوز الماضي.
ففي ولاية فلوريدا، على سبيل المثال، تخوض كلينتون سباقاً محتدماً وتنافساً محموماً مع ترامب. وتظل ولاية فلوريدا هي الولاية التي حسم 537 من ناخبيها السباق الرئاسي في عام 2000 لصالح الجمهوري جورج بوش، في حين يصل عدد الناخبين المسلمين والعرب والآسيويين فيها إلى حوالي 180 ألفاً، حسب تقديرات منظمة إميرج أميركا.
قبل عامين، كانت التقديرات عن تعداد المسلمين في الولايات المتحدة الأميركية تصل إلى 1٪ من تعداد السكان، حسب دراسة المشهد الديني الصادرة عام 2014 عن مركز بيو للأبحاث. إلا أن تعداد المسلمين ظلّ في تنامٍ مستمر؛ لتصل تقديرات إميرج أميركا—وهي منظمة تجمع بيانات عن الناخبين المسلمين ولها لجنة للعمل السياسي من أجل دعم المرشحين—إلى حوالي 2٪ من تعداد السكّان.
وفي ولايات فلوريدا، وميتشغان، وأوهايو، وپنسلڤانيا، وڤيرجينيا "وحدهم، هناك ما يقارب مليون ناخب مسلم" حسبما قال خوروم وحيد، مؤسس منظمة إميرج والمحامي المقيم في ميامي، فلوريدا. وأضاف أيضاً "بوجود معدل مناسب من المشاركة الانتخابية، يمكن أن يحسم الناخبون المسلمون النتائج في كلٍّ من الانتخابات الرئاسية والنيابيّة".
يميلون للديمقراطي
ويميل اليوم أكثر الناخبين المسلمين إلى الحزب الديمقراطي، حسب دراسة لمركز بيو.
وفي العقود الأخيرة، فإن أكثرهم كانوا يميلون إلى الاتجاه المحافظ ماليّاً، مع دعم للرعاية الأسرية، ورغبة في رؤية مدنهم تتخذ موقفاً حازماً من ارتفاع معدل الجرائم.
وتشير استقصاءات أجراها مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (CAIR) إلى أن ائتلاف المسلمين الأميركيين وجد في أعقاب انتخابات 2000، حين فاز الجمهوري جورج بوش بالرئاسة، أن ما بين 72 إلى 80% من المسلمين الذين شملتهم الدراسات قالوا أنهم صوّتوا لصالحه. لكن بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وخطابات بوش الدينية وقراره بغزو العراق وأفغانستان، فإن غالبية المسلمين بدأوا بالاتجاه إلى التصويت لصالح الحزب الديمقراطي.
وفي نفس الوقت، يعدّ المسلمون الأميركيون بشكل عام غير نشطاء سياسيّاً مقارنة ببقية المواطنين الأميركيين. بلغت نسبة المواطنين الأميركيين المسلمين الذين كانوا متأكدين من تسجيلهم بكشوف الناخبين 62٪ فقط مقارنةً بنسبة 74٪ من المواطنين الأميركيين بشكل عام، حسب مركز بيو.
وللوصول إلى هؤلاء الناخبين، عيّنت حملة كلينتون منسّقَين على مستوى الولايات للتواصل مع الناخبين المسلمين. وسيتعاون هذان المنسّقَان مع فاروق ميثا. وقد أوفدت حملة كلينتون النائب عن ولاية مينيسوتا كيث إليسون، وهو أول نائب مسلم في الكونجرس الأميركي، وكذلك هُما عابدين، المستشارة المقرّبة من هيلاري كلينتون ونائبة مديرة حملتها الانتخابية، إلى عدد من الولايات التي ما زالت بحاجة إلى حسم نتائج التصويت فيها.
ويقدّر إليسون أنه التقى عشرَ مجموعات من الناخبين المسلمين على الأقل منذ انعقاد مؤتمر الحزب الديمقراطي في شهر يوليو/تمّوز الماضي. وقد زار في أحد الصباحات عيادة طبيب في مدينة أولاندو بولاية فلوريدا، حيث كانت حملة كلينتون تعقد مبادرة لاستقطاب الناخبين والمتطوعين المسلمين وحثّهم على التصويت لصالح كلينتون.
وفي مقاطعته الأم، مقاطعة مينابوليس، حيث كان لقاؤه مع قادة الأوساط الصومالية-الأميركية التي تنتمي إليها هُما عابدين، قال إليسون إن كلينتون دافعت عن حقوق الأطفال، ودعمت عابدين حين هاجمها ترامب، وأنها تحملت الكثير لتلتقي مع المسلمين.
ويضيف في خطاب له أمام حملة المتطوّعين لاستقطاب أصوات المسلمين "حملة كلينتون أكثر احتواءً للمسلمين من أيّة حملة رئاسية رأيتها من قبل". وقد كان المتطوعون ما بين أطباء ومحامين وطلبة جامعيين، وأميركيين من أصول فلسطينيّة وغويانية وكينية وآخرين.
التنوع الهائل
أحد التحديات التي تواجه كلينتون هو التنوع الهائل للسكان. فبحسب مركز بيو للأبحاث، يمثل السود حوالي ثلث المسلمين الأميركيين، ويرتبط بعضهم بجذور عميقة مع الطائفة الأميركية المميزة المعروفة باسم أمة الإسلام. بينما تبلغ نسبة المهاجرين أو أبناء المهاجرين حوالي 8 من كل 10. ويأتي المسلمون الأميركيون من خلفيات عرقية ولغوية وثقافية متعددة، ممتدين على طول الطيف الاقتصادي، كما قد يحملون آراء وأولويات سياسية متباينة، حسبما يرى قادة المجتمع.
من المرجح حتى أن يصوت بعضهم، مثل سلطان، لترامب الذي دعا إلى حظر المهاجرين المسلمين ومراقبة المساجد.
"أنا أعرف ثلاثة أطباء بشكل شخصي" سيصوتون له، هكذا قال الباحث الإسلامي أزهر سوبيدار لميثا في تامبا.
لم تُجب حملة ترامب على الأسئلة التي وُجهت لها حول إن كانت تحاول جذب الناخبين المسلمين أم تعتبر هذا الجمهور من الناخبين نقطة تحول محتملة في أي من الولايات المتأرجحة.
في هذه الجولة، ارتفعت جهود الحث على التصويت في المجتمعات المسلمة. وعقدت حملة كلينتون ومنظمة إميرج أميركا Emerge USA والمعهد العربي الأميركي في واشنطن، ومجلس العلاقات الأميركية الإسلامية CAIR وغيرها من المنظمات المحلية الأصغر حجماً، ومن ضمنها المساجد، حملات لتسجيل الناخبين وندوات المرشحين وحملات الهاتف.
تقول الناشطة السورية الأميركية، منى جندي، المحامية في فلينت بميتشغان، "من الواضح أن هذه الانتخابات تمتلك حساً ملحاً وضرورياً لم نشعر به من قبل"، متابعةً "لأن الخيار ليس بين ديمقراطي وجمهوري فقط، بل بين فاشي وشخص آخر".
كما قال إليسون لمتطوعي الحملات الهاتفية في أورلاندو "لم يشهد تاريخ أميركا حزباً رئيسياً يدعو أحد أعضائه للتعصب الأعمى في ميكروفون. لا يمكن لمسلم الجلوس والقبول بحدوث هذا".
بينما يرى جيمس زغبي، مدير المعهد العربي الأميركي، الذي عمل مستشاراً لحملة ساندرز، أن عامل ترامب "لا يؤثر في الجميع".
وقال إليسون، الذي دعم ساندرز أيضاً، أن الدعم لساندرز وسط الناخبين المسلمين كان "عظيماً". مازالت صفحة فيسبوك "مسلمون من أجل بيرني 2016" موجودة مع 7,465 إعجاباً. بينما تضم مجموعة مسلمون من أجل هيلاري 2016 على فيسبوك 820 عضواً، ومسلمون لأجل ترامب 428 عضواً.
يرى مناصرو ساندرز أن عضو مجلس الشيوخ عن ولاية فيرمونت خاطب القضايا المحورية التي تهم الناخبين المسلمين مثل الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، على العكس من كلينتون.
وقال نورين حيدر (31 عاماً) المرشح كمفوض عن أورانج كاونتي في فلوريدا، "كانت هذه قضية لطالما وُجدَت في مجتمعنا". وأضاف محمد شير (23 عاماً) "لكنه جلبها إلى دائرة الضوء"، وهو طالب القانون الذي يخطط للتصويت لمرشح حزب الخضر جيل شتاين.
أما إليسون فيحاول تذكير المسلمين المحرومين من حقوقهم الذين دعموا ساندرز بأن كلينتون قد قامت بالكثير من الخير. مخبراً إياهم عن ندمها للتصويت لصالح حرب العراق، وأن هناك تصويتات برلمانية ندم عليها هو الآخر.
البديل خطر
وأضاف "أخبرهم أيضاً: سيكون هناك رئيس وهو لن يكون أحد مرشحي حزب ثالث، سيكون إما الديمقراطي أو الجمهوري، لذا افهموا الخطر الحالي الواضح الذي يمثله البديل".
يدفع هذا الخيار الثنائي بعض المسلمين للشعور بأنه ليس أمامهم خيار. هكذا أخبرت أمينة صبهيق، المدير الإقليمي لإميرج في خليج تامبا، ميثا والآخرين الذين تجمعوا في المسجد في تامبا.
بينما قال مبارك، المحامي في تامبا، أنه ندم على التصويت للرئيس أوباما، والسياسة التي اتبعتها الإدارة الأميركية في رأيه فيما يخص تصاعد الرقابة الفيدرالية على المسلمين.
يرغب مبارك في أن يؤمن بأن كلينتون ستكون مختلفة. لكن "المشكلة أننا تضرّرنا عدة مرات. ونحن متعبون جراء ذلك".
بالنسبة لأولئك الناخبين، تقدم تصريحات كلينتون حول مختلف القضايا القليل من الاطمئنان.
يبدأ تفسير موقعها الإلكتروني لموقفها حول مواجهة الإرهاب بعبارة "الجهاديين المتطرفين" وهو المصطلح الذي يرى فيه بعض الناشطين المسلمين إساءة للإسلام. بينما تشير صفحة الأمن الداخلي الخاصة بها إلى "حماية إسرائيل" في حين لا توجد إشارة شبيهة نحو الفلسطينيين والسوريين، وهو ما يعبر بعض الناخبين عن رغبتهم في رؤيته. وفي خطابها الذي ألقته أمام لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية، إحدى جماعات الضغط المساندة للحقوق الإسرائيلية والتي يعارضها العديد من اليهود الأميركيين الليبراليين، في مارس/آذار الماضي، أشارت إلى "الإرهابيين الفلسطينيين" مرتين.
بينما قالت غزالة سلام، مبعوثة كلينتون في مؤتمر الحزب الديمقراطي في يوليو/ تموز والتي ترأس التجمع الديمقراطي الإسلامي في فلوريدا، أن وزيرة الخارجية السابقة هي ببساطة الأقدرعلى القيام بهذه المهمة والأكثر تأهيلاً. وأضافت سلام أنه بغض النظر عن إعجابك بجميع سياساتها من عدمه، فهي تعرف كيف تتعامل مع العالم الخارجي.
وتابعت أيضاً أن الناخبين المسلمين المتشككين سيصلون إلى نفس النتيجة في النهاية، وأن قرارهم القادم سيكون محورياً في مستقبل مشاركة المسلمين في سياسات الولايات المتحدة.
لو أن المسلمين كانوا أكثر انخراطاً في المجال السياسي قبل حملة 2016 "لما سمعنا بظهور شخص مثل ترامب ليقول علانية ما قاله بشأن المسلمين" هكذا قالت سلام قبل أن تتابع "علينا أن نبادر بالانخراط في كل المستويات الحكومية لئلا يحدث ذلك مجدداً".
•هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Washington Post الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.