نادرةٌ وشحيحةٌ هي الأوقاتُ التي تجعلك ترى بأمِّ عينيك أستاذاً يتلقى لكماتٍ على وجهه ولا أحد يُحرِّكُ ساكناً.
لقد أخطأ الإمام الشافعي حينما قال:
اصبر على مُرّ الجفا من معلم ** فإنَّ رسوب العلم في نفراته
لا، بل أصبح الأستاذ عبارة عن دمية تقف أمام السبورة في القسم.
لقد أصبحت مشكلة العنف المدرسي من أكبر المشاكل التي انتشرت في الوقت الراهن، وقد ساهمت التقنية في انتشارِ هذه الظاهرة.
ما زلتُ أتذكر في وقتٍ سابق أنني تلقيت ضرباً مُبرحاً من طرف أحد الأساتذة ولم أتكلَّم، خرجت منحنيَّ الرأس والدُّموعُ ملتهبةٌ في عينيّ الغائرتين.
إننا نعيشُ الآن في مجتمعٍ متخلف فكرياً وثقافياً، هذا التخلُّف هو السبب وراء الانحطاط الفكري للشباب.
الأب له دورٌ فعال داخل الأسرة، والأم كذلك، ولكن بواسطة التقنية تم قطع حبلِ التواصل مع أبنائهم، وهذا الانفصال جعل الشباب في حالة هيجان ويضربون كلّ من هبَّ ودب.
نعيشُ في عصر التكنولوجيا والعلم والانفجار الديموغرافي، هذا ما سهَّلَ تداول ذلك الفيديو على نطاقٍ واسع؛ هذا الفيديو يوثِّقُ بكلِّ ما تحملُ الكلمة من معنى ودلالة تعرُّض الأستاذ للضرب المُبرح من طرف أحد تلامذته، وجَّه التلميذ لكمات قوية تُضاهي لكمات الأسطورة "محمد علي كلاي"، بفعلِ هذه اللَّكمات سقطَ الأستاذُ أرضاً، والتلاميذ يقهقهون قهقهة مكرٍ وخداع، الأستاذ المسكين سقط مغمياً عليه، والتلميذ أصبح يلقَّب بين زملائهِ بـ"البطل"، إنَّه لفظٌ وهميٌّ انطلى عليه.
الأستاذ في حسرةٍ من أمره، لسعتهُ حسرةٌ أليمة؛ لأنَّ الآية انقلبت، فأصبح تلميذاً في مقتبلِ العمر ينقضُّ على أستاذ كانقضاضِ أسدٍ على فريسته، انْتُهِكَت حقوقُ الأستاذ، جاء في الصباح الباكر والبرد يداعبُ وجهه، وهدفه هو إلقاء درسه على أحسن ما يُرام ونشرهِ للمعرفة، وإذا به يتلقى شتات اللَّكمات.
إنَّ ظاهرة العنف المدرسي في عصرنا ما هي إلا نتاج لتربية الأسرة، فالابن تتمحور في ذهنه فكرة العنف في كلّ مكان، في الشارع، في المدرسة، بل قد يَصِلُ به الأمر أنْ يقوم بالعنف سواءٌ كان عنفاً لفظياً أو جسدياً.
يجب التدخُّل لتهديم مداميك العنف وإلا سنصلُ إلى ما لا تحمدُ عُقباه، حينها الحلول النَّاجعة لن تنفع من أجل الحدِّ من هذه الظاهرة المستعصية.
أنا لا أنكرُ أنَّ هناك بعض الأساتذة والمعلمين ما زالوا يتخذونَ من العنفِ وسيلةً في التربية، وهنا يجب التأكيد وبإقرار على أنَّ هذا الجيل ليس جيلَ العنف وإبراحه ضرباً وقول كلماتٍ نابية داخل القسم، شتانَ بين جيلِ الثمانينات الذي أطلقُ عليه الجيل الذهبي، حينها كان التعليم في أوج عطائه، وكانَ مستوى التلاميذ يعيشُ أزهى أيامه.
أما الآن ما عليك أيُّها الأستاذ سوى أن تستعملَ قلمك الأحمر وتخرج بأقلِّ الأضرار، جيلُ التقنية لا يمكنك تربيتهُ بالعنف.
أنا لا أدافعُ عن أيِّ أحد، فالتلميذ والمعلم كلاهما يستخدم العنف إلا البعض من صنعوا الفارِق، وكان بينهما حبلُ التواصلِ ليِّناً، هنا يمكن الحديثُ عن تلميذ ناضج فكرياً، ومتمكِّن معرفياً، فإنَّ التعليم سيصبحُ حقيقة في المغرب، أما الآن فالتعليم في المغرب مجرَّد إشاعة.
كحلِّ من الحلول النَّاجعة هو توطيدُ العلاقة بين الأستاذ والتلميذ، والتعامل مع التلميذ كصديق وليس كتلميذ، وحبذا لو أنَّ الأستاذ يقوم بالتخلِّي عن سُلطتهِ، وأنْ يجعل باب الاحترام مفتوحاً على مصراعَيه، هذا إنْ أردنا إحياءَ معالِمِ التعليم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.