الأستاذ هو اللقب المفضَّل لأغلبية الصحفيين الشبان الذين عملوا مع أحد عرابي الإعلام العربي في العصر الحديث يسري فودة.. أصَّل الأستاذ لمدرسة جديدة في العمل الصحفي في الوطن العربي عبر التحقيقات الاستقصائية التي أجراها على مراحل مختلفة هامة، أولاها كان عبر برنامج سري للغاية الذي أحدث نقلة نوعية في العمل الإعلامي عندما انطلق ليُسلط الضوء بشكل مكثف على زوايا عدة من كل قضية حيوية تناولها البرنامج، انتقالاً بعد ذلك إلى وحدة التحقيقات الاستقصائية التي أنشأها فودة في برنامجه آخر كلام؛ حيث أخرج لنا مجموعة متميزة من الصحفيين المهنيين، الذين لا شك في أنهم سيكونون رواد الإعلام العربي في مرحلة لاحقة.
لم يكتفِ فودة بهذا الدور، بل كان المدرب المفضل لأغلبية الصحفيين الذين التحقوا بالدورات التدريبية لمؤسسة أريج للصحافة الاستقصائية، وها هو الآن يقدم شكلاً جديداً معاصراً من البرامج التليفزيونية ذات إيقاع سريع يتماشى مع ثورة وسائل التواصل الاجتماعي من خلال برنامج السلطة الخامسة.
لطالما حلمت أكون من رجال الأستاذ، منذ أن اتخذت قراراً مصيرياً صادماً لأسرتي بأنني سألتحق بالقسم الأدبي في مرحلة الثانوية العامة، في وقت كان هذا عاراً للأسر أصحاب الأبناء الملتحقين بالكليات العلمية، لكن حلقات الأستاذ في برنامج سري للغاية كانت ملهمة بشكل كافٍ لتغير المسار من كلية الهندسة التي كانت تريدها أمي إلى كلية الإعلام، أولى الخطوات اللازمة من وجهة نظري لدخول مدرسة الأستاذ.
توقَّف سري للغاية وعاد الأستاذ إلى القاهرة لبداية تجربة جديدة عبر برنامج آخر كلام، الذي كان يمثل الصوت المهني الموضوعي إلى جانب نماذج قليلة بين برامج المساء النقاشية على الساحة الإعلامية المصرية، خاصة بعد ثورة يناير/كانون الثاني، أفرز البرنامج مجموعة من الصحفيين الشبان أطلق عليهم دائماً مسمى "كل رجال الأستاذ" الذين كانوا عَصب البرنامج تحريرياً وميدانياً، نشأ بيني وبين هؤلاء الرجال علاقة تقدير ومحبة وإعجاب من جانبي لحرفتهم الواضحة في العمل الصحفي، فعندما سنحت لي الفرصة لمعرفة بعضهم ومهاتفة بعضهم ومراسلة آخرين، كان القاسم المشترك بينهم عدة صفات، أبرزها الشغف بالمهنة، والتواضع الجم، والحرفية الواضحة.
ومتابعتي الدائمة لآخر كلام وما يقدم فيه على أيدي صحفيين واعدين كان يجعلني أتساءل من أين؟ وكيف أدخل هذه المدرسة؟ لأكون أحد تلاميذ الأستاذ، ولكن توقف آخر كلام بعد أن ضاق بالبرنامج مساحة الحرية -المحدودة حتى- التي تسمح بتقديم محتوى مهني موضوعي كما عوَّدنا الأستاذ، وكان توقف البرنامج بمثابة الصدمة لي، وأعتقد لكثيرين، وشعرت وقتها أن حلم العمل مع الأستاذ قد انتهى؛ لأنني أعرف أن الأستاذ لن يعود إلى الشاشة بسهولة عبر أي منصة وحسب.
وبالفعل ابتعد الأستاذ لمدة سنتين وتفرق كل رجال الأستاذ في أنحاء شتى ما بين صحف وشركات إنتاج إعلامي ومؤسسات تدريبية، ولكن ما كان يجمعهم مستمر وملحوظ في أعمالهم المختلفة، وهي مدرسة الأستاذ للعمل الصحفي المهني الموضوعي.
عاد الأستاذ للظهور من جديد عبر برنامج السلطة الخامسة، وعاد الحلم يتجدد في عقلي بأن ألتحق بمدرسة الأستاذ، وهذه المرة حاولت أن أتواصل مع الأستاذ بشكل مباشر أطلب النصيحة، أطلب الدليل، أطلب السبيل إلى مدرسة الأستاذ، وكان رده دقيقاً كالآتي: "شكراً حمدي على كلماتك الطيبة، وعذراً للتأخر في الرد، أنصحك أولاً بالاعتراف لنفسك بما ليس لديك حتى تكون لديك فرصة لوضع إصبعك على ما يمكن أن تتميز به، سيساعدك على ذلك أن تلقي بنفسك إلى معترك استكمال أدواتك المهنية عن طريق مزيج من التدريب والمحاولة والخطأ، قبل أن تجيب على هذا السؤال: ما الذي أستمتع به حقاً وأنا أفعله؟ كن صادقاً مع نفسك في مواجهة هذا السؤال حتى لو كانت الإجابة لا تتوافق مع رؤيتك لتطلعاتك أو لتطلعات الآخرين.. وربنا يوفقك". كانت تلك الكلمات ملهمة بحق، وأزعم أني أقتدي بها وأعمل عليها الآن حتى يتحقق حلمي يوماً ما.
ختاماً أودّ أن أرسل إلى كل رجال الأستاذ مَن يعرفني شخصياَ ومَن لا يعرفني بالمرة رسالة مفادها: " إلى الصحفي خباب عبد المقصود، إلى الصحفي محمود الواقع، إلى الصحفي محمد صلاح الدين، إلى الصحفي أحمد يحيى، إلى الصحفي كريم فريد، إلى الصحفي أحمد سليمان، إلى الصحفي أحمد رجب، إلى الصحفي مصطفى المرصفاوي، إلى الصحفي على شعبان السطوحي.. إلى جميع الصحفيين الذين مروا على مدرسة الأستاذ، أنتم فخر للإعلام العربي.. أنتم رواد الإعلام العربي قريباً.. أخيراً بالبلدي – انتو حاجة حلوة قوي واستمروا وحافظوا على مبادئكم وثوابتكم في العمل الصحفي- لكم كل التوفيق".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.