لم يحدث أن مرّت الجزائر بفترة قاسية وعصيبة وضبابية كما الآن. الرئاسة شاغرة بفعل مرض الرئيس بوتفليقة.. إذْ كل ما نشاهده عن الرئيس بعضُ الصور في نشرة الثامنة مساءً وبضعة كلمات ترددهم المذيعة كمثل التقى الرئيس ووجه رسالة خطية إلى نظيره فلان وهنأ الفريق الوطني .
لم يحدث أن أحسّ الناس بالفراغ كاليوم.. الحكومة هشة وتائهة ولا تدري ما تفعل وقراراتها فيها كثير من التهور والعشوائية وعدم الثقة والارتباك والغموض.. أما عن البرلمان فحدث ولا حرج فهو تابع للحكومة كغرفة تسجيل القوانين بلا شخصية ولا هوية ولا قرار.. نواب وما هم بنواب.. لا يمتون للشعب بصلة.. لا يهتمون إلا بمحيطهم وولاءاتهم، لا ينظرون إلا لرواتبهم وعلاقاتهم وعقاراتهم والتخطيط للمستقبل.. طبعاً مستقبل أبنائهم وأحفادهم.. ما يحدث من فراغ وسير نحو المجهول، بل هو مهلك ومنذر بخطر وعواقب وخيمة ليست في صالح البلد.. وربما كارثة لا قدر الله .
الجزائر تعيش وضعية مفصلية وصعبة.. ليست اقتصادية على خلفية تدهور أسعار النفط ونفاد مخزون الاحتياطي في البنك المركزي فحسب.. بل سياسية بامتياز.. إنّها تكلفة مصادرة إرادة الشعب واللعب بسيادته وصوته وإبعاده عن صنع القرار.. إنّه الحصاد المُّر من سنوات التلاعب بمصير البلاد وثرواتها ورهن مستقبلها.. وسياسة الهروب إلى الأمام ومراكمة المشاكل العالقة من حكومة لحكومة ومن فترة لفترة أخرى.
القلق والغموض المتفاقمان أدّيا إلى حالة عارمة من الشك في الوضع الاستثنائي، لم تترك بصيص أمل في الشارع الجزائري وفي الطبقة السياسية.. وحتى محيط السلطة ومحيط الرئيس بدآ ينتفضان ويطالبان بكشف ملابسات المرحلة ويطرحان التساؤلات الحارقة حول مَنْ يحكم باسم الرئيس؟ ومن يصدر القرارات؟ وهل هي صادرة عن السلطة أم عن أشخاص؟ وهل القرارات الصادرة في صالح الشعب والأمة أم في صالح العُصب المتصارعة من أجل المال والريع وشراء الشركات وتقاسم أموال الشعب وتفقير البلد وتصحير الاقتصاد؟
ما الحل؟ الحل هو الرجوع إلى الشعب صاحب الكلمة ومالك السيادة ليقول كلمته ويختار من يحكمه بوضوح وشفافية بعيداً عن الوصاية والتحايل والضبابية.. الحل هو أن تنبثق المرحلة على توافق وطني من أجل حل شامل لأزمة الشرعية.. الحل هو أن يتخلى الأنانيون عن أنانيتهم، ويبتعد المصلحيون عن صنع القرار والوصاية على الشعب.. الحل أن تجد البلد طريقها نحو الحل الديمقراطي الانتخابي العادل والشامل، من دون إقصاء ولا احتقار لأي فصيل سياسي قانوني.
الحل أن يتحد الجميع من أجل تلافي المخاطر والمهالك والرجوع إلى جادة الصواب.. الحل هو النظر إلى مستقبل الأجيال الجديدة الطامحة للحرية والعدل والكرامة.. الحل هو بناء جزائر الغد البعيدة عن الحلول الآنية والاستعجالية.. جزائر لكل أبنائها من تاء تبسة إلى تاء تلمسان.. ومن تاء تيزي وزو إلى تاء تمنراست.. جزائر الأمل والعمل والطموح والتفاؤل.. والاستقرار والاستثمار.. جزائر واحدة موحدة سائرة في طريق النجاح.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.