قبل أن يدور البشر حول مدار الأرض ويصلوا إلى القمر وقريباً المريخ، أرسلوا الحيوانات لاختبار تأثير الأشعة على الكائنات الحية، وكيفية عيشها خارج حماية الطبقات الجوية. ماذا حل بهذه الحيوانات وهل من الأخلاقي المغامرة بحياتها تمهيداً لمغامرات البشر؟
تعد الكلبة لايكا ( التي تعني بالروسية النبّاحة) أشهر حيوانة زارت الفضاء. ورغم أنها قضت اللحظات الأخيرة من حياتها على الأرض داخل مركبة سوفيتية من دون نوافذ في انتظار انطلاقها نحو الفضاء، لكنها حظيت بشهرةٍ مذهلةٍ انتشرت بسرعةٍ صاروخيةٍ في 1957، بعد التقاطها من أحد شوارع موسكو وتدريبها على عجل، ثم إطلاقها في الفضاء.
أسفرت تلك الرحلة المشؤومة عن ارتفاع درجة حرارة لايكا وموتها بعد 5 ساعاتٍ من انطلاق الرحلة.
ولكن مع ذلك، يُشكل حدث إطلاق سبوتنيك 2 – قبل 60 عاماً – لحظة حاسمة في تاريخ اكتشاف الفضاء؛ وهي المرة الثانية فقط التي تُرسَل فيها مركبة فضائية حول مدار الأرض، والمرة الأولى التي تحمل المركبة على متنها كائناً حياً.
وإذا كانت لايكا السباقة وبمثابة الرائدة في مجال الدوران حول الأرض، فقد سبقتها حيوانات أخرى، تم استخدامها باسم استكشاف الفضاء، قبل ذلك بأكثر من عقد من الزمان لاختبار حدود قدرة تحملها.
ذباب وقرود
كانت أولى الكائنات الحية التي أُرسلت إلى الفضاء الخارجي ذباب الفاكهة، وفقاً لموقع بي بي سي البريطاني، وذلك على ارتفاع 68 ميلاً داخل صاروخ نازي V2 العام 1947.
في السنوات التي تلت، أرسلت وكالة ناسا عدة قرودٍ، أطلقت عليها أسماء ألبرت الأول والثاني والثالث والرابع، وتم ربطها بأدوات رصد، لكنها ماتت جميعها.
تكتمت الوكالة على هذه التجارب حتى انطلاق رحلة قِرد يدعى يوريك (برفقة 11 فأراً) في سبتمبر 1951، عندما اعترف العلماء بأنهم أرسلوا قرداً إلى الفضاء وأعادوه إلى الأرض سالماً على قيد الحياة.
وبعد نجاح تلك الرحلة، أصبحت التجارب أكثر تعقيداً وتطوراً. ففي إحدى البعثات، وُضع الفأران ميلدريد وألبرت داخل طبل يدور حول محورٍ، بحيث يسمح لهما بالطفو خلال انعدام الوزن.
راقب العلماء السوفييت، الذين أرسلوا الفئران والجرذان والأرانب في رحلة باتجاه واحد على مدارات منخفضة المستوى، التجارب عن كثب.
ولكن من أجل جمع المعلومات اللازمة لتصميم مقصورةٍ تناسب مواصفات الإنسان، لجأ العلماء أيضاً إلى إرسال الكلاب الضالة. وفي 15 أغسطس 1951، تم إطلاق ديزيك وتسيغان، ليصبحا أول رواد فضاء شبه مداري من فصيلة الكلاب.
وأرسِل عددٌ آخرٌ في رحلات مماثلة شبه مدارية حتى تم التقاط الكلبة الضالة الهجينة لايكا – التي يُطلق عليها اسم موتنيك – من الشارع وتدريبها على مهمتها للدوران حول الأرض.
وقال مارتن بارستو، مدير معهد لايستر للفضاء ومراقبة الأرض عن مهمة لايكا إنها تمت في وقتٍ كان الناس يعرفون القليل جدا عن الفضاء، وقال لصحيفة The independent إنهم لا يعرفون ما إذا كان بإمكان الناس البقاء على قيد الحياة في الفضاء.
وأوضح أن التجارب مهدت الطريق لرِحلة يوري غاغارين العام 1961. وكان العلماء يختبرون تكنولوجيا الكبسولة التي صمموها، ويختبرون إمدادات الأكسجين، وما إذا كان الإشعاع أضر بلايكا، وما إذا كان بإمكانها النجاة خلال الرحلة.
وقال أديليا كوتوفسكايا، عالم البيولوجيا الروسي البالغ من العمر 90 عاماً، والذي ساعد في تدريب لايكا "إن هذه المدارات التسعة حول الأرض جعلت لايكا بمثابة أول رائد فضاء فى العالم، تمت التضحية بها من أجل نجاح البعثات الفضائية المستقبلية".
وقال العالم لوكالة فرانس برس: "اخترنا الكلبة بدلاً من كلب ذكرٍ، لأنها لا تضطر إلى رفع الساق للتبول مما يعني أنها بحاجة لمساحة أقل من الذكور، واخترنا كلبة مشردة، لأنها أكثر حيلة وتتطلب عناية أقل".
وكانت أولى الحيوانات التي تصل إلى الفضاء الخارجي وتعود على قيد الحياة، هي زوج من الكلاب – بيلكا وستريلكا – تم إرسالهما إلى الفضاء في 19 أغسطس 1960، وعادتا بعد يوم واحد.
وفي 1968 أرسل الاتحاد السوفياتي مركبة فضائية إلى مدار القمر تحمل على متنها سلحفاتين، وذباب النبيذ وديدان ميلورمز. ثم لحقت بها الضفادع والقطط والعناكب، لكن بمجرد هبوط البشر على سطح القمر في عام 1969، بدأ دور الحيوانات في التلاشي.
مهمة المريخ
وعاد الاهتمام والجدل، مؤخراً بشأن استخدام الحيوانات في مهام استكشاف الفضاء في القرن 21، خاصة فيما يتعلق بمحاولة إرسال البشر إلى المريخ، بحسب موقع Wired.
ويتمثل الخطر الكبير المحدق بزوار المريخ، في المستوى المرتفع جداً للإشعاع، لهذا الغرض نظرت وكالات الفضاء الأميركية والأوروبية والروسية في إرسال القرود قبل البشر.
وقال بوريس لابين، مدير معهد سوتشي للطب البريماتولوجي، إن لدى القرود والبشر تقريباً "حساسية متطابقة إزاء الجرعات الإشعاعية الصغيرة والكبيرة". وقال يُحتمل أن تكون أكبر الكائنات الحية الموجودة في مختبر المحطة الفضائية الدولية لا تزيد عن حشرات صغيرة، موضحاً أن وضع الحيوانات في الفضاء لا يختلف كثيراً عن اختبار مستحضرات التجميل عليها، وتحت رقابة صارمة.
وتُعتبر دودة "كانورهابديتيس ايليجانس" أحدث مجموعة حيوانات تصل إلى الفضاء، وقد تم اختيارها لأنها تحتوي على أجهزة عصبية وعضلية وهضمية مماثلة لأجهزة البشر. سوف تصل الديدان إلى محطة الفضاء الدولية في حدود سنة واحدة كجزء من تجربة العضلات الجزيئية.
وقال ليبي جاكسون، مدير الفضاء وبرنامج الجاذبية الصغرى في وكالة الفضاء البريطانية، لصحيفة "ذي إندبندنت" إن التجربة تهدف لدراسة كيفية تقدم الديدان في العمر خلال رحلتها إلى الفضاء وتأثر عضلاتها بانعدام الوزن".
مناهضة جماعات الرفق بالحيوان
بدورها قالت الدكتورة جوليا بينز، مستشارة السياسات العلمية في مجموعة بيتا لحقوق الحيوانات: "الحيوانات ليست رائدات فضاء، ولا تستطيع، على عكس المتطوعين من البشر، أن تمنح موافقتها لتكون موضوع تجارب أو تخاطر بحياتها في مهمة مخيفة نحو المجهول.
وأضافت إن "لايكا توفيت بسبب ارتفاع درجة الحرارة والذعر في المركبة الفضائية الصغيرة – لقد ماتت وحيدةً وفي ألمٍ شديد".
في عام 2010، كانت ناسا بصدد تنفيذ خطة لإجراء تجارب إشعاعية على قرد السنجاب، وفقاً لمقال على موقع Space، لتعلن بعد ذلك لأنها أوقفت الخطة تحت ضغوط متزايدة من مناصري حقوق الحيوان، كما ألغت وكالة الفضاء الأوروبية اختبارات على القردة.
لكن ثمة تقارير تشير إلى أن روسيا تمضي قدماً في تنفيذ خططٍ لإجراء تجارب على القردة. وتبرر ناسا إنه لولا الاختبارات التي جرت في الأيام الأولى لاستكشاف الفضاء، كان يمكن للبرامج السوفيتية والأميركية "أن تتكبد خسائر بشرية باهظة".
وأضافت الوكالة: "ضحت هذه الكائنات بحياتها وقدمت خدماتها في سبيل التقدم التكنولوجي، وعبدت بذلك الطريق أمام العديد من الإنجازات التي حققتها الإنسانية في مجال استكشاف الفضاء".