سُطِّرَ من السماء..
{قال فبعزّتك لأغوِيَنَّهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين} صدق الله تعالى.
في ضربٍ من ضروب الخيال، وسردٍ من القصص الطِوال، ومن جُعَبِ الغيبِ المُحال، تكلّمّ الشيطان للإنسيِّ الشاب بحنكةٍ وطولِ بال: "يا رفيقي أرجو لك الخير وكسب الدنيا وحلاوتها، يَخيلونني محتالاً كذّاباً سمتي الحسد، وما أريد لك يا عزيزي سوى ثمر الدنيا وعِنَبها، قد يسمِّيها البعض "كذباً" أو "شرّاً" أو حتى "حراماً"، لكن يا خليلي أنا لك قرينٌ وأنا أفهمك أكثر منهم، فليسمّوها بما أرادوا، أما أنا الغيور على مصلحتك أسمِّيها لك (النجاح)".
يا قريني للنجاح وكسب الدنيا والمال والخيرات وحب الناس أو السذّج بسهولة وسلاسة قواعد ومفاتيح وأصول يجب أن تتعلّمها وتحفظها وتفقهها، واسأل عنها إذاً كنت لا تصدقني الدُهاة والأذكياء والناجحين الذين تساموا بالخبث فإنهم يعلمون ذلك جيّداً، قد ينعت أحدهم على نصائحي حراماً لكن أنت اعتبرها ذكاء وحنكة، وإن أنّبك ضميرك للحظة تذكّر بأن رحمة ربك وسعت كلّ شيء، ولا تخف فكما قلت لك هذا ذكاء وقوّة.
يا عزيزي أصل النجّاح (كسب الدنيا) والذكاء هو الكذب بل هو من شيم الأبطال، كنت أحرصُ أن تتعلّم عليه منذ نعومة أظافرك، فمنها يخرج ذكاء الخداع والغش وذكاء القوة، أنت الآن خرّيج جامعي ومقبلٌ على حراكك في معترك الدنيا فلهذا أنصحك، وأنا أفخر بإنجازك قبل نصحكَ وقَبْلَ كل شيء، تذكّر أني معك مُذ أن كُنتَ طفلاً يا قريني، بل أذكر أني كنت أدرِّسك!! عندما طلب منك مدرّس اللغة العربية حفظ القصيدة فذكرتك بها أنا بعد أن كتبتها أنت على كفّكَ باسم الشطارةِ ونجحتَ بذكائك لا الغش، بل أسعدتني عندما تطوّر بك الحال وأصبحت محترفاً في الإعدادية حتى بت قادراً على سرقة الاختبار قبل بدايته، بل صفقتُ لك عندما بدأتَ بالدهاء باشترائِكَ للاختبار بتسريبه، بحجة أن تذاكر وتستعد للاختبار وبعداً عن الغش الظاهر في قاعة الاختبار، فلا داعي لنبش الماضي وتمثيل دور الشريف الآن أمامي فنحن معاً منذ البداية، لكن أحبك كثيراً عندما تمثّل وتفعل هذا أمام غيري وتخبِّئ ما أراه أنا وضميرك إن أفاق.
الآن وأنتَ مقبلٌ على الوظيفة لا تنسَ سر النجاح "الكذب" أو دعني أسمّيه "ذكاء الكذب"، إن صرت موظفاً في إحدى الجهتين لا تنس التملّق المُثَعلَب، خصوصاً في الجهات غير الخاصة، اجعل زملاءك هم الذين يعملون واكتفِ أنت بما يرضي مديرك وما يبيّض وجهه، واذا صادف أنه تلميذٌ لأحدِ أصحابي فتلك غنيمةٌ خالصة، فحينها لا توضح له كذبه وسرقته بل شجّعه وقل له إن ذلك نجاح، واجعله بحنكتك أن يأمر باحتفالات وحتى مؤتمرات لنجاحه المزعوم، وفي المؤتمرات والاحتفالات زاحم الجميع على الصور وكن الأبرز إلا في صورتك مع مديرك، دعه الأبرز والأعظم وأنت أمامه مساعدٌ مخلصٌ صغير فحتماً سيحبك هو كما أحببتك أنا، اكتفِ أنت في الفترة الراهنة بفتات قسمِ مديرك من الكعكة ولا تضايقه، فستظل أفضل حالاً من أقرانك وستكون يوماً أعلى منه، ثم انسه وتجاهله فقط إذا تأكدت أن لا طائل منه، صاحب من هم فوق القانون بالذات لو كانوا كذلك بحمضهم النووي (DNA) أي باسمهم الأخير، فهم من يُعتد بهم، لا تقل عنهم إنهم يمتلكون عصا "الواسطة"، بل أصحابُ يدٍ بيضاء يخدمون بها من يستحقون ذلك، تعلّم منهم لأن بعضهم في السابق كانوا مثلك.
لكن إن جازفت وصرتَ معلماً أو شاعراً أو شيخَ دينٍ أو إعلامياً أو ما شابه، فهنا الأمر يختلف، فيجب عليك تقمّص الخير في معظم حالاتك لأنك دائماً أمام الناظرين، وهذا صعبٌ في البداية، لكن باختصار لا تفعل خيراً إلا رياء، وحبذا إن كان قليل الجهد وعظيم المثالية، فلو صرت إعلامياً فاجعل سمتك التطبيل وانتقِ من تطبل له، ولا تزعج الكبار أبداً ولا تفكر بذلك، بل كن أول مَن يبارك إنجازاتهم وقراراتهم وإن كانت بسيطة، تعلم يا عزيزي ممّن تراهم الآن في خشبة المسرح ونافذة "تويتر"، وإن أردت الاحتراف فطبّل بشكلٍ غير مباشر حتى إذا غرقت سفينة الكبار لا تقفز منها للغرق، بل اقفز على سفينة الكبار الجُدد، وإن أحببت الشعر فذاك رزقٌ يدر ذهباً، إن أحسنت استغلاله، لكن هـل أدلَّك على ما هـو أعظم؟،
إذا صرت شيخَ دين فهذا سلاحٌ ذو حدّين؛ لأَنِّ الدين أمام جهل مجتمعنا هو سيّد العواطف والمسيطر عليها، فبذلك تكون أباهم الروحي بامتياز، فلا تنزل الميدان إلا اذا ضمنت عواطف الناس، وحينها لا تخرج من إطار "اسمع وأطع" أو "الصبر على البلاء"، خصوصاً في الأوقات الحرجة التي يزيد تذمّر الناس على من يجب ترضيهم، وأشغلهم بفتاوى "المرأة واختلاطها" عوضاً عما يجب إنكاره، وإذا وصلت لهذه المرحلة فالعب على وتيرة "كفر النعمة هو سبب بلائكم"، وإن افترقت خطأً ووقعت في مشكلة أمام العيان أو حتى في فضيحة عظيمة تؤثر على سيطرتك على عواطف الناس فلا تقلق، فقل كمن قال إن "أرواحاً شريرة تلبّسته"، وهي من افتعلت الفضيحة، فحتماً بجهل عواطفهم سيصدقونك.
يا قريني تذكر أن الدنيا "لعبٌ ولهو"، وسيِّدُ الموقف هـو من يلعب جيداً ويستمتع باللهو دون الوقوع في أي شيء يعكّرُ صَفوَه، كن ذكيّا ولا توقظ ضميرك من سباته واجعله مقيّداً، فإن صحا قد تخسر ما بنيته لسنين!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.