حكاية خذلان الثورة السورية في العالم هي مجموعة من الفصول المتتابعة عاشت تونس أجزاء كثيرة منها، انطلاقاً من تجنيد تونسيين للقتال مع بشار، وضده أيضاً، وصولاً إلى حملات التضامن من السياسيين التونسيين مع نظام بشار؛ إذ يتم تنظيم قوافل "للمتضامنين" بين الحين والآخر لتقديم فروض الولاء لقائد "المقاومة الافتراضية".
توجه يوم الأحد 19 مارس/آذار 2017 عدد من نواب مجلس نواب الشعب التونسي إلى سوريا للقاء مسؤولين من النظام السوري، وعلى رأسهم بشار الأسد، ويتألف الوفد من قيادات في الأحزاب المعارضة، على رأسهم قيادات الجبهة الشعبية -مجموع أحزاب يسارية تونسية شعارها "الدفاع" عن المظلومين والعمّال والحّريات- طبعاً بالنسبة لهؤلاء الشعب السوري ليس مظلوماً ولا يتعرض لمحرقة بل هم مجرد إرهابيين عملاء لأميركا وإسرائيل في عملية تماهٍ غريبة جداً مع نظريات إيران التقليدية التي تخترق بها المنطقة العربية منذ مدة.
ولن نطنب في الحديث عن تخاذل السياسيين كثيراً، باعتبار أنّ فضاء السياسة وأحكام اللعبة السياسية التوافقية في تونس تتطلّب مثل هذه المواقف التي رأى فيها العديد من الناشطين "علامات الخزي والعار"؛ فقد لاقت هذه الزيارة الأخيرة انتقادات كبرى وموجة استنكار اجتاحت منصّات التواصل الاجتماعي، كما تعالت أصوات بعض السياسيين المؤيدين لثورة الشعب السوري تنديداً بهذه الزيارة لنظام البراميل المتفجّرة.
شبيحة اختصاص إعلام
ويفسّر بعض الباحثين في الشأن السوري أنّ التغطية الإعلامية لثورة الشام قد تباينت في بلدان الربيع العربي وأضحت حلقة مهمّة ترتهن للمزايدات والتجاذبات السياسية بين القوى الفاعلة.
وبالنسبة لتونس يستوجب منّا استعراض صورة الثورة السورية قطعاً الحديث عن وسائل الإعلام التونسيّة التّي انقسمت بين مؤيّد للثورة والحراك الشعبي ضدّ آل الأسد، وبين معارض لها، والعمل على تشويهها.
هذا وقد بيّن العديد من المراقبين الدور المشبوه لبعض وسائل الإعلام المحلية في تونس، وليس جلّها، وما يفعله بعض الصحفيين عند تغطية أحداث الثورة في دمشق حتى انتقلت معركة الثوار والشبيحة إلى الميديا التونسية، وتم استحضار جميع مفردات ومصطلحات الثورة وخصومها في مشهد يضع الجميع في قلب الخصومة.
فباسترجاع سجّل الأحداث منذ بداية الربيع العربي نجد أنّ الإعلام التونسي قد خصّص حيّزاً هامّاً من البرامج لتغطية الثورة الليبية والمصرية، مثلما هو الأمر مع القناة المحلّية "نسمة" الخاصّة التّي جنّدت بلاتوهات يومية لتغطية ثورة بنغازي.. كما اكتسحت أخبار ثورة ميدان التحرير نشرات الأخبار في كافة وسائل الإعلام التونسي تأييداً للثوّار، ولكن مع سوريا اختلف الأمر كثيراً فقد أصبحنا نشاهد تحيّزاً واضحاً للنظام الأسدي من خلال كافة البرامج التي تتناول الثورة السورية على أساس أنّها "مخطّط قطري أميركي تركي للسيطرة على المنطقة وعلى حزام المقاومة سوريا"، في تناسٍ أعمى لصرخات الشعب السوري الذّي أدميت أقدام أطفاله سعياً بين المخيمات.
تصفية حسابات
ويرجع العديد من المحلّلين تخاذل بعض منابر الإعلام التونسية في الدفاع عن خيارات شعب أثقلت كاهله طعنات آل الأسد المتتالية لعدّة أسباب، فالثورة السورية تعتبر ورقة سياسية بامتياز بين الفرقاء في تونس كلّ يجذبها حسب أهوائه ومصالحه، ولم تكن أبداً صور الثكالى واليتامى ومقطوعي الأيدي والأرجل هي الدافع الأساسي لهم، فالكلّ يجري وراء تسجيل نقاط انتخابية تخدم حزبه وأيديولوجياته، فما كان على المعارضة التونسية بشقيها الإعلامي والسياسي سوى أن تصطفّ ضدّ ثورة الشام فقط؛ لأنّ أحزاب أخرى تؤيد خيارات الشعب السوري الذّي اختار طريق الربيع رغم وضوح الإجرام للقوى والميليشيات المساندة للنظام.
لكن الأخطر في ملف الدعم الإعلامي والسياسي في تونس لنظام بشّار هو تلك التسريبات المتواترة حول تمويل إيران ونظام بشار لحملات المساندة؛ إذ تفيد بعض المعلومات عن وجود شبكات منظّمة موازية تعمل تحت غطاء بعض الجمعيات والمنظمات غير الحكومية لحشد التعاطف مع كل الأطروحات الإيرانية في المنطقة؛ لعلّ آخرها ما يقوم به منتمون لحزب الشعب ذي التوجهات القومية وأنصار الجبهة الشعبية برفع صور معمر القذافي وبشار الأسد وحرق علم الثورة السورية، وذلك بتنظيم من قِبل جمعية مقرّبة لإيران.
كذلك يعتبر ملّف سفر الشبّان التونسيين إلى سوريا لقتال النظام أيضاً من أهمّ النقاط التي يرتكز عليها اليوم هؤلاء السياسيون والإعلاميون في تونس، ويرون أنّ ذلك "رحلة للموت ومشاركة في مخطّط إرهابي".. بينما يتجاهلون ذهاب مسلحين آخرين إلى سوريا بهدف القتال إلى جانب النظام، وتونسيين آخرين مقيمين في سوريا قاتلوا إلى جانب بشار بدافع الحفاظ على أموالهم وممتلكاتهم ورغبة في الحصول على أموال.
ولعل أبرز نقطة في مساعي النظام السوري ومثيله الإيراني في عملها داخل تونس هي توجيه ضربات "انتقامية" من الأطراف التي دعمت الثورة في عهد الترويكا الحاكمة سابقاً، وتصفية حسابات قديمة معها.
تقنيات التشبيح الإعلامي
لقد بدأت تتفاقم موجة الدفاع العلني عن نظام بشّار في استديوهات الإعلام التونسي المحلّي من خلال استعراض برامج حوارية تشكّك في خفايا الثورة ومآلاتها في سوريا، وتسابقت بعض وسائل الإعلام في تونس التي تحرّكها أطراف سياسية معيّنة إلى الدفاع علناً وضمنياً عن مجازر بشّار وشبيحته ضدّ الشعب السوري، فقد جنّدت إذاعات ميكروفوناتها وقنوات كاميراتها وصحف أقلامها للحديث عمّا يسمّونه "رحلة الموت"، في إشارة منهم إلى سفر بعض الشباب التونسي إلى سوريا، ونشروا الإشاعات حول "فتوى جهاد النكاح"، وأنّه يتمّ التغرير بتونسيّات صغيرات السنّ للسفر إلى سوريا بهدف نكاح المجاهدين والتخفيف عنهم وتمتيعهم! إشاعة بدأتها قناة "الميادين" الشيعية وروّجتها وسائل إعلامية عدّة في تونس، ونسجت حولها حكايات ألف ليلة وليلة، وقد فضحت الإعلامية التونسية "مليكة الجباري الهاشمي" حقائق الخط التحريري الدعائي لقناة "الميادين" الفضائية، وذلك بعدما استقالت من القناة، وقالت إنّها رفضت تمرير "كذبة جهاد النكاح" في تقاريرها.
لقد تكاثرت الفقاعات الإعلامية في تونس حول ثورة الشعب السوري من "جهاد النكاح" إلى "ثقافة الموت" وبدأ الإعلام التونسي المنحاز لبشّار يجيّش جنوده من جديد لتمرير فكرة إمكانية "التصالح" رسمياً مع نظام بشّار، وباتت بعض الأبواق تدعو إلى إمكانية "عودة الدفء" بين نظام بشّار وتونس من خلال زيارة وفود تونسيّة لدمشق؛ ليعود في نهاية الأمر إلى تونس محمّلا ببشائر "التشبيح"!
وها نحن على أبواب التطبيع مع بشّار وشبيحته، خصوصاً وقد اصطفت "النخبة" وكاميراتها وأبواقها للدفاع عن بشّار ومجازره تجاه الشعب السّوري، وإن كنّا لا نريد أن نحمّل الكلام أكثر ممّا يحتمل، إلاّ إنّنا ندرك جميعاً أنّ هذه الإشاعات هدفها السير قدماً نحو الثورات المضادّة وزعزعة صورة الثورة السورية في الوسط الشعبي التونسي الذّي لا يزال يحتفظ بدعمه للسوريين، ويشّد على أياديهم في رحلة طلب الحرية ولا يعير انتباها لنعيق الحاقدين من الإعلاميين والسياسيين، وقد بات شغلهم الشاغل تلميع صورة بشّار التّي بدأت مخزية منذ اندلاع شرارة الثورة وآلت اليوم إلى مستوى مضحك من الرداءة والعبث.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.