في علوم الهندسة التطبيقية يستعين المحللون والمهندسون بالرسوم البيانية لاستقراء واستخلاص توقعات مستقبلية لنفس الظاهرة، بناء على افتراض التمدد في الظاهرة أو الظواهر تصاعدياً أو تنازلياً، ويعرف امتداد خطي افتراضي كهذا بالـextrapolation.
كمقدمة بسيطة لموضوع الإسلاموفوبيا واليمين السياسي والذي أُجهد الموضوع نقاشاً ومحاورة وطرحاً، سأسطر الكلمات التالية علّها تجد من يناقشها بصوت عالٍ وضمير حي وأجواء أكثر فاعلية وبمستوى أهل القرار؛ ليبعث في مواضيع حساسة كهذه حياة أكبر وخدمة للإنسانية ببصيرة أوعى.
شخصياً لا أحب التعاطي في المستنقعات التصادمية، ولا أحب الجدال العقيم، ولا أحب سوء الظن، ولا أحب الاستماع لمروجي الكراهية بين الأديان أو الشعوب أو الأعراق، وكذلك لا أحب التعاطي في الأمور السياسية لكونها باختصار شائكة وكثيرة الخيوط والوعرة ويغلب عليها إخفاء الحقائق المحجوبة إعلامياً عن الناس وتتميز كل تلك الأمور بالأجندات المخفية والدهاليز شديدة التفرع وتصادم المصالح.
قد يوافقني الكثير من القراء المنصفين على أن بعض القرارات السياسية ذات الصدى العالمي الكبير والتي قد تستفز مكوناً بشرياً كبيراً في هذه الأرض، لا سيما إذا كان القرار ذا جنبة تشتم منها رائحة التمييز الديني أو التمييز العرقي، فهذا يدعو كل الأطياف المثقفة من أصحاب الضمير الحي لإبداء الرأي وإسداء النصيحة وإعادة توجيه الخطاب وتسجيل المواقف بالطرق السلمية الهادفة دفعاً عن تداعيات الأمور للأسوأ، وسعياً لتجذير الخير بين بني البشر وحفظاً لكرامته حيثما كان.
حديثاً سجَّل العالم تصاعد ردود الفعل على قرار الرئيس الأميركي الجديد بحجب رعايا بعض الدول الإسلامية من الدخول للأراضي الأميركية، وفي خضم الجدال المتقد للقرار آنف الذِّكْر، نقلت بعض وكالات الأنباء العالمية عن تعرض مركز ديني حضاري بمدينة كيوبيك سيتي لاعتداء مسلح نتج عنة سقوط ضحايا وجرحى (رحم الله الموتى وشفى الله الجرحى)، وحديثاً سجل في مدينة مونتريال المتعددة المكون البشرية إطلاق تهديدات بزراعة قنابل في عدة مبانٍ جامعية لجامعة كونكورديا بوسط المدينة بتاريخ 1 مارس/آذار 201.
أنا لست بصدد نقاش أو نقد أو تحليل القرار السياسي لدولة سيادية كأميركا من ناحية الضد للقرار أو من ناحية الذين مع القرار، ولكن يبدو لي أن اليمين السياسي ذا الجنحة التشددية يتنامى ويزدهر في أميركا بشكل خاص والغرب بشكل عام في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية.
قبل يوم انطلقت انتخابات في هولندا وتعقبها انتخابات في فرنسا ثم ألمانيا والمحللون يحذرون من تنامي اليمين السياسي المتشدد؛ لأنه بسهولة سيجعل العالم أكثر هشاشة أمنياً وأكثر تنافراً.
لا نعلم مدى مصداقية التحليلات، ولكن قادم الأيام سيكشف إذا ما كانت الأحزاب اليمينية ذات النزعة العرقية والوطنية ستغطي مناطق الاهتزازات الاقتصادية في الديمقراطيات الغربية أم لا.
المراقب للإعلام العالمي يرصد موجة تململ من وجود المهاجرين وبالذات الجاليات الإسلامية بسبب الاعتداءات الإرهابية في أوروبا والضائقة الاقتصادية هنالك، وانتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا.
ولمن يود أن يقف على استطلاع الرأي، على سبيل المثال في هولندا، فما عليه إلا أن يدير المذياع على إذاعة الـBBC الناطقة بالإنكليزية عشية انطلاق الانتخابات في هولندا، 15 مارس/آذار 2017.
شعوب مناطق الشرق الأوسط الساخنة عانت على مدى سنوات من موجات الإرهاب العنيفة، والآن تعاني تلك الجموع النازحة هنالك مع صعود اليمين السياسي في الساحة الغربية الدولية، وهذا بالمحصلة سيزيد من معاناة أبناء المناطق الساخنة النازحين وتضعهم في خيارات أصعب، ولعل أخفّها الموت في مواطنهم الأصلية أو الحجب عن الهجرة من ديار الموت، أو المضايقات المتصاعدة في بعض دول الغرب!
لسان حال الواقع لأبناء المناطق الساخنة المحجوبين من الهروب لمناطق آمنة هو: كمن يرمي شباك الأمل في بحر من اليأس.
إلا أن ذاك اليأس لن يدوم، وما يبعث على الأمل لدى هؤلاء البسطاء من مواطني الدول الساخنة هو ما سجل من تضامن إنساني هنا أو هناك بين تارة وهج وتارة انكفاء.
ولعل سماع صوت العقل في هولندا بعدم فوز ممثل حزب الحرية العنصري لدليل على توغل الوعي السياسي والثقافي في بعض شعوب العالم الأول.
فشكراً أيها الهولنديون الطيبون لحسن تصويتكم بعيداً عن الساعين لتخريب ما بنيتموه من تنوع وتعدد للأجناس والديانات في بلادكم.
نعم يقلقني حصول حزب الحرية لنسبة 19%، ونعم يقلقني سفاهة بعض المتأثرين بالخطب الرنانة الجوفاء المحرضة على كراهية الآخر في بعض مراكز العبادة، إلا أنه انتابني شيء من السرور بأن اجتازت هولندا مرحلة الانتخابات بسلام؛ لأن هناك العديد من البشر لم يفق من صدمات متوالية سابقة قد تهدد التعايش العالمي السلمي.
شخصياً أمضيت ما يربو على ثمانية عشر شهراً في هولندا بقرية تسمى Zoetermer وتقع على أطراف العاصمة السياسية لهولندا، The Hauge، وكانت المعيشة حينذاك من أجمل سنوات العمر لجمال الطبيعة وحسن ابتسامة أبناء هولندا وحسن ترحابهم.
بالرجوع إلى الموضوع الأول، الملاحظ كظاهرة عالمية هو إن مبادئ المجتمع الدولي المتحضر قد بدأت بالتضعضع وهي في حالة رمادية وتصادم داخلي في بعض دول العالم الأول، وهنا نتساءل كما يتساءل الآخرون، في ظل القرارات السياسية العالمية المتقلبة والوضع الاقتصادي العالمي الغامض وانفلات حركات الإرهاب المؤدلجة، هل قضية الإنسان وحقوقه أصبحت في مهب الريح؟!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.