“حلال”.. تحت هذا الشعار تسعى الصين للسيطرة على طعام المسلمين في كل دول العالم

عربي بوست
تم النشر: 2016/06/12 الساعة 17:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/06/12 الساعة 17:10 بتوقيت غرينتش

يقدر سوق الأطعمة الحلال بـ 1,6 تريليون دولار، وهو ما يسيل لعاب الصين، لكنها حتى الآن، لم تنجح في فرض سيطرتها عليه رسمياً.

من الصعب قضاء الوقت في المدينتين المقدستين مكة والمدينة دون استهلاك المنتجات الصينية، "صنع في الصين" في كل مكان، حليّ مشكوك في جودتها يبيعها باعة جوالون على مداخل أكبر أماكن حج المسلمين في حقائب تحمل أسماء علامات تجارية، ربما تم شراؤها من متاجر "كارفور" المحلية، فتزين أذرع السيدات من الطبقة الوسطى والشعبية.

يخرج السكان من منازلهم مرتدين أحذية صنعت في الصين، وبيجامات مصنوعة أيضاً في الصين، كما يستخدمون غلايات صينية لتحضير الشاي الذي يتم تقديمه في أكواب صينية أيضاً، هؤلاء السكان ينظفون أنوفهم في مناديل مصنوعة في الصين، ويصلون على سجاجيد صلاة تمت صناعتها في الصين.

الغذاء خارج السيطرة

لكن، هناك مجال استهلاك واحد في السعودية ما زال خارج سيطرة الصناعة الصينية، وهو الغذاء.

فعلى الرغم من استيراد السعودية أكثر من 90% من احتياجاتها الغذائية: بسكويت أوروبي، وزيوت ماليزية، ولحم تونة تايلاندي، وهي المنتجات التي تتراص جنباً إلى جنب مع عصائر الفاكهة المحلية على رفوف الأسواق الكبيرة ومحلات الأغذية، تظل مشاركة الصين في هذا المجال ضئيلة جداً، إذ تقتصر مساهمتها على أكياس حلويات "سكاكر" مدون عليها شعار "حلال" تنتجها شركة ألمانية في مصنع في مدينة "شنغن" جنوب الصين.

مدير شركة "جينجيتاي" للأغذية الحلال، تشانغ هونغ يى، التي يقع مقرها في مدينة نينغشيا شمال شرق الصين، أوضح في نوفمبر/تشرين الثاني من العام 2014 لصحيفة "غلوبال تايمز" الحكومية، أن "مكة المكرمة هي مركز العالم الإسلامي. فإذا استطعنا ترسيخ أقدامنا في تلك المدينة، سوف نحصل على ثقة المسلمين في جميع أنحاء العالم، وهو ما سيسهل اختراقنا للأسواق الأخرى" .

نمو سكاني

قدرة الصين على وضع منتجاتها المحلية في يد الأجانب لا مثيل لها في الوقت الحالي، فقد وجدنا في "بيسوتو"، وهي مدينة ذات أغلبية كاثوليكية مع وجود عدد قليل جداً من المسلمين، معلبات صينية تحتوي على الأسماك وصلصة الطماطم ومدون عليها شعار "حلال"، علماً أن أماكن وجود تلك المعلبات لا يمكن الوصول إليه إلا على ظهور الخيل.

لكن على الرغم من جهود الحكومة، إلا أن نسبة الأطعمة الصينية الحلال لا تتجاوز 0,1% من إجمالي السوق العالمي، وهو ما يقدر بمبلغ 650 مليار دولار، على أن يصل حجم هذا المبلغ إلى 1,6 تريليون دولار في غضون ثلاث سنوات.

وينبغي أيضاً أن يستمر هذا النمو في العقود المقبلة: ليس فقط السكان لأن عدد سكان المسلمين ينمو بوتيرة أسرع من أي شيء آخر، لكن التمدن وارتفاع مستويات الدخل في البلدان النامية التي تضم تجمعات كبيرة من المسلمين، سيؤديان إلى زيادة شراء المسلمين لأغذيتهم بدلاً من إنتاجها.

في أواخر العقد الأول من القرن الحالي، شهدت الصين أعلى نسبة نمو عالمي كدولة مصدرة للمنتجات الحلال، وفقاً للأحكام اليهودية "كوشي"، وبفضل وجود أكثر من 500 مصنع معتمد في البلاد، تتوجه نصف صادرات الصين إلى الولايات المتحدة الأميركية، التي تعد اليوم أكبر مستهلك لمنتجات كوشير التي تحترم الشعائر اليهودية، وهو نجاح ملحوظ بالنسبة لبلد لا يضم أي مجتمع يهودي أصلي.

لدى الصين بالفعل صناعة أطعمة حلال خاصة بها، وتبلغ قيمتها 20 مليار دولار أميركي، كما تقدم أغذية لما يقرب من 23 مليون مسلم صيني.

"ينتشوان".. مدينة الحكم الذاتي

إذا أصبحت الصين يوماً عملاق سوق الحلال العالمي، ستشعر مدينة "ينتشوان" التي تغزوها مبيعات منطقة "نينغشيا"، بالتأثيرات الرئيسية، فهي منطقة الحكم الذاتي للمسلمين ذات الكثافة السكانية المنخفضة في الشمال الغربي.

تفتخر المدينة بمآذنها المصنوعة من الجبس والمساجد العملاقة الفارغة تقريباً، كما أن لدى هذه المدينة تراثاً إسلامياً حقيقياً: المطاعم الحلال في كل مكان، النساء محجبات والرجال يرتدون الطواقي في الشوارع، وخلال شهر رمضان، يتم تنظيم الاحتفالات في كل أنحاء المدينة ابتهاجاً بفترة الصيام.

يعيش المسلمون في هذه المدينة منذ قرون ولا يتكلمون العربية، وعلى الرغم منذ ذلك تمت كتابة اللافتات الإرشادية في المدينة باللغتين الصينية والعربية، استعداداً لاستقبال آلاف المسلمين الأجانب الذين يتوافدون على المدينة لحضور المعرض التجاري العربي الصيني الذي يتم تنظيمه سنوياً منذ عام 2010 من أجل جذب كبار الشخصيات والمسؤولين والمستثمرين ورواد الأعمال العرب.

التدفق السنوي للزوار تسبب في تغيير كبير في ينتشوان وتشونغ، وهي بلدة ذات أهمية أقل من ينتشوان تقع على بعد ساعة واحدة منها بالحافلة. 80٪ من سكان تشونغ مسلمون من قومية هوي.

أما ينتشوان فهي عاصمة منطقة صغيرة فقيرة ومعزولة، ولكن المدينة تمتلك مطاراً كبيراً ومطاعم ومتاجر فاخرة.

وقد ظهرت في منطقة وسط المدينة العديد من الفنادق: بعضها يلعب بورقة الإسلام، بوضع تصاميم مميزة للقباب في الخارج، وتوفير سجادات الصلاة ومؤشرات القبلة في كل غرفة، مع مراعاة وجود مضيفات يرتدين الحجاب المطابق لملابسهن الملونة الزاهية.

كما تم بناء حديقة صناعية جديدة في ضواحي المدينة، فضلًا عن تمويل الدولة لرحلات رجال الأعمال الصينيين المعنيين بالصناعات الحلال إلى دول الخليج.

طوق وطريق

في تشونغ، يوجد مسجد ضخم مثل قاعات المعارض، يستضيف مرة كل عام حشود الزوار لأداء صلاة الجمعة. هذا المسجد تم إنجازه عام 2011 وهو معروف باسم المركز الثقافي الإسلامي، علماً بأن المبنى يظل خاوياً تقريباً بقية العام، على الرغم من أنه مقرٌ لعدد من جمعيات المدينة مثل Wuzhong Poker Association أو كما يطلقون عليها "رابطة تشونغ للفن النموذجي".

كل هذا جاء بعد مبادرة من الحكومة الصينية لتعزيز علاقاتها مع الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، فمنذ وصوله إلى السلطة في عام 2012، أطلق الرئيس شي جين بينغ حملة تسمى "طوق وطريق" لتوسيع العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع هذه المناطق.

"ينتشوان لديها استراتيجية فريدة من نوعها تجاه الأهداف الاقتصادية والاستراتيجية للصين مع البلدان ذات الأغلبية المسلمة".. يوضح وانغ يوتنج، الأستاذ في علم الاجتماع في الجامعة الأميركية في الشارقة، بالإمارات العربية المتحدة، ويضيف أنه "في السنوات الأخيرة، دعمت الحكومة الصناعات الحلال بشكل كبير وهو ما أدى إلى النمو السنوي لتلك الصناعات بنسبة 10%".

وتأمل بكين أيضاً في تكوين تكتل من مئات الشركات الصينية الحلال التي تعمل بالفعل، ويتكون هذا القطاع بشكل أساسي من شركات محلية غير معروفة على الصعيد المحلي توزع منتجاتها في جيوب السكان المسلمين الصغيرة المنتشرة في جميع أنحاء البلاد.

وما تفتقده الصين هو وجود عملية تصديق وطنية (معظم الشهادات يتم إصدارها بشكل محلي) خاصةً وأن عملية الحصول على شهادات معترف بها دولياً يمكن أن يكون مشكلة في بعض الأحيان.

في الواقع، إذا كانت الشهادة الماليزية هي المعيار، فإنها لا تزال ظاهرة حديثة، ففي كثير من البلدان ذات الأغلبية المسلمة في الشرق الأوسط مثل المملكة العربية السعودية، يفضل العديد من المستهلكين المنتجات المحلية التي يعرفونها ويثقون بها.

أزمة ثقة

لدى الصين نظامها المحلي لشهادة المنتجات الحلال، لكن هذا النظام غير معترف به خارج حدود البلاد. وهذا ليس مستغرباً عندما نعرف الفضائح التي أثرت على صناعة الحلال المحلية.

ففي سبتمبر/أيلول من عام 2013 ضبط مسؤولو مقاطعة شنشى، أكثر من 18 طناً من اللحوم التي تباع على أنها لحوم أبقار لكنها في الواقع تحتوي على لحم الخنزير.

وفي مايو/أيار من عام 2015، تم هدم مخبز حلال بعد العثور على لحم الخنزير في شاحنة التسليم الخاصة به، مع العلم بأن العديد من الشركات الصينية قد اعترفت بانها تستخدم شهادات ماليزية مزورة لزيادة مبيعاتها في السوق الصيني.

ما جوا كوان، نائب عن منطقة "نينغشيا" ذات الكثافة السكانية المسلمة العالية، تطرق إلى هذا التفصيل خلال اجتماع المجلس التشريعي السنوي في بكين في شهر مارس/آذار، قائلاً إن "هناك العديد من المشاكل المتعلقة بإدارة المنتجات الحلال، وهذه المشاكل لم يعد من الممكن تجاهلها".

ربما لم يكن المسلمون في بلدان أخرى على علم بهذه المشاكل، لكنهم لا يضعون ثقة كبيرة في المنتجات الحلال الصينية، ففي يونيو/حزيران من العام 2014، نصح الكاتب الماليزي أزمان أنور مواطنيه بتجنب المنتجات الصينية.

"يستخدم الصينيون منذ فترة طويلة التسميات الماليزية والإسلامية لتعزيز شعبية منتجاتهم" هذا ما كتبه الصحفي، ويضيف "لكن كمسلمين، علينا الحذر من منتجات الدجاج القادمة من الصين، وخاصة تلك القادمة من المدن الصغيرة، فهم يقولون إن الدجاج يتم ذبحه على يد مسلمين، لكن هل يمكننا أن نثق بهم؟ المشكلة هي أن الصين ليست دولة مسلمة والحزب الحاكم يشجع على الإلحاد".

يوضح تشانغ هونغ في مقابلة في عام 2014 مع غلوبال تايمز: "حتى لو ادعينا أننا شركة إسلامية نحترم تعاليم القرآن في كل خطوة من خطوات عملية التصنيع لدينا، يبقى الأجانب حذرين متشككين في إيماننا".

– هذا الموضوع مترجم عن النسخة الفرنسية من مجلة Slate الأميركية. للاطلاع على المادة الاصلية، يرجى الضغط هنا.

تحميل المزيد