"حقاً أنت ما زلت تعيش في الأوهام"، هكذا كان رد أحدهم علي بعد أن نشرت على صفحتي الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك مقالاً في أحد المواقع التي تهتم بشؤون الأسرى الفلسطينيين، فارتأيت أن أعيد نشره مجدداً بمناسبة "يوم الأسير الفلسطيني".
لم يكن الكلام عادياً بالمرة، رغم أننا معشر الصحفيين والكتاب، نسمع ونقرأ كل يوم عشرات التعليقات التي لا تدخر أي شتيمة إلا وتستحضرها، فقط لأنك كتبت رأياً يخالف أهواء البعض، لكن تلك الكلمات التي تبدو بسيطة في ظاهرها تحمل أبعاداً أكبر وأخطر، ونحن نتحدث عن القضية الفلسطينية ووضعها الراهن ونظرة الكثيرين -وليس البعض- إليها في الآونة الأخيرة.
صارت الكتابة عن فلسطين "تخلفاً" عن الركب و"الموضة " والعصر، وصار "الوفي" لهذه الكتابة أشبه بالذي يعيش خارج الزمن، وما زال يحصر نفسه في "إطار ضيق" معدوم الأفق، هل وصلنا إلى هذا الحضيض إذن؟
بدون تردد سيأتي الجواب نعم، وبكل حسرة وألم، أضحى الحديث عن مفردات من قبيل "القضية المركزية" و"الأولى" مجرد أسطوانة مشروخة كانت تقال ذات يوم في الإذاعات والبلاغات العربية "العتيقة" التي لا تسمن ولا تغني من جوع، هذا صحيح لكن ما ذنب الفلسطينيين في هذا يا ترى؟ ما ذنبهم أنهم كانوا مجرد "شعار" يتسلى به الحكام للضحك على ذقون الشعوب؟ أليسوا هم كذلك ضحية؟ فلماذا نأخذ الصالح بجريرة الطالح؟
غريب ومريب أن نضع الاثنين في كفة واحدة، يا سيدي الكلام "المقرف" عن "الممانعة " و"الصمود " و"الوحدة" والذي لم يتقدم أحد منهم متراً واحداً من أجل تفعليه وبلورته على الأرض خدمة لنفس "الشعارات المتهالكة"، مثير للخزي والعار والقرف، لكن ما دخل أبناء الشعب الفلسطيني به؟ وهل من العدل "إقحامهم" في جريمة لم يرتكبوها، بل ارتُكبت بحقهم وببشاعة؟
هذا الخلط الموجع أصبح السائد في الكثير من المجتمعات العربية، وصار "الاستخفاف" هو اللهجة الوحيدة التي يقابل بها من يتحدث عن التغريبة الفلسطينية بأسىً، ويكتب عنها بدمه لا بقلمه، طبعاً هذا الكلام لا علاقة له بـ"الخطاب السائد" في الإعلام الرسمي العربي "أصل الداء" الذي لا يود الاقتناع بعد بأنه أكبر "المصائب" التي تطعن القضية النبيلة الأصلية في الصميم.
مع العلم أن "حدة" الخطاب إياه تراجعت في الآونة الأخيرة ليس لابتكار "بديل" آخر، وإنما لأن الموضوع من الأساس لم يعد "يستهوي المشاهدين"، فهل تساءل هؤلاء عن السبب يوماً ما؟ وكيف وصلت القضية لهذه المرحلة الكارثية؟
هذا دون إغفال أن بعض الصحف صارت تجبر كتّابها على "الترفع" عن الكتابة حول مأساة الشعب الفلسطيني تحت مبرر "واهٍ" بأنها لم تعد تجذب اهتمام القراء وتشكل "عالة" على المنبر، فهل كل هذا مرتبط برياح التغيير والحرية التي نزعم أنها هبت وتهب علينا في الوطن العربي؟ وأية رياح يمكن أن تحمل معها البشائر وفلسطين لا تزال ترزح تحت الاحتلال الغاشم؟
يجدر بنا الاعتراف أن "مفاهيم" كثيرة انقلبت لكن "للأسوأ" قطعاً، وعوض أن نواجه ونقف في وجه السرطان الذي ينخر جسد هذا الوطن العربي المعتل، ننخرط جميعاً خلفه ونصفق له ونتجند خلفه لالتهام الأخضر واليابس، وتحت هذا المسمى أقول إنها "لعنة فلسطين" والاتجار بها، وستطارد الكثيرين وتقتص منهم الواحد تلو الآخر.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.