غدًا سيقرر ثلاثة قضاة في القاهرة ما إذا كان سيُسمح للنيابة العامة بمتابعة قضيتها ضدي وضد زميلي، الصحافي والناشط الحقوقي حسام بهجت، وذلك في خضم استمرار حملة هجوم الحكومة على المنظمات غير الحكومية في مصر.
بالنسبة لي، تركزت القضية المرفوعة ضدي على دوري في تأسيس الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، التي تهدف إلى تثقيف الجمهور المصري حول الحقوق المدنية والإنسانية، أما بالنسبة بهجت، فمن المعروف على نطاق واسع كيف استطاعت تحقيقاته الصحفية هز أركان الحكومة، ولكن مع ذلك، تركزت القضية المرفوعة ضده على أنشطة المنظمة التي أسسها، المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.
لقد تم استهدافنا لأن مؤسساتنا توفر الدعم الحيوي لأولئك الذين يواجهون انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، فلقد مثّلنا ضحايا التعذيب من مختلف الأطياف، سواء من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، الليبراليين، اليساريين، ضحايا الاعتقال التعسفي، وحتى من مؤيدي الحكومة، ودافعنا عن فكرة أن حقوق الإنسان تخص الجميع، بغض النظر عن عقيدتهم، وإن الحقوق المدنية ملك لجميع المواطنين، بغض النظر عن ثرواتهم أو سلطتهم.
هذا الأسبوع، سيقرر القضاة أيضًا ما إذا كان سيُسمح للمدعين العامين بفرض إجراءات إغلاق مكتبي ومكتب بهجت، ومكاتب المنظمتين، تجميد أصولنا، توجيه اتهامات جنائية لنا، وحظرنا من السفر، وإذا تم هذا الإجراء، فإن ذلك لن يكون بمثابة قيام الحكومة المصرية بإغلاق المنظمتين المذكورتين في هذه القضية فحسب، بل بمثابة إغلاق جميع المؤسسات غير الحكومية والتي تعمل باستقلال عن الأجهزة الأمنية وتنتقد انتهاكات الحقوق.
رغم غموض القضية الراهنة، إلا أن الرسالة الأساسية التي توجهها تبدو واضحة؛ فهذه هي الطريقة التي يعتزم بها نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، المدعوم من الجيش، القضاء على مشاركة المنظمات المدنية المستقلة في البلاد.
بشكل عام، تُمقت الأنظمة الاستبدادية المجتمع المدني القوي، ومصر ليست استثناء من هذه القاعدة، ولكن في عهد الرئيس حسني مبارك، وعلى الرغم من المضايقات الحكومية الروتينية، استطعنا بناء مجتمع مدني مستقل فعّال، وخلال تلك الحقبة، كان يمكن للشرطة أن تغلق مكاتب المنظمات، ولكن كان من النادر أن يستمر إغلاقها لفترات طويلة، كما لم يتناه إلى أسماعنا حالات سجن لأعضاء وموظفين في هذه المنظمات.
بعد خمس سنوات من الإطاحة بمبارك، لا يمكن للأمور أن تبدو أشد اختلافًا، فإذا كان مبارك واثقًا بنفسه لدرجة تمكّنه من تحمل وجود مجموعات مستقلة تعمل خارج نطاق سيطرة الدولة، فالسيسي يفتقر لمثل هذه الثقة.
يعد وجود المجتمع المدني في بلد مثل مصر مهمًا للغاية، لأن هذه المنظمات قادرة على لعب دور هام كوسيط في حالات التوتر والصراع؛ ففي عام 2011، عندما خرج الملايين إلى الشوارع للاحتجاج على نظام مبارك، أحدثت منظمات كمنظماتنا، جنبًا إلى جنب مع النقابات العمالية والجمعيات المهنية والجمعيات الخيرية، فرقًا حاسمًا في نتيجة المظاهرات، حيث زودتها بهيكلية حافظت على حالتها البناءة واللاعنفية، ولكن نظرائنا في سوريا وليبيا لم يحالفهم الحظ، وتحولت الاحتجاجات هناك بسرعة إلى نزاع مسلح.
بعد خلع مبارك، بذلت المنظمات الشبيهة بمنظماتنا جهودًا إضافية لترجمة المشكلات المزمنة والاحتياجات طويلة الأمد إلى مطالب قابلة للتطبيق تم تضمينها في المفاوضات السياسية؛ ففي عام 2011، على سبيل المثال، قادت منظمتي مبادرة شارك فيها المئات من القضاة والمحامين وضباط الشرطة والصحفيين وغيرهم لإصلاح وزارة الداخلية التي كانت مَخشية على نطاق واسع حينئذ، حيث عقدنا دورات تدريبية مع ضباط الشرطة وتشاورنا مع مسؤولي الوزارة.
للأسف الشديد، تم حظر مشروعنا مع وزارة الداخلية في نهاية المطاف من قِبل فصائل لا تروم الإصلاح، وفي الواقع، تغير كل شيء مع وصول السيسي إلى سدة الحكم في عام 2013، مبشرًا بعهد جديد، أشد قمعًا.
فأولًا، كان الاعتداء على الجمعيات الخيرية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، ومن ثم جاءت محاكمات وإغلاق المنظمات الثقافية المستقلة، وبعدها سعى نظام السيسي لإغلاق وملاحقة المنظمات غير الحكومية التي كانت تعمل على تعزيز الرعاية الصحية، التعليم، حرية الصحافة، الإصلاح الديمقراطي، والحكم الرشيد، أما بعض المنظمات، كمنظمتي، والتي اعتادت على انتقاد السياسات الرسمية بشكل صريح، فنأت بمعظمها عن السياسة، وكرست نفسها بدلًا عن ذلك لتقديم الخدمات الأساسية التي أهملت الحكومة توفيرها.
اليوم، لم يبق سوى عدد قليل منا، ونحن نعلم أنه بدون دور الوساطة الذي تلعبه المؤسسات المدنية المستقلة، يمكن للتوترات الاجتماعية الاعتيادية أن تتصاعد بسهولة لتضحي صراعًا على المستوى الوطني؛ فأصحاب النفوذ يمكنهم التلاعب بالخلافات الروتينية بين الجماعات والمجموعات العرقية والطبقات الاجتماعية لتتحول إلى سياسة قوة غاشمة، وعندما يحدث ذلك في بلد يعيش في ظل حكم استبدادي، يتحول المجال العام بأكمله ليضحي لعبة صفرية المحصلة ما بين أولئك الذين يحوزون سلطة شبه مطلقة وأولئك الذين تتعرض حقوقهم الأساسية للخطر.
في ظل الاقتصاد المتداعي، سياسة مكافحة التمرد التي تدور بحلقة مفرغة في سيناء، وتنامي عدم الرضا الشعبي على نطاق واسع، يواجه نظام السيسي اليوم صعوبات أكبر بكثير من تلك التي واجهها مبارك في الأيام الأخيرة من حكمه، ومن الصعب أن نتصور تجاوز الحكومة الحالية لهذه الأزمات بدون حجر أساس منظمات المجتمع المدني، ولهذا السبب، تبدو هجمات السيسي على المجتمع المدني قاصرة النظر للغاية.
في حال خسرنا جولة هذا الأسبوع من كفاحنا القانوني، فقد تتخذ حياتي الشخصية منعطفًا مؤلمًا، ولكن الشعب المصري هو الذي سيتحمل العبء الأكبر الذي سينجم عن ذلك، لأنه سيُترك قريبًا بدون أي وسيط ما بينه وبين الدولة المتداعية.
هذه التدوينة نشرت باللغة الانجليزية على موقع صحيفة نيويورك تايمز للاطلاع علي النسخة الأصلية اضغط هنا، وقامت نون بوست بترجمتها للاطلاع على النسخة المترجمة اضغط هنا
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.